قالت مصادر مطلعة فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا - الأحد الماضي - إن الحكومة الجنوبية وافقت على فك إرتباطها بقطاع الشمال سياسياً وعسكرياً بصفة رسمية وبالفرقتين التاسعة والعاشرة بالمنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق على أن تتولي الحكومة السودانية – بعد ذلك – إجراءات توفيق أوضاع الجنود والمقاتلين. الوفد السوداني من جانبه –بحسب الأنباء– مضي أكثر من ذلك وطالب بتضمين الموافقة الجنوبية فى إطار رسمي مكتوب وممهور بتوقيع الأطراف توقيعاً نهائياً. هذه الخطوة الهامّة اذا قُدِرَ لها أن تتم على هذا النحو فسوف تكون بمثابة المفتاح الذهبي للملف الأمني الأعقد على الإطلاق بين الجانبين. ولكن ومع ذلك فإن عدة إعتبارات ينبغي ان تؤخذ فى الاعتبار عقب الفراغ من هذا الملف، هناك على مائدة التفاوض. الإعتبار الاول أنه اذا كان للحكومة السودانية إنفاذاَ للإتفاق القيام بعملية التسريح وإعادة الدمج للمقاتلين فى الفرقتين 9 و10 ونزع السلاح فإن من الضروري الانتباه هنا الى ضرورة أن يجري هذا الاجراء الهام بمعزل تام عن مسار التفاوض مع قطاع الشمال، فالأمر هنا يتصل بترتيبات أمنية متبقية عن إتفاقية نيفاشا 2005م بين الطرفين -السودان ودولة جنوب السودان- إذ لا جدال أن هاتين الفرقتين من مخلفات الحركة الشعبية الحاكمة حالياً فى جنوب السودان وتسري عليها بنود الترتيبات الأمنية. وقد يقول قائل وما الضير فى أن تتم هذه الاجراءات فى إطار التفاوض مع قطاع الشمال؟ الأزمة هنا سوف تكمن فى أن القطاع ليس طرفاً – فى حد ذاته كقطاع – فى عملية التسريح ونزع السلاح حتى وإن كان هو الطرف الموجّهة له العملية. صحيح أن السلاح سيُنزع منه هو، والتسريح سيطال مقاتليه من أبناء المنطقيتن واذا ما تم إعتباره هو الطرف الرئيس فإن هذا سوف يفرض إحلال القطاع - هكذا بدون أىّ سابق اجراء - محل الحركة الشعبية الجنوبية ومن ثم إعادة تكرار نموذج نيفاشا 2005 فى عمليات تقسيم السلطة والثروة والمسلسل المطول إياه! قطاع الشمال ليس له ما يمنحه مثل هذه الميزة التفضيلية لأنه حتى ولو كان طرفاً فى القتال الذى أُنهِيَ فى نيفاشا 2005 بعملية السلام، فهو يتبع الحركة الأم، وقد ذهبت الحركة الأم لحال سبيلها عقب الانفصال، ومن ثم ما عاد له سوي توفيق وضعه سلمياً ليتحول الى حزب سياسي شأنه شأن سائر الأحزاب السياسية السودانية وفق الاجراءات المتّبعة فى هذا الصدد. بمعني أدق، وإجمالاً، ليس من حق القطاع التمتع بأىّ ميزة جراء شنِّه حرباً جديدة عقب انفصال جنوب السودان وإنقضاء فترة الانتقال؛ إذ كما يُقال فى مثل هذه الحالات، لا هجرة بعد الفتح! الاعتبار الثاني ان نزع السلاح وإعادة الدمج والتسريح قضية سيادية تتصل بسيادة الدولة وعدم السماح بحمل السلاح خارج الأطر الرسمية وفى الوقت نفسه فإن التعامل مع القطاع ينبغي ان يكون مكملاً ولاحقاً لعمليات النزع والتسريح. إذا لم يتم ذلك على هذا النحو فسوف تُفاجَأ الحكومة السودانية بجزء من القطاع يحمل السلاح من جديد وينشق عن الجسم الأول ليبدأ مسلسل جديد مضني ومرهق لا قرار له. الاعتبار الثالث إن أىِّ ميزة يتم منحها للقطاع - بإستثناء المشورة الشعبية والتنمية فى المنطقتين – من شأنها ان تصبح من قبيل مكافأة المتعدي، ذلك أن الحرب الأخيرة التى شنّها القطاع لم تكن سوي عملية إعتداء متعمَّدة ومخطط لها مسبقاً وبعناية، وبلا أدني مبرر، خاصة وأن عدم تسريح ونزع سلاح الفرقتين 9 و 10 كان خطأ وتقصيراً من جانب الحركة الأم ؛ بل كان خرقاً لإتفاق الترتيبات الأمنية فى نيفاشا لو تم فى وقته وبالكيفية المطلوبة لما كانت هناك الآن حاجة الى كل هذ الحراك والدماء!