أكد القيادي بحزب الأمة، مبارك الفاضل إن ممثلي الأحزاب المعارضة الذين وقعوا على وثيقة الفجر الجديد بالعاصمة اليوغندية كمبالا مؤخراً جاءوا بتفويض وتنسيق كاملَين من قياداتهم. وأوضح مبارك فى ورقة قام بتعميمها إعلامياً بعنوان (وثيقة الفرصة الأخيرة.. الخلفية والأسرار) إن قادة الأحزاب المعارضة شاركوا ب(فاعلية) – على حد قوله فى وضع وثيقة الفجر الجديد؛ مشيراً الى أن الحوار بشأن ما حوته الوثيقة ظل متواصلاً بين قادة هذه الأحزاب والجبهة الثورية منذ مدة، وأنه لا صحة البتة لمزاعم قادة الأحزاب بأن اجتماع كمبالا لم يكن بأجندة مسبقة أو تحضير جيد. وطالب مبارك قادة أحزاب المعارضة الترجُّل إن لم يكونوا قادرين على تقدم الصفوف بسبب تخوفهم من تهديدات الوطني. ومن المؤكد أن هذه الشهادة السياسية التى يمكن اعتبارها شهادة (شاهد ملك) بالنظر الى حالة النكران الواسعة النطاق التى تمترس خلفها قادة القوى المعارضة، تعتبر حتى الآن الشهادة الوحيدة المباشرة المتاحة رغم كونها جاءت من متهم! ولهذا فإن قيمة ما قاله مبارك الفاضل فى هذا الصدد لا تكمن في تأكيده على (وجود تفويض كامل) لممثلي الأحزاب للتوقيع على الوثيقة، وهو دفاع قادة الأحزاب الوحيد الذي ما زالوا يتمسكون به فى استماتة شديدة، ولكن تبرز أهمية أكبر لهذه الشهادة فى إماطتها اللثام عن (الخلفية والأسرار) التى صاحبت إخراج وصياغة الوثيقة نفسها، فقد كشف الفاضل أن قادة الأحزاب المعارضة (شاركوا بفاعلية) فى وضع الوثيقة وقادوا حواراً متصلاً بشأنها حتى خرجت بالصورة التى خرجت بها، كما أنهم كانوا يعلمون بأن اجتماع كمبالا الأخير كان بغرض التوقيع على هذه الوثيقة. ومن المعروف أن مبارك الفاضل الشديد النهم والاهتمام بالمعلومات بإخراجه لورقته هذه ضرب عدة عصافير فى وقت واحد؛ فهو قام (بمضاربة) فى السوق السياسي المعارض ليربح تقدمه الصف، خاصة فى حزبه القديم الأمة القومي، من خلال مراهنته على عدم شجاعة قادة المعارضة وتخوفهم من الوطني. وبحسب حسابات الفاضل ومغامراته فهو لم يهتم كثيراً -رغم مضاربته هذه- بما إذا كان سيُتهم بتوجهاته العلمانية أو تآمره على بلاده أو اتصالاته بأعدائها، فهو يعتقد أنه (الخيار الأوحد المتاح) في ظل ضعف قادة المعارضة وتلجلجهم وتخوفهم. العصفور الثاني لمبارك هو كسب الثورية الى جانبه، إذ على الرغم من أن قادة الثورية الأساسيين (عقار والحلو وعرمان) لم ترق لهم تنصُّلات قادة الأحزاب وأثارت غضبهم إلا أنهم لم يفعلوا مثل ما فعل مبارك، لم يحرجوا قادة هذه الأحزاب بوثائق دامغة أو تأكيدات يعرفونها. مبارك أدّى هذه المهمة نيابة عنهم (ببطولة) لأنه محسوب حزبياً ضمن إطار (البيت المهدويّ) ذي الأنصار والتوجهات الدينية. فكأنّي بمبارك يريد من قادة الثورية ومن ورائهم واشنطن وإسرائيل أن يعتبروه (قائد المعارضة السياسية) الحقيقيّ بدلاً عن السيد الصادق والترابي وغيرهم. لكن على الرغم من كل ذلك تبقى هذه الشهادة دليلاً قوياً على أن قوى المعارضة بكاملها – حزبية أو مسلحة – تتربص بعضها بعضاً، بل وتستخدم أسلحة خطيرة فى مواجهة بعضها بعضاً، فالثورية أرادت امتحان قوى الأحزاب أمام كافة قطاعات السودانيين، فسقطت الأخيرة مرتين: مرة حين وافقت على ما لا توافق عليه جماهيرها وقطاعات السودانيين؛ ومرة حين لم تستطع أن تتحلّى بالشجاعة الكافية لتحمل مسئوليتها السياسية طالما أنها وافقت على الوثيقة. مبارك الفاضل فيما يبدو كسب الجولة، فقد حاز على (الأدلة) الدامغة وباغت بها هذه الأحزاب ليضربها فى مقتل حتى يتخلص من أيّ منافس، والشيء الغريب –وما أغرب ما تفعله المعارضة السودانية دائماً– أن قادة هذه الأحزاب رغم ذكائهم وفطنتهم وهم بقامة السيد الصادق والترابي والخطيب، لم يضعوا حساباً لرجل مثل مبارك، يقف دائماً فى الزاوية المظلمة من القاعة ويلتقط بكاميرا بالغة الحساسية ويسجل بجهاز تسجيل نادر، وبإمكانه أيضاً أن يخترق اجتماعات المكتب السياسي لحزب الأمة، وبإمكانه أيضاً أن يقاسم السي آي أيه ما لديه من معلومات، وتقاسمه هي الأخرى القليل الذى يكفيه!