نقلاً عن صحيفة اليوم التالي نتفهم حرص وزارة الخارجية على تمتين علاقات السودان بمحيطه الإقليمي والدولي، ونثمن جهدها المقدر وسعيها المتصل لتقوية الوشائج التي تربطنا مع الدول العربية، وذلك يمثل صميم عملها، وأوجب واجباتها. * لذلك هضمنا حديث وزير الخارجية، الذي نفى وجود أي توتر في العلاقة بين السودان من جهة، والسعودية والإمارات من جهةٍ أخرى، مشيراً إلى أن البيان الذي أصدرته الإمارات بخصوص أحداث السودان (يجب أن يقرأ في سياقه، ولا يتحول إلى قضية سياسية بين الخرطوموأبوظبي). * كل ذلك جميل ومنسق، لأن موقف الخارجية عكس حرصها على صيانة ملف علاقات السودان مع محيطه العربي، واجتهادها لحفظه بعيداً عن أي شروخٍ أو توترات. * لكننا لم نتفهم مسببات انشغال وزير الخارجية بما يرد في وسائل إعلام مستقلة، وما يدونه كُتّاب الرأي في صحف سودانية خاصة، حول مواقف بعض دول الخليج مما يحدث في السودان، لأن الدول المذكورة لم تشغل نفسها بمحاصرة ما يُكتب ويُبث عن السودان في صحف ووسائل إعلامية أخرى محسوبة عليها. * قبل فترة كتب الصحافي السعودي المرموق عبد الرحمن الراشد مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط (المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق)، شبّه فيه الرئيس البشير بالرئيس السوري بشار الأسد، وأطنب في ذمه، ولم نطالع بياناً من الخارجية السعودية يدعو الراشد إلى الكف عن مهاجمة الرئيس السوداني، ولم يطالبه أحد بعدم الإساءة إلى علاقات بلاده مع السودان. * خلال الأيام الماضية اجتهدت قناة (العربية) في بث أحداث السودان، ونقلت أخبار الاحتجاجات، وغطت المظاهرات بنشاطٍ وهمة، واستضافت العديد من النشطاء والمعارضين السودانيين، ولم نطالع بياناً من الخارجية السعودية يطالب القناة المحسوبة على المملكة بالنأي عما يسيء إلى علاقات السعودية بالسودان. * الحديث نفسه ينطبق على قناة (سكاي نيوز عربية) التي تقوم على استثمار مشترك بين شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي، ومؤسسة سكاي نيوز البريطانية، وتباشر بثها من العاصمة الإماراتيةأبوظبي. * خلاصة الأمر أن ما يرد في الأعمدة والتغطيات الواردة في الصحف المستقلة يجب ألا يشكل هاجساً لوزارة الخارجية، لأنها لا تطلع عليه قبل نشره، ولا تمتلك أدوات السيطرة عليه. * ما يرد في الأعمدة يمثل آراء كُتاب الأعمدة، وما تنشره الصحف يبقى مسؤولية الصحف، وما يرد في القنوات تُسأل عنه القنوات، وتتحمل كامل مسؤوليته، وإلا لصار ما يبث عن السودان في قناة (العربية) وما يكتب في (الشرق الأوسط) مسؤولية المملكة، وما يظهر في شاشة (سكاي نيوز) محسوباً على الإمارات. * اهتمت (العربية) و(سكاي نيوز عربية) ببث ما يجري في السودان، ومارست (الجزيرة) صمت الحملان، وفهم جميع السودانيين الرسالة، واستخلصوا منها حقيقة المواقف الرسمية، هنا وهناك. * ليس هناك ما يبرر قلق الأستاذ علي كرتي بخصوص الملف المذكور، لأن الثابت والراسخ عندنا أن كل صحفنا وجُل كتابنا حريصون على تقوية علاقات السودان مع الأشقاء العرب، ومن يرى أن هناك تجاوزاتٍ تستحق التناول فليفعل، ويقيني أنه لن يتعمد الإضرار بعلاقات السودان الخارجية أبداً. * نعلم حرج الموقف ودقته، وندرك تماماً حسابات اللعبة السياسية المعقدة، ومآلات الواقع السوداني الذي تخلو ساحته السياسية من أوراق الضغط المؤثرة، وتفتقر إلى أدوات التعاطي مع الآخرين من موقع (الندية). * شخصياً أحب الإمارات، وقد عشت فيها سنوات لا تنسى، واستقبلت فيها صغيرتيَّ (نون وأفنان)، وما زلت أحن إليها كل حين، أما أرض الحرمين ومهبط الوحي فرمزيتها بالنسبة إلينا لا تحتاج إلى تدليل. * السعودية والإمارات في حدق العيون. * لكن المعاملة بالمثل تبقى مبدأ دبلوماسياً راسخاً ومعلوماً، ولو في حيزٍ ضيق، يحفظ ماء الوجوه، ويجنبه الإراقة. نقلاً عن صحيفة اليوم التالي