لولا أن بعض الظن إثم، لقلت إن "الإخوان" يقفون خلف الحكم بإعدام "528" من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو حكم قدم خدمة كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين، فمثل هذه الأحكام من حيث العدد والسرعة والإجراءات ،لا تصدر إلا عن سلطة فاشية، وهي تندرج في سياق نهج الاجتثاث للمعارضين لسلطة الانقلاب! حتى بعض المؤيدين للانقلاب شعروا بالإحراج من الفضيحة! ولغرابتها فقد أثارت استهجان المنظمات الحقوقية، والهيئات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم! بعيدا عن الجوانب القانونية للحكم، فهذه مهمة المختصين، لكن ما يثير العجب والسخرية ، أن الحكم على هذا العدد الضخم، تم خلال جلسة استغرقت "20" دقيقة، بعد ثلاثة أيام من بدء محاكمتهم، أي أن كل "26 متهما" تم الحكم بإعدامهم في دقيقة واحدة، في غياب المتهمين ومحاميهم! لم يحدث مثل هذا حتى في حكم قراقوش! وحسب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، فإن هذا العدد من الأحكام، يعتبر أكبر عقوبة إعدام جماعية في التاريخ الحديث، ويفوق أحكام الإعدام التي تصدرها عدة دول، ما زالت تتبنى الإعدام طوال عام كامل، ويقارب 700 حالة! والأغرب من ذلك التهم الموجهة لهؤلاء، والتي تتلخص ب "الاعتداء على مركز شرطة مطاي"، وقتل نائب مأمور المركز، والشروع في قتل شرطي وضابط آخر، والاستيلاء على أسلحة الشرطة في المركز المذكور وحرقه"، عقب فض اعتصام مؤيدي مرسي في ميداني رابعة والنهضة يوم 14 آب (أغسطس) 2013"! تخيلوا إعدام "528" شخصا مقابل هذه التهم التي لم تثبت؟ أما قتل وجرح الآلاف برصاص سلطة الانقلاب، خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة، والتظاهرات المستمرة حتى اليوم ضد الانقلاب العسكري فقد سجلت ضد مجهول! لقد كانت أحكام الإعدام الجماعية، وقبلها العديد من الأحكام المسيسة فضيحة للقضاء المصري، وحتى لو تم نقض الحكم وإعادة المحاكمة، كما يتوقع بعض خبراء القانون، فإن صورة مصر في الخارج بدت مشوهة! وأصبح انتهاك المعايير الأساسية لحقوق الإنسان أمرا عاديا. وللتوقيت دلالة، فبعد يومين فقط من الشروع في جريمة"الإبادة الجماعية" هذه، خرج قائد الانقلاب المشير عبد الفتاح السيسي، ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، عبر التلفزيون الرسمي وهو يرتدي الزي العسكري، وهي سابقة تاريخية لم تحدث في دولة أخرى، كما هو حال سابقة أحكام الإعدام الجماعية! والصورة التي ظهر فيها، كانت أقرب إلى رئيس الجمهورية يتحدث للشعب، وليس مرشحا يتنافس مع آخرين، وسبق ذلك كما هو معروف تهيئة إعلامية وتعبوية هائلة، لتصوير المشير بأنه "القائد الضرورة والمنقذ الأعظم" لمصر، ليس من عدو خارجي بل من فصيل أساسي، هو جزء من النسيج الاجتماعي لمصر، ذنبه الوحيد أنه خاض الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفاز خمس مرات عبر الصناديق، بل والمؤسف أن "شيخ الصحفيين" الأستاذ محمد حسنين هيكل، قال في مقابلة تلفزيونية قبل عدة أشهر،"لقد كان خطأ السماح للإخوان بالفوز بالانتخابات"! ومن طرائف الانتخابات الرئاسية، التي يبدو أنها ستكون أشبه باستفتاءات مبارك، أن المشير أعلن في بيان ترشحه، أنه لن يخوض معركة انتخابية تقليدية، أي أنه لن يقوم بجولات للقاء الناخبين وعرض برنامجه، فهو أكبر من ذلك كما يبدو، طاما أن هناك من يناديه "كمل جميلك"! وهو ليس بحاجة إلى دعاية، لكن لأغراض "الإخراج السينمائي"، سيكون هناك فريق عمل لإدارة حملته الانتخابية! وكان لافتا أيضا أن السيسي حظي بتغطية استثنائية من التلفزيون الرسمي، خلال زيارته مقر حملته الانتخابية، وقد أفصح المخرج خالد يوسف عن الفريق الذي سيتولى الحملة، وقال إن الأستاذ هيكل، وعمرو موسى، ومصطفى حجازي، وعبد الجليل مصطفى، هم أول من التقى بهم السيسي، كما انضم للحملة الانتخابية ياسر عبد العزيز، وهاني سري الدين، وعمرو الشوبكي، والمدير التنفيذي للحملة هو السفير محمود كارم! وسيظهر المشير في لقاءات إعلامية محدودة. لقد أغرقوا السيسي نفاقا ووضعوه في منزلة فوق البشر، وسبق أن شبهه أحد أساتذة الأزهر بنبي الله موسى، وشبه وزير الداخلية محمد إبراهيم بنبي الله هارون، وقبل أيام قال أحد "شيوخ النفاق" الأزهريين "إن لم تكن أنت، لن تكون مصر، لقد تركت الجهاد الأصغر وبدأت الجهاد الأكبر"! أما أحد القساوسة فعبر عن تأييده بقوله "أذوب عشقا بالسيسي"! لقد عمل السيسي في الظلام لتنفيذ الانقلاب على رئيس منتخب، وكانت الذريعة أن مرسي فشل في حل مشكلات مصر خلال عام واحد، لكن المفارقة أن المشير قال في اجتماع مع القيادات العسكرية قبل أسابيع، إن "الوضع الاقتصادي سيء جدا جدا وأنه يحتاج إلى جيل أو جيلين لكي يتحسن"، وطالب المصريين بشد الأحزمة على البطون! وبعد أن تنتهي "زفة" السيسي إلى القصر الرئاسي "ستذهب السكرة وتأتي الفكرة" وستنكشف لعبة الخداع!، وأن المشير لا يحمل عصا سحرية لحل مشاكل مصر. صحفي وكاتب أردني المصدر: الراية القطرية 1/4/2014م