تبدو فرص وخيارات المتمرد الدارفوري المتعنت عبد الواحد محمد نور في حالة تضاؤل وتبدد في إمكانية حصوله على (ما ظل يحلم به) وما ظل يشترطه من شروط، فالأمر هنا بالنسبة لما نراه لا يتعلق بقضية دخوله المفاوضات أو رفضه، اذ من المؤكد أنه مجبر عاجلاً أم آجلاً للجلوس للتفاوض، تلك هي سنن الممارسة السياسية حيث لا حرب الى الأبد أو تمرد بلا سقف زمني، غير أن المعضلة هنا تتمثل فيما اذا كان بمقدور الشاب الذي تنقصه الكثير من الخبرة والمرتبط بأطراف دولية مثيرة للشبهات أن (يحصل على شئ) يوازي ما يعتقد أنه (نضال طويل وشاق) خاضه لسنوات. فمن جهة أولى وهذا أهم ما في الموضوع أن عبد الواحد الذي ينحدر من إثنية الفور – وهي تعتبر من أكبر قبائل الاقليم وتمتد في مساحة واسعة منه بحيث تغطي مختلف أجزائه – تكاد صلته بأهله تنقطع ان لم تكن قد انقطعت بالفعل الى حد كبير، اذ أنه وعوضاً عن اللقاء المؤثر الكبير الذي يصعب التهوين منه والذي جمع الرئيس السوداني المشير البشير بقبيلة الفور بمختلف بطونها، وأعيانها وسلاطينها وأطيافها السياسية وطرحوا فيه أطروحات لا صلة لها مطلقاً لا من قريب ولا من بعيد بأطروحات عبد الواحد، فإن اعيان القبيلة وقادتها بدوا شديدي اللهفة لحل عاجل للأزمة استناداً الى الأعراف السودانية وأعراف الاقليم المحلية المتعارف عليها، ويكفي في هذا الصدد ما قالوه جميعاً من أنهم يبحثون عن حل سوداني وطني بعيداً عن الأجنبي وضرورة انشاء آلية مجتمعية محلية تتولى معالجة التفلتات ولم شمل القبيلة والتعايش بين قبائل الاقليم، وكان واضحاً هنا أن أهل عبد الواحد بخلفيتهم الدينية وخلفيتهم التاريخية وما عُرف عنهم من ممالك اسلامية أرادوا ايصال رسالة وصلت بالفعل تتمثل في أن قضيتهم أبعد ما تكون عن أطروحات إبنهم ومن يقفون وراءه!! من جهة ثانية، فإن كل أعيان القبيلة بمختلف توجهاتهم – وهذه من طبائع الأشياء – لا شأن لهم بعلمانية الدولة التي يطرحها عبد الواحد ولا تقرير المصير الذي يتردد على لسان عبد الواحد ثم يتراجع عنه، بل ان المنطق يقول أن أهل دارفور وقبيلة الفور على وجه الخصوص وان حفظت لعبد الواحد نضاله هذا فهي لم تفوضه لكي ينشئ نظاماً سياسياً مستمداً من أيدلوجيته، أو قائماً على اساس ابعاد الدين – الذي قامت حياتهم عليه – عن حياتهم العامة. وهذا ما يضيّق في الواقع الخناق على عبد الواحد الذي ربما اعتقد خطأً أن وزنه السياسي مماثل لوزن الحركة الشعبية في الجنوب ويملك جيش شعبي يفرض به سلطانه على الاقليم. من جهة ثالثة، فإن عبد الواحد لم يربك أهله وحدهم وانما أربك وأغاظ حتى من هم يساندونه من الخارج وهي قوى معادية كونه لا يملك لا قضية واضحة واقعية، ولا أطروحات واقعية ولا امكانيات على الارض تتيح له فرض رؤاه التفاوضية وربما هذا ما دفع الموفد الامريكي الخاص اسكوت غرايشن للحكم عليه بعدم الصلاحية طالباً من مؤيديه في المعسكرات البحث عن زعيم غيره. وهكذا فإن عبد الواحد نموذج للسياسي المحترق الذي أحرق أوراقه وأحرق نفسه بحسابات خاطئة اذ أنه وحتى لو عاد أخيراً فسوف يكتشف أن الأوان قد فات، وأن الأمر لم يكن يستحق كل هذا العناء! ولعل الأمر الاكثر سوءاً الآن أن أهل عبد والواحيد يتجهون الآن للسفر إليه في مقر اقامته المخملي بباريس (لإقناعه)!! بالعودة والتفاوض فقد إنعكست القواعد اذ بدلاً من أن يسعى القائد لأهله ويتفقدهم ويرى أحوالهم يضطرون هم للسفر إليه واقناعه!! ويا لها من مفارقة!!