بقلم: اللواء ركن (م) يونس محمود محمد العلاقات السودانية الليبية، مرشحة لمزيد من التوترات هذه الأيام، سيما مع حالة الاحتراب الداخلي التي تشهدها ليبيا بعد سقوط القذافي، وخروج التكوينات السياسية للمجتمع الليبي التي كانت كامنة، وتنافسها للفوز بالسلطة علي حساب الآخرين، مع غياب منظومة الضبط والسيطرة والتأمين، التي كان يمكن أن يمثلها الجيش أو الشرطة ولكن للأسف نظام القذافي لم يترك وراءه جيشاً ولا شرطة، إنمال كان اعتماده علي مجرد كتائب وتشكيلات ذات ولاء شخصي، وتحت قيادات الأبناء والمحاسيب، ولذلك ذهب الجيش المزعوم وتفرق بدداً، ولم تشفع له حسنة واحدة عند الشعب الليبي، الذي يجتهد هذه الأيام ليعيد تكوين وتأسيس جيش جديد بالمواصفات القياسية الوطنية والتدريبية والتنظيمية، وقد كان للسودان وما يزال، النصيت الأوفر في ذلك، من خلال برتكول بين وزارتي الدفاع في البلدين، تكفل بموجبه السودان بتدريب عدد من الضباط، والصف والجنود والقيادات في شتي المجالات التخصصية في أعمال الجيش. وذلك للخبرات التراكمية في القوات المسلحة السودانية، التي ساهمت في تدريب عناصر من الجيوش العربية والأفريقية في كلياتها، ومعاهدها، فضلاً عن اتفاقية حماية الحدود، وتكوين أطواف مشتركة تحمل السودان ثلثا عبئها وتكلفتها تقديراً لظروف ليبيا الحالية. نعم.. كل هذه نوايا حسنة، وتأكيدات عملية، بأن السودان يريد الخير والاستقرار لليبيا، ولكن السياسة في ظل الراهن الإقليمي والدولي لا تدار بالنوايا الحسنة، بل العكس صحيح لأنها تدار بالنوايا السيئة، والتربص، والتآمر، والمكر، وهذا ما فعلته مصر بالعلاقات السودانية الليبية، لأن المسألة الآن صراعاً بين التيارات العلمانية والإسلامية في ليبيا، ومصر تعد ليبيا (جيبا استراتيجياً) مملوئاً بالدولار، والنفط، وسوقاً للتجارة والعمالة المصرية، وستراً واقياً من المد الإسلامي السياسي، وخدمة للأمارات، التي تدعو مصر وتغريها بضرب أي تجمع إسلامي قادم في ليبيا، لأنها تحس أثره عندها هناك. ولأنها تريد أن تنام مطمئنة لا ينتابها (كابوس الأخوان المسلمين) ولذلك تهمس مصر في أذن ليبيا (الطرية) وتوغر صدرها ضد جارها السودان الذي تحمل أذي القذافي في طوال سنوات حكمه، وتنفس الصعداء بعد ذهابه، عسي أن تبدأ مرحلة جديدة من العلاقات والتواصل بين الشعبين، وتبادل المصالح، والتوافق علي الأمور والمسائل الحيوية في السياسة والحكم وغيرها، ولكن التدخلات الإقليمية والدولية تأبي ذلك، من خلال تصريحات رئيس وزراء الحكومة الليبية، واتهامه السودان بدعم جماعات إسلامية، هي من صلب الشعب الليبي، وهي التي واجهت القذافي بسلاح المقاومة، وهي التي قدمت أرتال الشهداء، وهي صاحبة حق في المشاركة في حكم بلدها وتشكيل مستقبله، ولا يملك السودان في ذلك إرادة ولا توجيه. العلمانيون، الذين يحاولون الاستئثار بالحكم لأنفسهم، ومنهجهم، ويقصون غيرهم خاصة (الإسلاميين) لا يستحون أبداً، فالطائرات التي ينسب إليها أنها مجهولة، وتقصف كل يوم مراكز الثوار، وتلاحق تجمعاتهم هي في الأصل طائرات (مصرية وإماراتية) معلومة وليست مجهولة تؤكد التدخل العسكري المباشر لأطراف إقليمية في المسألة الليبية، ولا أحد يتهم مصر، ولا الإمارات، غير الخارجية الأمريكية التي عرضت بهذا العمل فقط لأنه تم دون علمها، وإذنها. أما الإسلاميون في ليبيا، فهم أقدر الناس علي الحفاظ علي مكتسباتهم، ولا تنقصهم الإرادة، ولا الموارد، في زمان الآفاق المفتوحة، والبحر الواسع والتجارة الحرة. فحركة المقاومة الإسلامية قالت إنها تتحصل علي السلاح من داخل (إسرائيل) عبر وسطاء وتجار، كل همهم الربح، دون النظر في زمن يستخدم السلاح، أو ضد من يستخدم السلاح ليبيا.. الآن في موقف متجاذب بين رحي العلمانية والإسلام، والطرف العلماني الذي يمثله العميل اللواء حفتر، ومقره الآن القاهرة، وتمويله من الامارات، والطرف الثاني الاتجاه الإسلامي، الذي يمثله الشعب الليبي بجذوره الجهادية، وصفوة شبابه الثوار، الذي تحملوا وحدهم عبء المواجهة مع القذافي، وذاقوا مرارة سجونه، وقضوا في مشانقه، ومجازره (أبو سليم) وغيرها، ولذلك لا يضرهم إن واصلوا المواجهة مع التيار العلماني حتي يتأكد حقهم في حكم ليبيا، بما يرضي جموع الشعب الليبي، وليس فريضة من الخارج، بواسطة العملاء أمثال اللواء حفتر. الخارجية السودانية.. سعت لتوضح الحكومة الليبية أن كل ما ينسب للسودان غير صحيح، وحتي موضوع الطائرة التي أثارت المخاوف، وحاول النظام الليبي بوحي من نظام السيسي، أن يقدمها دليلاً قاطعاً (بلا حياء) أنها تثبت تورط السودان في دعم الجماعات. ويمكن القول لمصر بالتحديد، كيف؟ وانتم لا تخفون دعمكم لحفتر، الذي يضرب أهداف داخل المدن، ويروح ضحيتها أبرياء في ظل حكومة يفترض فيها تمثل سيادة ليبيا علي أرضها وسمائها. لكن كلمات الخارجية السودانية، ربما لن تجد أذنا صاغية، ما دامت الحكومة الليبية تبدي كل هذه المخاوف، وتسوق كل هذه الاتهامات، وتبين عليها موقفاً سياسياً أشبه بالقطعية منه لأي وصال بين الدولتين، وهي (أي ليبيا) تنظر من طرف خفي، (لمصر والأمارات) وتريهما كيف تقوم بالدور الموكول لها، في إثارة هذه التوترات لجلب مزيد من الأزمات للسودان وما يمثله من وجه الإسلام السياسي الأقدم في المنطقة، خشية أن ينقل رؤاه إلي القادمين الجدد، في مصر وليبيا، وغيرها، من دول الربيع العربي. لكن الأيام كفيلة بتعريف ليبيا، أي جيرانها كان أحرص في تأسيس علاقات حسن الجوار، وتبادل المنفعة من البهلوان الذي سيقودها إلي موارد الهلاك.