ثمّة شعور بالارتياح لدى كثيرين من العرب لعدم ترشيح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الدبلوماسية الأمريكية سوزان رايس لمنصب وزيرة الخارجية خلفاً لهيلاري كلنتون، حيث رشّح للمنصب السيناتور جون كيري . لكن ليس مبعث الارتياح هو نفسه لدى الجميع، فالبعض تكوّنت لديه أسباب انطباعية ناتجة عن مظهر رايس المتجهّم . آخرون يذكّرهم اسمها بوزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس صاحبة “مأثرة" الفوضى الخلاقة، ولا ينسون لها تصريحها السادي عن مخاض ولادة شرق أوسط جديد، فيما كانت “إسرائيل" تشن حرب إبادة جماعية وتدمير منهجي في لبنان، ولم يخفف من وطأة ذلك الشعور استقبال مسؤولين لبنانيين لها بالأحضان على وقع المجازر “الإسرائيلية" المرتكبة بالقذائف الأمريكية الذكية . بالمقابل، هناك أيضاً من يراهنون على كل مسؤول جديد ويتوسّمون فيه خيراً لمصلحتهم، لذلك هناك من كان ينتظر بفارغ الصبر تعيين رايس . هذه المراهنة تحضر مع كل انتخابات جديدة في أمريكا وبعض الدول الغربية الكبرى، وحتى أيّ انتخابات في “إسرائيل"، وتحضر في حالة تعيين وزير خارجية أو دفاع جديد في دولة مثل الولاياتالمتحدة، نظراً لضلوعها مباشرة في الصراع العربي - الصهيوني وما تسمى عملية السلام في الشرق الأوسط وسواها من مظاهر سياسة التدخّل في الشؤون العربية، وهو تدخّل لم يفض سوى إلى المآسي والفتن والصراعات الداخلية . كيري ليس قادماً من باطن الأرض، وهو بالتالي ليس شخصية مجهولة في السياسة الأمريكية، فهو عضو في مجلس الشيوخ لخمس دورات متتالية، بل هو أقدم أعضاء الحزب الديمقراطي في المجلس منذ عام ،1984 وعرف عنه العمل على صياغة رد على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 وكان له حضور لافت في السياسة الأمريكية في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط . كيري معروف أيضاً بدفاعه القوي والدائم عن “إسرائيل" وتفوّقها العسكري . ومن الناحية المهنية ينظر له كثير من السياسيين في أمريكا وخارجها باعتباره ضليعاً في الشؤون الخارجية، حيث قام بقرابة ثلاثين رحلة خارجية خلال السنوات الأربع الماضية كمبعوث غير رسمي لأوباما . من هذا المنطلق يمكن الربط بين هذا التعيين والتحدّيات التي تواجهها الولاياتالمتحدة في المنطقة من الزاوية ذاتها، وهي “إسرائيل" وضمان أمنها وتفوّقها، وهو في هذه القضايا متفق تماماً مع أوباما حتى في شأن إعادة النظر وضبط التدخّلات العسكرية من جانب الولاياتالمتحدة خارج حدودها، بعيداً عن السياسات المتهورة للرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن . في الوقت القريب برز تحرك لكيري باتجاه مصر التي زارها مرتين خلال بضعة أشهر لم يلتق خلالهما سوى مسؤولين من حركة الإخوان المسلمين، وكان على رأس المجتمعين به محمد مرسي قبل أن يصبح رئيساً . وخلال الزيارة الأولى في مثل هذا الشهر من العام الماضي، عبّر عن سعادته بفوز الإخوان بأغلبية كاسحة في انتخابات مجلس الشعب المصري . على كل حال، لا بد من تكرار الإضاءة على حقيقة كرّستها التجارب الطويلة في رؤيتنا للمواقف الأمريكية، وهي مواقف لا ترتبط بالأشخاص، ولن نحتاج إلى وقت طويل كي نتأكد مجدداً أن هناك سياسة أمريكية لا تتغيّر إلا باتجاه واحد وهو ضمان مصالحها الاقتصادية والاقتراب أكثر من “إسرائيل" والتسابق في دعمها وتلقيم مدافعها وطائراتها بالذخيرة، وتوفير الحماية الكاملة والمطلقة وغير المشروطة لها في المحافل الدولية . ومن الواضح لكل متتبع للسياسة الأمريكية أن هذه السياسة تتجه يميناً على الدوام وتحرص على تكريس ثوابتها، وقد بلغت درجات أكثر جشعاً وعدوانية تجاه الشعوب، مع تفكك الاتحاد السوفييتي . سيكون من العبث أن يراهن أحد على كيري باستثناء “إسرائيل" ومن يدور في معسكرها، لأن من يفهم جيداً في الحليب يميّز بين أنواع الجبنة . المصدر: الخليج الاماراتية 24/12/2012م