استبشر أهل السودان كثيراً عندما أعلن رئيس الجمهورية عمر البشير في مطلع يناير من العام الماضي عن انطلاقة عملية الحوار الوطني، الذي دعا إليه كل القوى السياسية وحتى الحركات حاملة السلاح إلى الجلوس إلى مائدة حوار يتم من خلالها حل قضايا السودان عبر الجلوس في مائدة الحوار بغية الوصول إلى ثوابت ووفاق وطني من أجل مصلحة السودان العليا دون الانتماءات الحزبية الضيقة، خاصة أن مائدة الحوار حينها ضمت معظم قادة الأحزاب السودانية بما فيها الأحزاب المقاطعة الآن للحوار، والأحزاب التي قاطعته، متمثلة في حزب الأمة القومي بزعامة الإمام "الصادق المهدي" ومنبر السلام العادل برئاسة الطيب مصطفى وحركة "الإصلاح" الآن بقيادة د. غازي صلاح الدين. ولكن سرعان ما بدأ الحوار وصاحبته كثير من الخلافات ما بين الأحزاب المشاركة والحكومة وأخرى فيما بينها، الأمر الذي أدى إلى بطء في عجلة الحوار، إضافة إلى إعلان بعض الأحزاب مقاطعتها وأخرى علقت المشاركة في الحوار. حيث أرجعت الحكومة تأخير عملية الحوار إلى قرابة عامين من إعلانه، إلى مماطلة تقوم بها بعض الأحزاب السياسية نسبة لخلافات فيما بينها، بينما اتهمت الأحزاب المؤتمر الوطني بتكريس الجهود إلى قيام الانتخابات التي طالبت بتأجيلها بعد الفراغ من الحوار، والمراقب لعملية الحوار الوطني يرى انه انتابها نوع من الخمول سبة للخلافات بين الأحزاب السياسية المشاركة وبينها وبين الحكومة من جهة أخرى، حيث أعلن عدد من الأحزاب مقاطعتها عملية الحوار منها حزب الأمة القومي والشيوعي، إضافة إلى إعلان حركة "الإصلاح الآن" و"منبر السلام العادل" تعليقهما المشاركة في الحوار. وفي تطور للأحداث المتجددة في مواقف المعارضة المشاركة في الحوار الوطني، علقت قوى التحالف مشاركة أحزاب المؤتمر الشعبي، والحقيقة الفيدرالي، والعدالة الأصل، في الجمعية العمومية لأحزاب الحوار، وبدورها قللت الحكومة من تلك الخلافات وأكدت بأن عملية الحوار قائمة. وقال عضو آلية الحوار أحمد بلال عثمان عن الحزب الاتحادي الديمقراطي استئناف عملية الحوار في النصف الأول من شهر فبراير المقبل بعد عودة رئيس الآلية والجمهورية عمر البشير من المشاركة في القمة الأفريقية، بينما وعد الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي عقب زيارته الخرطوم قبل أول أمس ولقائه بآلية الحوار، بالتوسط لإنهاء الأزمة التي تواجه عملية الحوار، وتعهد بجمع القوى المقاطعة للحوار إلى الرئيس عمر البشير خلال الفترة المقبلة. وفي أول رد فعل لتحالف القوى الوطنية قال الأمين العام للتحالف في تصريحات سابقة، بأن التحالف أصدر قراراً بتعليق وحرمان الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر ورئيس حزب الحقيقة الفدرالي "فضل السيد شعيب" من أي أنشطة تخص أحزاب المعارضة المحاورة، وأكد صدور قرار بفصل حزب "العدالة الأصل" ممثلاً في "بشارة جمعة أرو" من عضوية الجمعية العمومية لأحزاب الحوار بعد مشاركته للحكومة الخاصة بالحوار الوطني. بدوره شن سوركتي هجوماً عاصفاً على مناديب الأحزاب الثلاثة ودمغهم بالخروج عن قرارات الجمعية العمومية وأحزاب المعارضة المحاورة، بالإضافة إلى إدلائهم بتصريحات وصفها بغير الأمينة، أما حركة "الإصلاح الآن اشترطت العودة إلى طاولة الحوار مجدداً بتطبيق الحكومة التزاماتها التي أقرتها في خارطة الطريق واتفاق أديس أبابا حسب إفادات القيادي بالحركة حسن عثمان رزق، ونسبة الدور الجاد للحكومة السودانية في عملية الحوار الوطني تجاوب رئيس الجمهورية عمر البشير خلال لقائه آلية الحوار التي يرأسها، بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بقيادة رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني وفرح عقار. وقال وزير الإعلام عضو الآلية احمد بلال عثمان عقب اجتماع الآلية أن الرئيس أبدى موافقته المبدئية على الإفراج عن المعتقلين، وأشار الى أن الاجتماع أجاز قائمة الموفقين الخمسة وصادق على الشخصيات القومية الخمسين المنتظر اشتراكهم في مؤتمر الحوار. ومن جانب رد الحكومة عن مقاطعة الأحزاب للحوار كشف احمد بلال عثمان، أن الأحزاب التي قاطعت الحوار لها تقديراتها السياسية، مبيناً ان الحوار يعتبر عملية سياسية طوعية، مؤكداً رفضه لطرح أي اشتراطات مسبقة، لافتاً إلى أن محلها المؤتمر العام للحوار. وبحسب مراقبين إن الإشكالية التي تصاحب عملية الحوار الوطني ليست في تأخير عملية الحوار الوطني وإنما تكمن في النتائج المثمرة التي يخرج بها حتى تؤدي الى عملية توافق وطني بين كافة القوى السياسية بالبلاد، مؤكدين ضرورة اصطحاب الإرادة الحقيقية لكافة المتحاورين، ويرى آخرون إن الاختلافات بين الحكومة والقوى السياسية المشاركة في الحوار وما بين الأحزاب نفسها هي التي يمكن أن تنسف عملية الحوار الوطني التي ينتظرها الشعب السوداني وكافة المجتمع الدولي، مشيرين إلى ضرورة أن يقدم كل من الأطراف المتحاورة تنازلات من اجل مصلحة الوطن ودفع عجلة الحوار، وعلاوة عن الحيثيات السابقة يظل الحوار الوطني عاملاً مهما ينتظره الشعب السوداني والمجتمع الدولي عن كثب بغية الوصول إلى وفاق وطني يفضي الى تنمية وسلام بالبلاد. نقلاً عن صحيفة الصحافة 28/1/2015م