حينما أطلق الفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات تحذيراته إلى جوبا بالكف عن الاستمرار في دعم وتمويل المتمردين وهدد بأن السودان سيلاحق المتمردين في أي مكان داخل الأراضي الجنوبية، استنكرت جوبا هذه التحذيرات بشدة واتهمت الخرطوم إنها ترغب في إشعال الحرب من جديد، ونفت تماماً وجود أي جيوب للحركات المسلحة.. ولكن بالأمس انكشف المستور، وفضح تحقيق أجرته حكومة الجنوب وجود قيادات من الجبهة الثورية والحركات المسلحة تقاتل لصالح حكومة الجنوب ضد رياك مشار وطالب التحقيق بإبعاد هذه القيادات من الأراضي الجنوبية، الأمر الذي جعل حكومة الجنوب تصدر قرارها بنقل هذه القيادات إلى يوغندا وكينيا. هذا الموقف يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن دولة الجنوب تأوي هذه الحركات المسلحة ويفضح موقفها تجاه الجبهة الثورية والذي ظلت تتستر عليه وتنكره، بل تتهم الخرطوم بأنها ترمي الاتهامات جزافا وهي فقط ترغب أن تنسف جهود السلام وتحيلها إلى حرب، بيد أن الخرطوم فيما يبدو لم تكن اتهاماتها فقط لأجل خلق فرقعة سياسية فكما أشارت أنها تملك الوثائق والأسانيد التي تثبت ذلك.. وها هي جوبا قد أثبتت بنفسها صحة ما ذهبت إليه الخرطوم وشهد شاهد من أهلها، حينما رجع الكيد لأهله وانقلب السحر على الساحر، فالتحقيق الذي اجري بضغوط مكثفة من المجتمع الدولي أكد مشاركات الحركات المسلحة والجبهة الثورية في القتال الذي حدث بمناطق ثارجاس وفلج وبانتيو بدولة الجنوب بين سلفاكير ومشار، مما دفع واشنطن لممارسة ضغوط بمغادرة قادة الجبهة الثورية والحركات المسلحة أراضي الجنوب.. وهذه الحركات المسلحة التي تواجه ضغوطاً وحصاراً من القوات المسلحة السودانية ستفقد السند بطردها من الجنوب الذي يمثل لها نقطة الانطلاق لتنفيذ هجماتها إلى دارفور وجنوب كردفان، والآن فيما يبدو سيضيق عليها الخناق أكثر وأكثر، وقد أقسمت السلطات السودانية إن هذا الشتاء سيكون ساخنا على التمرد في السودان. فيما يبدو أن الخطة تسير وفق ما رسم لها فبالأمس تم تحرير منطقة فنقا الواقعة شرقي جبل مرة وهي تمثل احد معاقل حركتي مناوي وعبد الواحد بدارفور، وبتحريرها ستنكسر شوكة تلك الحركات التي تمثل اكبر الحركات المسلحة بعد أن انهارت حركة العدل والمساواة حينما قتل قائدها خليل إبراهيم، فبعده لم تستطع لملمة شتاتها فهي الآن يواجهها شبح الزوال. فبتحرير منطقة فنقا سيسلك الطريق الى تحرير المناطق الأخرى، هذا الانتصار أصاب قادة التمرد بمن فيهم عبد الواحد نور بالدهشة الصادمة، إذ أنهم يعتبرون تحريرها ضرباً من المستحيل، وكأنهم لا يعلمون قوة وشكيمة القوات النظامية السودانية وعزيمتها فإنها لا محالة منتصرة، ولا زالت وستكون هناك مفاجآت تنتظر هؤلاء الذين ينعمون بالعيش والرفاهية بفنادق فخيمة ويوهمون أهلهم إنهم يناضلون من أجلهم. وبحسب تسريبات أخرى أشارت الى أن القوات المسلحة والدعم السريع قد تمكنت من الدخول الى أم سردبة بجنوب كردفان وهي منطقة تعتبر من أهم معاقل قطاع الشمال، بجانب سيطرتها على مناطق أخرى غاية في الأهمية بجنوب كردفان بما يعني ان الحركات المسلحة سواء أكانت بدارفور أو جنوب كردفان في مهب الريح، ويبدو أن رياح شتاء هذا العام ستكون قاسية على قادة التمرد بعد الحصار الذي ضرب عليها بطردتهم من الجنوب وفقدهم للسند والمساندة من جهة ومحاصرة القوات المسلحة لهم من جهة أخرى.. ويبدو أن هذه الأوضاع قد أثرت سلبا على الحالة النفسية لقطاع الشمال والجبهة الثورية، فبدأ التذمر واضحا في صفوفها وبحسب ما رشح من أخبار فان بعضاً من منسوبيها ضاق ذرعاً لمال ومستقبل الحركات المتمردة بما يشير الى التوقعات بتشرذم هذه القوات والأقسام على نفسها بما يهدد تماسكها. إذن نحن موعودون بتغييرات بخارطة الجبهة الثورية وقطاع الشمال والحركات المسلحة عموماً في ظل الواقع الذي تعيشه بما يشي بحدوث انهيارات بين صفوف قوات الحركات المسلحة والجبهة الثورية، بما يعني أن مستقبلها سيظل قاتماً ومهزوز المعالم، فهي لم تستطع تمرير أجندتها عبر المفاوضات بينما تواجه الهزيمة على الواقع العسكري، بينما فقدت الجنوب بأمر من المجتمع الدولي. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 12/1/2015م