كانت أزمة المحروقات إحدى الذرائع التي استخدمت في سيناريو الانقلاب على الرئيس المصري المُنتخب محمد مرسي، وتبيّن في وقت لاحق أن الأزمة مفتعلة ! الآن عادت أزمة المحروقات، ولا أحد يتكلم ممن كانوا يصرخون ويُحرّضون ويتهمون مرسي وحكم الإخوان، بالفشل، وأكثر من ذلك فإن الأسابيع المُقبلة، ستشهد أولى "بركات"عهد السيسي .. رفع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطيّة، وهو ما لم يفعله مرسي. والطريف أن التيار الكهربائي انقطع أربع مرات، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده، وزير التخطيط في الحكومة المصرية الجديدة قبل أيام، وأعلن فيه عزم الحكومة رفع الأسعار! فهل هو انقطاع ناتج عن تفاقم أزمة الكهرباء، أم أنه مُبرمج لتقديم تبرير عملي لضرورة رفع الأسعار، وصولاً إلى "تحريرها" بشكل كامل ! كثيرون هللوا للانقلاب وحرضوا وتعاونوا معه، خاصة من النخب السياسيّة والثقافيّة ورجال دين، لأسباب أيديولوجية أو انتهازية أو شخصية، وخدعوا معهم ملايين البسطاء، ووضعوا السيسي في منزلة المُنقذ و"البطل الأسطوري"، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك في غيه فشبهه بالأنبياء! ولن يمرّ وقت طويل حتى يتبيّن، أن الواقع مختلف عن الشعارات، ولا تصمد أمامه الأكاذيب والفهلوة السياسية. وأهم المُعطيات المطروحة أمام حكم السيسي، هي أزمة الحريّات وحملات القمع الرهيبة، التي تشنّها سلطة الانقلاب على المُعارضين، سواء كانوا إسلاميين أم غيرهم، وأصبح المرء يتساءل هل ما يجري في "مسلخ" ؟ فقد قتل وجرح آلاف في مجزرتي رابعة والنهضة والقتل مستمر حتى اليوم، بالإضافة إلى حفلات أحكام إعدام بالمئات، دون السماع للمُتهمين والدفاع، وأحكام أخرى كثيرة بالسجن، وبين من طالتهم أحكام السجن العديد من صحفيي الجزيرة، وتجربة الزميل عبد الله الشامي من اعتقال تعسفي في ظروف قاهرة نموذج آخر، فضلاً عن اعتقال آلاف الاشخاص من مختلف الأعمار وإخضاعهم لأبشع أنواع التعذيب ! وبالمقارنة لم يحدث أي شيء، من هذا القبيل خلال حكم مرسي، وكان سقف حرية التظاهر والتعبير السماء، حتى إن الرئيس نفسه كان يتعرّض للشتم والإهانة، وكانت الشعارات المُناهضة له تكتب على جدران قصر الاتحادية، ومؤخرًا قال مقدّم أحد أكثر البرامج الساخرة شهرة "باسم يوسف"، إنه أوقف برنامجه بسبب ضغوط، وأنه في عهد مرسي كان يعمل بحريّة، أكثر من عهد السيسي ! وحتى الكاتب "علاء الأسواني" أحد أكثر المؤيّدين للانقلاب، توقف عن الكتابة في صحيفة "المصري اليوم"، وكما قال، عبر حسابه على "تويتر": "لم يعد الآن مسموحًا إلا برأي واحد، وفكر واحد، وكلام واحد، لم يعد مسموحًا بالنقد والاختلاف في الرأي، لم يعد مسموحًا إلا بالمديح على حساب الحقيقة". وإذا كان ثمة صمت وعدم اكتراث دولي، بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في مصر، فإن الأزمة الاقتصادية الخانقة هي التحدي الأخطر الذي يواجهه السيسي، فعندما يشعر ملايين المصريين، أن أوضاعهم المعيشيّة تزداد سوءًا، فلا ينفع بعد ذلك فرحة الفوز بأغلبية 97 بالمئة، والاحتفال الإمبراطوري بالتنصيب، والطرب لحفلات النفاق، من خلال الإعلام والأغاني والرقص وإطلاق اسم السيسي ووضع صوره على منتجات تجارية مثل "تمر السيسي"، وبالنتيجة "الناس عبيد لمصالحهم" وليس للحاكم ! رفع أسعار الكهرباء والمحروقات المُرتقب، سيتبعه كما أكد وزير التخطيط رفع أسعار سلع أخرى وأجور النقل ! ولا ينفع في معالجة هذه الأزمة، نهج العلاقات العامّة الذي يُجيده السيسي، واستخدمه ببراعة للوصول إلى الحكم ! وكان آخر "مبادراته" تبرعه بنصف ثروته لدعم الاقتصاد المصري، وذلك ناتج عن تبسيط لأزمة اقتصادية متراكمة، ثم من يعرف كم هي ثروة السيسي ومن أين جاءت؟ فقد كان على رأس المؤسسة العسكرية، التي تعتبر دولة داخل الدولة، وتهيمن على نحو 30 بالمئة من الاقتصاد المصري، لذلك سارعت "المؤسسة" بتأييد مبادرة السيسي، بالتبرع من أرباح استثماراتها بمبلغ مليار جنيه ! وهذه الحالة غير موجودة غير في الدول المُتخلفة، أن يكون للجيش اقتصاده الخاص دون رقابة أو مساءلة، من قبل مؤسسات شعبيّة منتخبة كالبرلمان، ومثل هذا الواقع يفتح الأبواب واسعة للفساد ! ربما يريد السيسي أيضًا إيصال رسالة، إلى الدول الخليجيّة التي دعمت انقلابه، بأنه بحاجة إلى مزيد من المساعدات، لكن الدول لا تُدار بالتبرعات و"الشحدة"!، التي تنفع في الحالات الإنسانية، وحتى بعض الميسورين ورجال الأعمال الذين سيتبرعون نفاقًا، ربما يكونون مُطالبين بضرائب تقدّر بأضعاف قيمة تبرعهم ! السيسي يهرب للأمام الآن، وهو يدرك أن الشعب المصري يريد تحسين حياته المعيشيّة، وليس المزيد من التقشف كما طالب السيسي خلال حملته الانتخابية، فوجد فزاعة "الإرهاب" ليتاجر بها، ويجعل منها قضيته الأولى، باعتبار ذلك يتناغم مع مخاوف أمريكا ودول الغرب، وبعض الدول الإقليميّة مثل السعودية والإمارات، وكان أهم ما بحثه في زيارته المُفاجئة للجزائر، قضية "مكافحة الإرهاب" وربطه ب"الإسلام السياسي"، وهو يعرف أن "دولة الجنرالات" في الجزائر، سبقت السيسي بالانقلاب على نتائج الانتخابات الحرة، التي فاز بها الإسلاميون في بداية تسعينيات القرن الماضي. المصدر: الراية القطرية 1/7/2014م