في البرنامج التليفزيوني (حديث في العمق) مع الدكتور حسن الترابي الذي أجرته قناة الجزيرة وكما استنطق مقدم البرنامج الشيوعي (وراق) استنطق المفكر الإسلامي المعروف فهمي هويدي الذي كنت من المعجبين بفكره ورزانته والتزامه حتى لحظة ظهوره على شاشه الجزيرة.. حيث إنني دهشت لحديثه حول تجربة الإسلاميين السودانيين في الحكم مشيراً إلى ثلاثة أخطاء وقع فيها الإسلاميون السودانيون، الخطأ الأول أنهم قفزوا على السلطة من عل.. وكان ينبغي أن يبلغوا الحكم من القاعدة وقد نقض الدكتور الترابي حديثه وأصلحه وأوضح لمقدم البرنامج الذي أعجبه حديث وراق وهويدي وظل يلاحق الدكتور بالأسئلة الجانبية ويقاطعه ويقحم موضوعات وأسئلة جانبية وغير منتجة ولكن الدكتور الترابي تمكن من توضيح الحقيقة بأن الإسلاميين بدأوا من القاعدة بالبرامج والمبادرات والاقتصاد والثقافة قبل أن يبلغوا قمة السلطة وأن أهل السودان وهم أهل إسلام قديم قدم الرسالة المحمدية وأضيف بأن الإسلام عندما انتشر في السودان بفضل هجرة الصحابة الأولى والثانية، فإن ذلك كان سابقاً حتى لانتشاره في أرض وأنحاء الجزيرة العربية، وهذه الحقيقة قد تخفى على الكثيرين من الذين يعتقدون أن السودان عرف الإسلام مع مقدم جيوش المسلمين بقيادة عقبة بن نافع وعبد الله بن سعد بن أبي السرح. الأمر الثاني قال المفكر الإسلامي فهمي هويدي إن الإسلاميين اهتموا بالجزئيات من الشريعة وتركوا الكماليات بمعنى أنهم طبقوا الحدود ابتداء وهذا زاد من الضغوط الغربية والدولية عليهم مما أدى إلى انفصال الجنوب.. والحقيقة كما صححها الدكتور حسن الترابي أن الأمر قد اختلط على المفكر الإسلامي وأن تطبيق الحدود كان في أخريات عهد مايو عندما شرعت القوانين الإسلامية عام 1983 والتي أسماها الوراق وصحبه ومن نحا نحوهما بقوانين سبتمبر لأنهم لا يستطيعون أن يطلقوا عليها القوانين الإسلامية ثم يكيلونها بالسباب والشتائم في وجه الشعب السوداني المسلم.. وهكذا.. يخطئ خبراء المصريين بالشأن السوداني من أمثال عطية عيسوي وأماني الطويل اليسارية المنحى وأسماء الحسين ويشطحون في حق السودان من باب ادعاء العلم ببواطن الأمور في السودان.. أما الخطأ الثالث الذي وقع فيه إسلاميو السودان بنظر فهمي هويدي والعديد من خبراء الشؤون السودانية أن الجنوب قد انفصل عن الشمال في التاسع من يونيو 2009 عبر الاستفتاء.. وهكذا اعتقاد فاسد وخاطئ وظالم.. لأن الجنوب انفصل يوم دخلت الجيوش الإنجليزية والمصرية أرض السودان وأبادوا 25 ألف مجاهد عند جبال كرري وشرق السودان ومناطق مختلفة وقتلوا حاكم السودان الوطني وحكموا فينا الحكام الإنجليز العامون والمآمير المصريون.. وعندما سنت سلطات الحكم الثنائي قانون المناطق المقفولة وفصلوا السودان الشمال عن الجنوب! لقد عانى السودانيون كثيراً من جهالة بعض أدعياء العلم بمخابئ وأسرار السودان وعانى كثيراً من جهالة بعضهم.. وعانى كثيرا من عمالة بعضهم الآخر الذي تحول إلى عبد لدولارات الحركة الشعبية وأسهم بفعالية في إنفاذ فكرة انفصال الجنوب رغم أن حقائق ما قام به الإسلاميون لأجل وحدة التراب السوداني ناصعة وواضحة لا تخفى على كل صاحب بصر وبصيرة.. ولكن ماذا نقول وإن كل تاريخ المنطقة مزيفا ومزورا وكل آثارنا التاريخية مسروقة ومنهوبة.. وكل الحقائق يداس عليها بأحذية بعض الجهلة والحاقدين والمنافقين.. الجنوب يا أيها الوراق فصله اليساريون عندما أقروا أن امبو وبحردار حق تقرير المصير.. وفصله أهل التجمع الوطني الذين هم أنتم وغيركم عندما تجمعتم في مصر وأقررتم بحلايب مصرية وعندما قررتم في مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرة حق تقرير المصير.. والإسلاميون تعاملوا مع أهل الجنوب بالحسنى وبالمبدأ الإسلامي (لست عليهم بمسيطر) فلا يمكن أن تتم الوحدة بالقوة إذا كانت الأغلبية تريد الانفصال وذلك ما لم يتفق لبعض سياسيي مصر بأن يجعلوا السودان الحديقة الخلفية لهم وأن يتركوه مساحة للأمن القومي.. ولم يعملوا على تعزيز الفكرة لتبقى الوحدة بين مصر والسودان خياراً أول لأهل السودان.. والمجال مفتوح من جانب السودان لعودة الجنوب لحظيرة الوحدة كما هو مفتوح بين السودان ومصر وعندما تتوفر الظروف الموضوعية لتحقيق الوحدة والتكامل وتنفيذ اتفاقيات الحريات الأربعة..الإسلاميون لم يتسببوا في انفصال الجنوب بتطبيق الشريعة كما يقول بعض الأدعياء.. وعلى رأسهم ذلك الوراق! المصدر: الشرق القطرية 27/9/2012م