تتحدث معظم دول العالم عن أهمية الحريات الإعلامية وتتباهى بإتاحة تلك الحريات لمواطنيها ، وتردد دائما : أن الصحافة هي السلطة الرابعة في الدولة !! هذه الأقوال وما يشبهها ربما نسمعها أحيانا من الدول التي تصنف على أنها من الأسوأ عالميا في مستوى الحريات وبكل أنواعها ، فالكل يريد تلميع وجهه وإن بالكلام الكاذب ولكن بعض الوجوه يستحيل تلميعها لأن كل الملمعات لا تقوى على تبييضها . وبصورة عامة فإن بعض دولنا العربية تعد من بين أسوأ دول العالم في مجال حرية الصحافة ، وبطبيعة الحال فهناك دول أكثر سوءا منها ومن بينها : كوريا الشمالية وفيتنام وإيران وغيرها ، ولا يعني هذا أن الدول الأوروبية أو أمريكا تتيح مجالا خصبا للحريات الإعلامية فهي الأخرى كابتة للحريات وإن بشكل أقل بكثير من غيرها - هذا في داخل بلدانها - ولكنها تحاربها بضراوة خارج حدودها خاصة أمريكا التي مارست دورا مشينا في حربها على الإعلام خاصة أثناء حربها على العراق وأفغانستان . مصر - هي الأخرى - وفي عهدها الجديد مارست قمعا إعلاميا كبيرا ؛ فقد تم قتل وسجن عددا من الصحفيين كما تم إغلاق الصحف والقنوات المعارضة للتوجه الجديد للدولة وما زال الأمر كما هو عليه حتى الآن . أما في البحرين - وقد كان بودي تخصيص مقال خاص عن الحريات الإعلامية فيها ولعلي أفعل ذلك لاحقا - فقد لاحظت في الآونة الأخيرة تضييقا مبالغا فيه على الحريات الإعلامية وتسييسا لها داخليا في بعض الحالات وهذا خطأ فيما أعتقد. وكان في ظني أن تتسع هذه الحريات خاصة وأن المسؤولة عنها السيدة سميرة رجب هي إعلامية في الأساس وكنت أقرأ لها وأسر بما تكتب وهي بهذه الصفات تدرك أهمية الحريات في رفع مستوى الأداء الإعلامي وتصحيح مسار العمل في أجهزة الدولة ، ولكن الذي تنشره بعض صحف البحرين لا يبشر بخير كثير في هذا المجال؛ فقد نشرت بعض الصحف أن هناك اتجاها للتضييق على مايكتب في التويتر وكذلك مراقبة المغردين ، وهذه المراقبة لها تبعاتها كما هو متوقع ، وقرأت أيضا أن السيد عيسى الشايقي رئيس تحرير جريدة الأيام ينتظر محاكمة بسبب رفع السيدة سميرة دعوى ضدة تتهمه فيها بالقذف والسب ، وقد كان من الأفضل إنهاء هذه المسألة وديا وهذا لمصلحتهما معا. وفي هذا السياق فقد قرأت قبل فترة حديثا للسيدة سميرة في جريدة العرب التي تصدر في لندن أكدت فيه على أهمية دور الإعلام في دعم الوحدة الوحدة الوطنية والخصوصية المحلية ، كما أكدت كذلك على أهمية البعد عن البث الطائفي وازدراء الأديان !! وكلامها جيد لاشك في ذلك ولكن تطبيقه عمليا لا يزال ضعيفا وأحيانا نرى عكس ذلك ؛ فقد قرأت بعض المقالات التي تحرض على الطائفية ومثلها أحيانا بعض البرامج التلفزيونية وهذا يشكل خطورة على أمن ووحدة البحرين وكان الأمل أن توقف السيدة سميرة رجب هذه الأشياء مادامت تدرك خطورتها وسوء عواقبها . التضييق على الإعلام أو على بعض المواقع الإلكترونية لن يفيد الدولة التي تفعله هذا إذا لم يتسبب في الإساءة إليها عالميا وحقوقيا بشكل خاص ؛ فالمواطن قادر على اختراق الحواجز ، والمنع قد يدفعله لفعل شيء ماكان سيفعله لولا حكاية المنع هذه !! سيبحث عن الممنوع بوسائل شتى حتى يعثر عليه ؛ فكل ممنوع مرغوب كما يقال ، والأفضل من ذلك أن ترفع القيود عن الإعلام وفي الوقت نفسه من حق كل من تضرر من شخص أن يرفع دعوى قضائية ضده وينتظر القضاء ليحكم له أو عليه ، هذا هو الصحيح وهذا هو الذي سيقنع المواطن بأن حرية الإعلام مكفولة وبشكل صحيح . ليس هناك حريات مطلقة في أي بلد في العالم وليس مطلوبا أن يحصل هذا بل إن خطره أكبر من نفعه ، والاستبداد ليس هو الحل البديل ، فالاستبداد مرفوض وهو طريق التمرد والرفض والإرهاب !! أعطوا الناس حرياتهم وأعطوهم حقوقهم وساووا بينهم في الحقوق والواجبات فإن فعلتم ذلك ستختفي السلبيات ، والمخطئ بعد هذا كله يعد منحرفا ويجب معاقبته ، وهذا النوع سيكون نادرا دون شك . صرامة الرقابة لن تحقق ماتريده الدول منها لأن الفشل سيكون حليفها ، ويتحقق النجاح بالحرية والعدالة والمسؤولية. المصدر: الشرق القطرية 14/10/2014م