حينما سئل الدكتور كمال عبيد القيادي البارز بحزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان عن الاتفاق حول البترول الذي وقعته بلاده مع دولة جنوب السودان مؤخرا قال: إنه علي' الرف' مالم يتم التوصل إلي اتفاق حول القضايا الأمنية. أي أن الاتفاق سيظل مجمدا وغير قابل للتنفيذ ومربوط بهذه القضايا التي تعني بها الخرطوم في المقام الأول أن تكف جارتها الجنوبية عن تقديم الدعم للمتمردين الشماليين الذين يحاربون الخرطوم ويسببون لها إزعاجا كبيرا علي أكثر من جبهة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور, والذين تجمعوا معا فيما يعرف باسم' الجبهة الثورية' أو' تحالف كاودا'. وقد بدأت الخرطوم في مفاوضة قسما من هؤلاء المتمردين الشماليين الممثلين في الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد مواقفها المتشددة منهم بسبب الضغوط الخارجية والظروف الاقتصادية التي تمر بها السودان وفقا لما ذكره الدكتور نافع علي نافع خلال مخاطبته لقاء مع قيادات تنظيمية شبابية قبل أيام, وأضاف لهم: إننا علي ثقة بأن قطاع الشمال لن يتوصل معنا إلي اتفاق, واصفا التفاوض معهم بأنه مجرد استهلاك للوقت. وطبقا لمصادر في الاجتماع فإن القيادات الشبابية وجهت اتهامات لاذعة للسياسات التي تنتهجها الحكومة في قيادة البلاد واشتكوا في الوقت ذاته من تهميش دورهم في اتخاذ القرارات, وشددوا علي ضرورة اتخاذ قرارات عاجلة تعيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد إلي نصابها وتمسكوا بأهمية محاربة الفساد مطالبين بالحسم العاجل للمفسدين ومن اسموهم بالدخلاء علي التنظيم. وهذا يعني أن الاتفاق الذي توصلت إليه كل من الخرطوموجوبا مؤخرا حول البترول سيظل تنفيذه مرهونا بحل قضايا أخري, وقد حظي الاتفاق بترحيب أطراف إقليمية ودولية عديدة, واعتبره بعض المراقبين خطوة كبيرة في سبيل حل النزاع بين الدولتين الذي كاد يتطور إلي حرب شاملة, وبمثابة إختراق كبير في حلقة مفرغة ظل يدور فيها الطرفان طوال سنوات عديدة دونما أي اتفاق حول القضايا العالقة,. ولم يتفق الطرفان إلا بعد أن تم إحالة الأمر إلي ولاية مجلس الأمن, وأصبح القرار رقم2046 سيفا مسلطا علي الطرف المعرقل, فضلا عن ضغوط دولية هائلة أدت في نهاية الأمر إلي اتفاق يبدو أنه رغم موافقة الطرفين عليه سيظل محل مناقشات وتساؤلات كبيرة في كلا البلدين. وقداتفق الجانبان علي أن تدفع جوبا للخرطوم حزمة تصل إلي ثلاثة مليارات دولار, إضافة إلي رسم عن كل برميل من نفط الجنوب يعبر البنية التحتية للشمال ليصدر عبر ميناء بورسودان, وقالت جوبا إن الرسم سيكون48,9 دولار للبرميل, وأن الاتفاق لمدة3 أعوام فقط. وكان البترول سببا في التوترات والصعوبات الاقتصادية بدولتي السودان منذ انفصال الجنوب في يوليو من العام الماضي, مقتطعا معه نحو75% من470 ألف برميل كانت ينتجها السودان يوميا قبل الانفصال.وفقدت الخرطوم بسبب خسارتها هذه الكمية أكثر من85 في المائة من عائدات صادراتها, التي وصلت إلي5,7 مليار دولار في النصف الأول من عام2011 وفق أرقام البنك الدولي.فيما ظلت دولة الجنوب تعاني بعد إغلاق إنتاج البترول في يناير الماضي, وهو الذي يمثل98% من إنتاجها. الوضع الاقتصادي المتردي في البلدين كان دافعا اساسيا للاتفاق إلي جانب الضغوط الدولية, لكن رغم هذا التردي الاقتصادي فإن الإتفاق سيظل محل تساؤلات كبيرة رغم حاجة البلدين الشديدة إليه, ففي الشمال سينظر بشكوك كبيرة لفترة الاتفاق المحدودة ب3 سنوات علي أنها ستتيح للجنوب الوقت والأموال اللازمة لبناء خط أنابيب بديل إلي أي من دول الجوار كينيا أو جيبوتي عبر اثيوبيا, وعلي أنه سيتيح لجوبا أيضا الأموال لدعم الحركات المتمردة في الشمال ضد حكومة الخرطوم, وفي جوبا ربما يثير مبلغ ال3 مليارات دولار الممنوحة من الجنوب للخرطوم تساؤلات وربما اعتراضات, وسيعتبرها البعض تمويلا لآلتها العسكرية ضد جوبا, فضلا عن عقبات أخري تتعلق بإعادة ضخ البترول, حيث قالت مصادر في صناعة البترول قالت إن استئناف انتاج البترول قد يستغرق ستة أشهر أو أكثر بسبب ملء الأنابيب بالماء لتجنب عملية التبلور, فضلا عن عدم إغلاق بعض الآبار بشكل صحيح. بينما تري الوساطة الإفريقية المشرفة علي التفاوض ان بحوزة كلا الجانبين الوقت الكافي لتسوية القضية الأمنية الرئيسية والمسائل الخلافية الأخري بحلول الثاني والعشرين من سبتمبر المقبل عندما يعاودان التفاوض من جديد. المصدر: الأهرام 12/8/2012م