منذ زمن ليس ببعيد كانت مدينة ملكال، عاصمة جميلة تنبض بالحياة لولاية "أعالي النيل" شمالي دولة جنوب السودان، ولكنها أصبحت الآن ظلالًا من الماضي. فقد دمرت المدينة بشكل كبير جراء القتال الراهن بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة الموالية لريك مشار، النائب المقال لرئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت. إذ هدمت العديد من المباني وتعرّضت المنشآت الحكومية للتخريب، ونهبت السوق الرئيسية والمحلات التجارية والمكاتب والبنوك، وقتل العديد من سكان المدينة وضواحيها، في حين نزح الكثيرون، ولجأوا إلى مقرات الأممالمتحدة، والمستشفيات، والكنائس داخل المدينة، وكذلك في ولايات أخرى. وفي مستشفى ملكال التعليمي، شيد النازحون مخيمًا بعد أن فروا من العنف. ريبيكا نيامانا، أم في العقد الخامس، وهي واحدة من النازحين الذين لجأوا إلى المخيم، تسرد لوكالة الأناضول تفاصيل معاناتها قائلة: "الحياة هنا صعبة للغاية، ينام الناس في العراء. في الليل، نعيش في خوف دائم من أن يعود المتمردون". وتمضى قائلة: "النازحون لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، خوفًا من أن المسلحين لا يزالون يتربصون بهم". وتضيف: "المتمردون ما زالوا موجودين، وأحيانا نتلقى تقارير بأنهم يقتربون لإرهاب الناس، ولا يمكننا العودة إلى ديارنا، لأننا ربما نتعرّض للقتل". وتتناقص الإمدادات الغذائية في سوق المدينة، إثر نقلها إلى مخيم المستشفى، فضلا عن ارتفاع الأسعار. وفي تصريح لوكالة الأناضول، يقول حاكم ولاية أعالي النيل سايمون كون بوتش: "سيتم تأمين ملكال بعد طرد المتمردين بعيدا.. لا تزال هناك جيوب للمسلحين، لكنها بعيدة للغاية". ويوضح الحاكم، الذي أضرمت النيران في منزله، أن "الحكومة تسعى إلى إعادة بناء المدينة، ويجب على التجار عرض بضائعهم بسعر منخفض" مراعاة للأوضاع الراهنة. ويعتبر بوتش أن "الحرب الحالية هي أكثر الحروب التي لا طائل منها، ولابد من حوار مستمر من أجل حل الأزمة". فيما تقول وزيرة شؤون الجنسين ورعاية الطفولة في ولاية أعالي النيل، ماريا كونيجوك كواوانغ، إن "النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من الأزمة". وتوضح كواوانغ، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن "الخوف يكمن في أن الأطفال والنساء الذين يعيشون في مساحات مفتوحة، عرضة لتفشي الأمراض، ومن الضروري اتخاذ تدابير للسيطرة على الوضع′′. وتدعو الوزيرة النازحين إلى العودة، ولكن دعوتها لا تلقى آذانًا صاغيًة؛ لأن الناس لا يزالون يشعرون بالخوف. أودويكو أثار بيتر، أحد الذين لجأوا أيضًا إلى مخيم مستشفى ملكال، يقول إن "الجوع مشكلة خطيرة، لكن النازحين لا يمكنهم المجازفة وترك مكان اللجوء.. يعانون من الجوع هنا، لكن الوضع الأمني لا يزال غير مستقر". ويضيف بيتر أن "الجثث المتحللة ما زالت متناثرة في ضواحي المدينة، والمتمردون ما زالوا بالقرب من هنا، ويشكلون خطرًا على حياتنا.. وقد سوي منزلي بالأرض، ولا أملك مكانا لأعود إليه". ويتابع: "ما زلنا نعيش في خوف، ربما يهاجمنا المتمردون في أي وقت، وعلى الحكومة أن تبحث هذه القضية بشكل حاسم". وتبادلت القوات الحكومية وقوات المتمردين السيطرة على مدينة ملكال الإستراتيجية الغنية بالنفط عدة مرات منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما دارت في جنوب السودان مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لمشار، الذي يتهمه سلفاكير بمحاولة الانقلاب عليه عسكريا، وهو ما ينفيه مشار. ووقعت حكومة جنوب السودان، ومجموعة مشار، الأسبوع قبل الماضي، اتفاقاً لوقف إطلاق النار، بعد محادثات سلام رعتها "هيئة التنمية الحكومية لدول شرق أفريقيا" (إيغاد). وفي ختام زيارة لجنوب السودان، الأربعاء الماضي، قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة والطوارئ، فاليري آموس، إن "قرابة 3.7 مليون شخص في جنوب السودان أصبحوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما بلغ عدد المشردين جراء المواجهات 820 ألف شخص". وتفيد تقارير إعلامية محلية بمقتل أكثر من 10 آلاف شخص. المصدر: رأي اليوم الالكترونية 5/2/2014م