نفى رئيس مجلس النواب الليبي عقيله صالح عيسى مطالبة البرلمان المجتمع الدولي بأي تدخل لتوجيه ضربات عسكرية داخل الأراضي الليبية وقال عيسى في تصريح له أمس الأحد إننا لم نطلب تدخل المجتمع الدولي لتوجيه ضربات عسكرية داخل ليبيا حتى الآن ولكن نطالبه بحماية الليبيين وحقن دمائهم ولمنع تدفق السلاح من الخارج. واتهم عيسى بعض الجهات الأجنبية التي لم يسمها بدعم الجماعات المسلحة في البلاد لخلق الفوضى والنزاع داخل الأراضي الليبية. ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي أعلن فيه مجلس النواب الليبي، الميليشيا المسلحة التي أعلنت سيطرتها على مطار طرابلس الدولي وميليشيات أخرى، جماعات إرهابية خارجة عن القانون. واتهم أحمد هدية، المتحدث باسم "قوات درع الوسطى" التابعة للجيش الليبي، والتي تشارك في عملية "فجر ليبيا" مصر والأمارات بشن غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية بالعاصمة طرابلس. وقال هدية، في بيان اليوم السبت، إن "المعلومات الإستخباراتية المتوفرة لدينا إلى حد الآن حول الطائرات التي قصفت العاصمة الليبية طرابلس تشير إلى تورط مصر والإمارات في هذا الأمر". لتكون هذه الإتهامات المتبادلة هي السمة الرئيسة التي تميز حركة التداول الإخباري داخل وخارج ليبيا حول ما يجري فعلا هناك، وقد إنجلت هذه المعارك التي انطلقت منذ فبراير الماضي حول "مطار طرابلس" بتراجع القوات التي يقودها اللواء خليفة حفتر لصالح ما يعرف بكتائب مصراتة التي قامت بعملية إعادة إنتشار في المطار وعدد من المواقع السيادية الأخرى. وضعت هذه الحالة من الإقتتال "المناطقي" هناك شروطاً صعبة إن لم تكن قياسية لإيجاد أرضية لإطلاق أي مبادرات إقليمية أو دولية للحل السياسي في ليبيا بأن تم فرز أطراف هذا الصراع المسلح على أساس أيدلوجي تشترك بعض عناصره في "زخم الحرب على الإسلام والإسلاميين" من باب الخوف الرهابي "الأسلاموفوبيا" التي تجتاح العالم الغربي وحلفاءه في المنطقة الآن. لما تمثله هذه الكتائب المتقاتلة من أهمية كبيرة على مستوى التكتلات الإقليمية، تستدعى بعض قيادات مواجهة الأخرى تحت هذا الغطاء الأيدلوجي، ليتطور الصراع الذي كان "كامناً ما بين مطار طرابلس وبعض المناطق بنغازي" ليصبح حرباً أوسع نطاقاً كعمليات تستخدم فيها كان "وحدات الجيوش" النظامية بما فيها الطيران. وهذه الاتهامات التي وجهها السيد أحمد هدية لكل من مصر والإمارات، وهي مجرد إتهامات لم يتم إثباتها بعد، تشير إلى أن مركزية القرار السياسي في هذا البلد قد تضعضعت وتم تغييبها لصالح هذه الكتائب ومجموعاتها الإستخباراتية، لأن الذي يجري بمدينة طرابلس وبشهادات بعض أبطال "مأساة حرب الكتائب" أنفسهم هو محاولة للسيطرة على مقاليد السلطة في ليبيا. تجئ التغطية الإعلامية لهذه الأحداث التي تنقل من داخل ليبيا، وهي تدفع بنوع جديد من أنواع الدعاية السياسية "المجانية" ذات التكاليف الباهظة في نتائجها لاحقاً. بالسؤال : لماذا يتم ربط التنظيمات الإسلامية في ليبيا بحركات وجماعات دينية أخرى في بلدان لها واقعها السياسي والإجتماعي المختلف، في الوقت الذي كان فيه "الجميع" هم من صنع ثورة فبراير؟! لتأتي الإجابة في أنهم "يستثمرون في خوف الغرب من الإسلاميين"، لأن الذي يجمع اللواء المتقاعد حفتر وبقية المجموعات مثل مجموعة "الزنتان" التي يقودها بنفسه هو "الرغبة في تحجيم وجود التيار الإسلامي في ليبيا" على كبر حجمه وتمدده الإجتماعي، التأريخي في هذا البلد الذي لطالما تعرض للحروب والغارات الجوية العنيفة بسبب هذا الإرث الإسلامي الأصيل. في الوقت الذي لم تتحقق فيه أي نتائج ملموسة للسياسة التي إتبعتها بعض الدول، التي ينقل منها النموذج الليبي الجديد تجربته السياسية، في تصفية الخصوم السياسيين بتجريمهم وشيطنتهم، بالقانون والتشريعات عند الطلب. بغرض إخراجهم من دائرة التأثير السياسي في البلاد، لم تنجح هذه التجربة لأنها تشبه عملية زراعة الكراهية في أرض خصبة وإنتظار "المحبة المتبادلة". وواقع تقليد الحملات الإعلامية الغربية، خصوصاً في الولاياتالمتحدةالأمريكية وغرب أوربا. حول الإسلام والتي إنطلقت بعد خروج "الشيوعية" في 1990م مع ثبوت "بطلانها كمنهجية وأيدلوجيا" في أفغانستان والعراق وعدد من البلدان الأخرى، بوضع الإسلام والمسلمين "كخطر محتمل يهدد الحضارة الغربية" فهو واقع لا يتناسب وحاجة "بلدان عربية وإسلامية". تستند رؤية اللواء حفتر على "إعادة النظامية" إلى ليبيا، وهي مجموعة من الخطط يتم إيجازها في تحقيق هيبة الدولة عبر استعادة زمام القيادة بأيدي "عسكريين سابقين في الشرطة والجيش الليبي" فقدوا مناصبهم بعد الثورة وتعرضوا لمضايقات من بعض المجموعات الأخرى التي كانت تقاتلهم وقتذاك. قبل سقوط القذافي ليتم تعريفهم بالثورة المضادة أو الدولة العميقة. وتركز المجموعة الأخرى في "كتائب مصراتة" وآخرون على ممارسة العمل السياسي المدني عبر صناديق الاقتراع لتتحول مهمتها لتثبيت الشرعية القائمة باعتبارهم "الأغلبية" في هذا البرلمان المنتخب والذي كان هو الآخر مسرحاً لمعارك من نوع آخر تم من خلالها نحر الدستور ووأد الشرعية بالتلاعب في العديد من مواده التأسيسية والآمرة لصالح خيارات غير دستورية. ما يعنيه أحمد هدية "من كتائب مصراتة" باتهامه لمصر والأمارات العربية يتجاوز البيان السياسي الداخلي إلى الشكوى المفتوحة للأمم المتحدة وبقية المنظمات الإقليمية الأخرى للتدخل الفوري بإعتبار أن بلادهم تتعرض لعدوان خارجي، وهذا وجه آخر من وجوه الاستقواء بالآخر، وما فعله أحمد هدية لا يختلف كثيراً عما يرفضونه ويدينون بسببه خليفة حفتر في الاستقواء بنفس هذا الأجنبي. ووجود قوات أجنبية في صف أي من الطرفين في ليبيا، واقع فرضته الطريقة التي تمت بها إدارة الحرب ضد نظام القذافي، بإقرار دولي وعبر مجلس الأمن نفسه بما تم تسميته "قرار التدخل في ليبيا لصالح الثوار 2011م، بأن كانت القوات التي حسمت المعركة عملياً هي قوات حلف الأطلسي، ليكون الصراع القائم الآن ثمرة هذا التعاون غير الخلاق بين الثوار وحلف الأطلسي. فالحديث عن ترك الليبيين وحالهم، لا يكون إلا بمعنى أن دعوهم ليفنى بعضهم بعضاً فقط، وكذلك يكون التدخل العسكري لصالح طرف ضد الآخر بمثابة إعلان حرب بمواصفات أ:ثر شمولا واتساعاً داخل القطر الليبي ككل، لذلك فإن المبادرات التي يمكن تقديمها في هذا الظرف الحرج الذي تمر به ليبيا تقف عند حدود ربط وجودها دولياً بإستيفاء شروط هذا الاستحقاق الديمقراطي. وهذا الاستحقاق الديمقراطي في حد ذاته، يمثل جوهر الأزمة في ليبيا وعدد من البلدان الأخرى التي اكتسح فيها الإسلاميين الانتخابات وفازوا بالرئاسة فيها، وعندما يقوم الإسلاميين بممارسة الديمقراطية عبر الاقتراع يكونوا بذلك قد تجاوزوا كل الحدود والخطوط الحمراء لدى من يرى في وصولهم للسلطة مهدداً مباشراً لأمنه حتى وإن كانت دولته في "قارة وكوكب آخر". فبدلاً من أن يستمر خليفة حفتر في "تسويق الخوف من الإسلاميين"، يكون من المنطقي والأخلاقي والحضاري أن نمنح الناس الاعتراف بوجودهم كاملاً وان نترك لهم فرصة أن يعبروا عن تميزهم بغض النظر عن الدين أو العرق وهذا حق مشروع، لأن ذهاب الإسلاميين لصناديق الاقتراع أفضل كثيرا من دفعهم للذهاب الى مخازن الذخيرة ومراكز التدريب العسكري استعداداً لحروب لا تنتهي. نقلاً عن صحيفة الصحافة 25/8/2014م