استحوذت قضية داخليّات مجمع الزهراء المعروفة تاريخياً ب(البركس) بجامعة الخرطوم، إحدى أهم وأشهر الجامعات السودانية على إهتمام العديد من المراقبين طوال الأسابيع القليلة الماضية. الاهتمام الذي وجدته هذه الداخليات المهمة، مردّه إلى ما يمكن وصفها بحملة دعائية، وفي جانب آخر محض شائعات ظلت تدور حول نية الحكومة السودانية إفراغها من ساكنيها لأغراض سياسية. البعض أيضاً وجدها سانحة نادرة لإتهام الحكومة السودانية بإستهداف طالبات إقليم دارفور! ذلك إن الأمر المؤسف فى الساحة السياسية السودانية أن كل ناقم على الحكومة السودانية وكل معارض بإمكانه تفسير أي شيء تفسيراً سياسياً وتوجيه الاتهام على الفور إلى النوايا الحكومية! داخلية الزهراء التي وقفنا على تاريخها وحقيقة ما يجري فيها ميدانياً وعلى الأرض -ودون الاستماع إلى أيّ طرف حكومي- هي مجمّعات سكنية قديمة منذ عهد الاستعمار الانجليزي حيث كان الجيش الانجليزي يستخدمها فى ذلك الحين كثكنات لجنوده، وبعد أن خرج المستعمر رأت الحكومات السودانية الوطنية المتعاقبة الاستفادة من هذه الثكنات فى إسكان طلاب جامعة الخرطوم وهي بهذه المثابة شاهدة على آلاف الأجيال المتعاقبة على الجامعة ومن بينهم كل أو جُل القادة السياسيين والمشاهير في الساحة السودانية. وقد تحولت هذه المباني بكاملها وإعتباراً من العام 1996 لداخليات خاصة فقط بالطالبات عقب التوسع الهائل الذي شهده التعليم العالي فى السودان وانتشار الجامعات السودانية وإرتفاع أعداد المقبولين بالجامعة. كل الذي يجري الآن فى هذه المجمعات السكنية -وفق استقصائنا ومشاهداتنا- هي عملية تأهيل وتوسعة وتطوير للمبنى العتيق الذي تجاوزه عمره ال(100) عام. مبنى بهذا العمر من الطبيعي أن يحتاج لصيانة، ومعاجلة هندسة. وقد بدأت عمليات الصيانة مطلع العام الحالي 2014 واستهدفت العملية 8 داخليات، وقد تم الانتهاء حتى الآن من صيانة 6 داخليات. الصيانة وإعادة التأهيل اقتضتها مقتضيات التوسع في الطاقة الاستيعابية من جهة -أي لزيادة عدد الطالبات- كما اقتضتها ضرورات السلامة فقد كان واضحاً ظهور بعض التصدعات فى أنحاء متفرقة من المبنى سواء من جهة السقوف, وأحياناً في الأرضيات وأحياناً أخرى فى الأعمدة الواصلة بين الغرف، بل إن بعض السلالم الرئيسية المهمة -كما رأينا بأنفسنا- بدت آيلة للسقوط. ومن المتوقع أن ينجح المجمع عقب اكتمال عمليات الصيانة فى استيعاب حوالي 5600 طالة وهو رقم يساوي ضعفيّ ما كانت تستوعبه المباني القديمة. صندوق دعم الطلاب المشرف على المجمعات السكنية للطالبات نجح بدرجة كبيرة فى إيجاد حلول مؤقتة للطالبات اللائي تأثرن بعمليات الإخلاء وذلك بإعادة استيعابهن فى مجمعات أخرى. وهي عملية على الرغم من مصاعبها إلا أنها نجحت نجاحاً منقطع النظير جراء التجاوب الواضح من قبل الطالبات مع توجيهات الصندوق. كما أن الطالبات -وهذا هو الأهم- شهدن بحقائق الموقف إذ أننا وبإستفسارنا لعينات عشوائية منهن تبيّن لنا إدراكهن العميق لأسباب الإخلاء وإعادة التأهيل والصيانة. بعض هؤلاء الطلبات قلن إنهن فى السابق كن يتخوفن من بعض التصدعات التي ظهرت ببعض مباني الداخلية وعلى ذلك فإن بالإمكان القول أن الهجمة الإعلامية -الإسفيرية- التي ظلت مصاحبة لقضية الداخليات لم تكن أبداً بمستوى الذكاء الدعائي المتصوَّر؛ هي ضجة للأسف الشديد تتندر بها طالبات الداخليات وبعضهن يستغرب منها غاية الاستغراب، والأمر الأكثر غرابة أن أحداً ممن يطلقون الدعايات فى هذا الصدد ويفرّخون الشائعات لم يسأل نفسه عن ما هي تلك الضرورة التي تضطر الحكومة السودانية إثارة كل هذه الضجة حولها بغرض التنكيل بمعارضيها إن لم يكن الأمر يتعلق بسلامة واستقرار طالبات الجامعة باعتباره هماً من هموم الدولة!