كثر الحديث عن العلاقات السودانية الأميركية وكثرت التفسيرات المتناقضة حول طبيعة ومستقبل هذه العلاقات المفترضة، وما بين مزاعم الحكومة واتهامات الإدارة الأميركية للخرطوم تغيب الحقيقة المجردة في هذا الخصوص مما يجعل السؤال عن هل ترغب حكومة الخرطوم فعلاً في رؤية علاقات طبيعية وتطبيع مع واشنطن؟ سانحة للحصول على إجابات مقنعة. مطلع الشهر الجاري نشرت صحف الخرطوم رسالة للرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يهنئ الشعب السوداني بعيد الاستقلال، الرسالة كانت عادية ولكن الجزء الذي رسم الدهشة على وجوه قيادات الحزب الحاكم في الخرطوم أن الرسالة أغفلت جانباً مهماً من البروتوكول المعمول به في مثل هذه الحالات وهو ضرورة تخصيص جزء من الرسالة لتهنئة رئاسة الجمهورية ولكن الرسالة أغفلت هذا الجانب تماماً ما يعد رسالة ضمنية في حد ذاته تؤسس لمشروع تدخل أمريكي مرتقب في شؤون الحزب الحاكم الداخلية وأمس أرسلت الخارجية السودانية تطمينات للرأي العام بأن الخرطوم تبحث مع واشنطن سبل تطبيع العلاقات بيد أن الخارجية لم تشرح للرأي العام المستجدات التي تجعل من واشنطن تطوي كافة الملفات العالقة بينها وبين الخرطوم لتشرع فجأة في تطبيع العلاقات وكأنه لم تكن هنالك قطيعة ومواقف ترسم شكل العلاقة بين البلدين، لا بد من توضيح وشرح المستجدات فالعالم لم يعد كما كان بالأمس وثورة المعلومات غطت كافة أرجاء المعمورة وإذا كانت الولاياتالمتحدة الأميركية تتحفظ حتى في طريقة مخاطبة الشعوب والرؤساء بحيث تجئ مكاتباتها منسقة مع مواقفها السياسية المعلنة فإن تطبيع العلاقات مع بلد أفريقي غارق حتى أذنيه في الأزمات ليس مسألة سهلة ونزهة مأمونة، كما إن الخطوط الحمراء للإدارة الأميركية تجاه التعهدات برعاية الديمقراطية وحقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم تقف حجر عثرة أمام التعاطي مع الحكومة السودانية وهي ترى بأم عينها تطورات الأوضاع السياسية في البلاد وانعكاساتها على الأوضاع الإنسانية ومستقبل الديمقراطية واستحقاقات السلام في هذا البلد المنكوب بالحرب الأهلية. المراقبون وهم يبحثون حول هذا الأمر يرون أن السبيل على تطبيع العلاقات مع واشنطن غض النظر عن طبيعة النظام الذي يرغب في تطبيع علاقاته سواء النظم العسكرية الحاكمة عبر انقلابات أو تلك التي تفرض نفسها على الشعوب عبر انتخابات مشكوك في نزاهتها، السبيل هو (الانصياع) التام لإملاءات واشنطن والاستعداد لإجراء عملية (ترفيع) واسعة تشمل كل شئ ليس الدساتير فقط وإنما الشخوص والمناهج بحيث يتم استبعاد الأشخاص الذين لا ترغب فيهم واشنطن والإتيان بأشخاص يناسبون مرحلة التطبيع. أمريكا تطلب أكثر من هذا من الحكومات المحاصرة من شعبوها، وبالتالي يصبح المدخل نحو تطبيع العلاقات الإطاحة بالثوابت أولاً، خطوة أولى يعقبها دفع متبقي الاستحقاقات، فهل ضمنت الخارجية السودانية موافقة بقية أطراف الجماعة الحاكمة على السير قدماً في عملية (التطبيع)؟. نقلاً عن صحيفة التيار 12/1/2015م