بقلم: عبد المحمود نور الدائم الكرنكي تمرّ هذه الأيام الذكرى الرابعة عشر لتدمير مصنع الشفاء للأدوية، وسط صمت مطبق لوزارة الخارجية السودانية. ربما الوزارة الموقرة منهمكة ولا تزال في تناول كعك عيد الفطر المبارك!. هكذا تكلّم التجمّع المعارض... (نحن جنودك يا كلنتون). لكن ماذا قال (الواثقون بالنفس) من جنود البارونة. كتب الفيلسوف الألماني (فردريك نيتشه) كتاب (هكذا تكلّم زرادشت). واقترح المفكر الجزائري مالك بن نبيّ، في كتابه عن سيرة حياته (مذكرات شاهد القرن)، وهي من جزئين (الطفل+الطالب)، أنّ قراءة هكذا تكلّم زرادشت، تمنح فاقدي الثقة بأنفسهم جرعة، تحيل فقدان الثقة إلى ثقة مكتملة بالنفس. ويبدو أن التجمّع المعارض قد عمل بوصية مالك بن نبيّ، وقرأ (هكذا تكلّم زرادشت)، فامتلأ ثقة بالنفس، فجاءت تصريحات قادته بعد تدمير مصنع الشفاء مفعمة بالثقة. ومن حقّ المكتبة السياسية السودانيّة، أن تُجمع تلك التصريحات في كتاب يحمل عنوان: (هكذا تكلّم التجمّع المعارض). ولكن ماهي تلك التصريحات؟. قال القيادي في التجمع المعارض ومستشار المتمرد جونق قرنق الدكتور منصور خالد (إن التدمير الأمريكي لمصنع الشفاء دفاع عن النفس). وقال القيادي في التجمع الفريق م. عبدالرحمن سعيد عن مصنع الشفاء وقصفه وتدميره:(المواطن السوداني ليست له مصلحة في إنشاء هذه المؤسسة المشبوهة. ماذا نتوقع غير ضرب مثل هذه المنشآت. وإن السودانيين يعلمون تماماً أنه مكان مشبوه)، نشرت ذلك صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الصادرة بتاريخ 22/8/1998م. وحمَّل السيد الصادق المهدي حكومة السودان مسؤولية تدمير مصنع الشفاء قائلاً (إن هذه الضربة لا يمكن تفسيرها بمعزل عن سياسات الحكم باستغلال مؤسسات مدنية لأغراض عسكرية)، مؤكداً أن الشبهات والدلائل تؤكد ذلك . نشرت ذلك صحيفة الشرق الأوسط الصادرة 25/8/1998م. ومن جانبه أشار السيد الصادق المهدي إلى (وجود العديد من المواقع الأخرى - غير مصنع الشفاء - يثير القلق والشكوك في مناطق مختلفة في السودان). نشرت ذلك التصريح صحيفة القدس العربي نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 25/8/1998م. هل يمكن أن يقدِّم الصادق المهدي اليوم، قائمة بأسماء تلك المواقع المثيرة للقلق والشكوك، وهل يمكن أن يقدِّم قائمة أخرى بأسماء المناطق المختلفة التي توجد فيها؟. ذلك لأن تصريح الصادق المهدي عن وجود العديد من المواقع المثيرة للقلق والشكوك غير مصنع الشلفاء، يثبت أن للسيد /الصادق المهدي (تجليَّات) لاتقل عن (تجليَّات) ابن عمه السيد مبارك الفاضل المهدي في قناة الجزيرة الفضائية مساء 21/8/1998م، عندما حرّض مبارك الفاضل على تدمير مصنع السلاح الكيميائي الآخر، وكان يعني به مدينة جياد الصناعية!. وقال القيادي الشيوعي التجاني الطيب عن تدمير مصنع الشفاء (هذا المصنع ينتج الأسلحة الكيميائية مع غيره من المصانع. إسم مصنع الشفاء ورد في الحديث عن التصنيع الحربي، طبقاً للمعلومات التي وصلت من الداخل، قبل الضربة الأمريكية بفترة طويلة). نشرت ذلك صحفة القدس العربي اللندنية نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية 25/8/1998م. هل أرسل السيد محمد أبراهيم نقد مثلاً تلك المعلومات لرفيقه التجاني الطيب؟. ونقلت صحيفة القدس العربي اللندنية الصادرة يوم الإثنين 24/8/1998م من مصادرها في المنامة - البحرين أن القياديين بالتجمع المعارض السيد فاروق أبو عيسى و«ف.أ.أ» الناطق باسم التجمع، قد كانا وراء الإتهامات بوجود مصنع لإنتاج الأسلحة الكيميائية، داخل مصنع الشفاء من قبل أن يتمّلكه السيد/صلاح ادريس. ونشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، بتاريخ السبت 22/8/1998م، تصريح محمد المعتصم حاكم، المتحدث باسم السيد/ محمد عثمان الميرغني، في أعقاب تدمير مصنع الشّفاء (إنّ ماحدث بالخرطوم مساء الخميس «تدمير مصنع الشفاء» يؤكِّد ماذهبت إليه المعارضة ممثلة في التجمع. إنّنا نبهنا كثيراً وكشفنا كلّ ما يحيط بهذا المصنع وحددنا مخاطره منذ سنوات). السيد محمد المعتصم حاكم نبَّه مَن؟ وكشف لِ مَن؟. وأصدر حزب الأمة برئاسة السيد/الصادق المهدي بياناً بتاريخ الجمعة 21/8/1998م، فماذا قال؟. وقالت (صحيفة الأوبزيرڤر) في 30/8/1998م (لقد هزّ العلماء الغربيّون مصداقية الولاياتالمتحدةالأمريكية). ذلك بينما لم تهتزّ مصداقية التجمّع المعارض، لأنّه أصلاً بلا مصداقيّة تماماً!. التجمع المعارض ليس غير قوقعة فارغة، مكانها ديوان محمد المهدي المجذوب وليس السياسة السودانية. وعندما فاض بحر الأدلَّة والبراهين ضد الغارة الأمريكية على مصنع الشفاء، كتبت (الأوبزيرڤر) اللندنية في 30/8/1998م (لقد ظهر فهرس من المعلومات الخاطئة، والإغفالات الواضحة، والأخطاء الإستخبارية، في قصف مصنع الشفاء. وإن مصداقية أمريكا قد «بعجها» العلماء الغربيّون. حيث أوضحوا أن العناصر الكيميائية التي تُستخدم في صناعة السلاح الكيميائي تُستخدم في صنع حبر أقلام البيك Bic، وأن نكهة الكرز المستخدمة في صنع الحلويات بها عناصر كيميائية تُستخدم في صنع غاز كيميائي يُستخدم في القتال والمعارك، وكذلك غاز «الإمبتا» يُستخدم في صنع منتجات تجارية لا علاقة لها بالأسلحة الكيميائية). وخجلت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال)، رغم استهدافها المرير الطويل «الحافل» للسودان، من تدمير مصنع الشفاء. وعلى غير عادتها أصدرت بياناً بتاريخ 21/8/1998م، تدين فيه الغارة على مصنع الشفاء باعتباره لم يميِّز الأهداف و«ربّما» يمثل خرقاً للقانون الدّولي. و(كتبت أمنستي إنترناشونال) خطاباً إلى السكرتير العام للأمم المتّحدة، تعرب عن قلقها من الغارة الأمريكية على السّودان، وتطالب بعدم قصف المدنيّين. كما طالبت بإرسال فريق تحقيق مستقلُ محايد، - نفس طلب حكومة السّودان من مجلس الأمن - وإعلان النتائج بصورة كاملة وصحيحة. وكان التجمّع المعارض كالعادة «يعرض» خارج الحلقة. فصرّح عضو في هيئة قيادة التجمع لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية الصادرة بتاريخ السبت 22/8/1998م (إنّ هذه الضّربة تؤكد أنّ السّودان يحصد ما زرعه من شرور، والذي يأوي الإرهاب لا بدّ أن يتلقى هذه الضربة). وكتبت «الغارديان» أن أمريكا لم يسبق لها أن اتهمت السّودان بصنع السلاح الكيميائي، فلماذا قصفت مصنع الشفاء، ولم تقصف معسكرات «الإرهاب» التي اعتادت ادّعاء وجودها في السّودان؟. والإجابة على سؤال «الغارديان» واضحة في السؤال نفسه. وهي أنّ الإرهاب لا يوجد أساساً في السّودان. حيث أنّ الغارة الأمريكية لم تدمّر مصنع الشفاء فحسب، بل دمّرت مزاعم واشنطن، بوجود معسكرات الإرهاب في السودان. نفس صواريخ «توما هوك» الأمريكية، التي دمّرت مصنع الشفاء، دمّرت الدعاية الأمريكية عن إيواء السودان «الإرهاب». (لماذا لم تقصف امريكا معسكرات الإرهاب؟.) لايزال السؤال مطروحاً بعد (14) عاماً من تدمير مصنع الشفاء. علماً بأن أمريكا التي قصفت السودان ومارست ارهاب الدولة ضد مصنع الدواء البرئ هي التي لا تزال تضع السودان على قائمة الدول الراعية للأرهاب منذ أغسطس 1993م. أى منذ تسعة عشر عاماً. وقد جددت واشنطن وضع السودان في قائمة الإرهاب في أغسطس الجاري. بإستثناء الصهاينة في إدارة الرئيس كلينتون وبنيامين ناتنياهو، والبارونة كوكس في بريطانيا، لم يكن هناك أحد في العالم بأسره، يرى أنّ مصنع الشفاء مصنع لإنتاج الأسلحة الكيميائية، سوي التجمّع المعارض والسيد الصادق المهدي. هل يؤثِّر التجمّع المعارض و السيد الصادق المهدي في السياسة الدوليّة «الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية» إلى هذا الحدّ!. قال محمد المعتصم حاكم، الناطق بإسم محمد عثمان الميرغني(إنّ ما حدث بالخرطوم مساء الخميس 20/8/1998م، يؤكد ماذهبت إليه المعارضة. إننا نبَّهنا كثيراً، وكشفنا كلّ مايحيط بهذا المصنع، وعدَّدنا مخاطره منذ سنوات). نشرت ذلك صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الصادرة بتاريخ 22/8/1998م. أمَّا حزب (الأمة) برئاسة السيد الصادق المهدي فقد آثر ألا يفوته «شرف» الموقف مع صهاينة الإدارة الأمريكية وناتنياهو والبارونة كوكس، فأصدر بياناً بتاريخ الجمعة 21/8/1998م، حيث يشير البيان إلى أن مصنع الشفاء مشبوه، وأنّ هناك مواقع مشبوهة أخرى. وأضاف بيان حزب (الصادق المهدي) بأنّ حكومة السّودان تنفي أن يكون مصنع الشفاء يُسْتَخدم في صنع الأسلحة الكيميائية، ولكن حكومة السّودان - يؤكد البيان - قد تعوّدت على الخداع وحجب الرؤية، وقضت على الشفافية. إنّ مصالح أسامة بن لادن ومشاريعه لاتزال باقية، حيث كان من المشجعين لإنشاء عدد من المنشآت التي تدور حولها الشبهات في السّودان نشرت ذلك صحيفة«الشرق الأوسط اللندنية 22/8/1998م» إنتهى بيان حزب الأمة. كانت رسالة البيان الذي أصدره حزب «الأمة» برئاسة السيد الصادق المهدي واضحة، وهي: إضرب يا كلينتون بيد من حديد.. نحن جنودك ياكلينتون!. ولكن ماهي حقيقة مصنع الشفاء؟. غداً.. سنرى الحقيقة.