يرى المعلق الإعلامي مايكل تشيرتش أن هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» يمكن أن تتعلم من قناة «الجزيرة» والقنوات المنافسة لها، بعد أن تراجعت مصداقية الهيئة بسبب حذرها ورقابتها وشعورها بالرضا عن النفس. وفي مقارنة تشيرتش الذي عمل ناقدا للبرامج التلفزيونية في صحيفة «التايمز» ويعمل حاليا ناقدا للأوبرا والموسيقى الكلاسيكية في صحيفة «إندبندنت» بين تغطية «الجزيرة» في 8 شباط /فبراير لأحداث نادي الزمالك وتغطية «بي بي سي»، يقول إن القناة القطرية كانت في وضع جيد لتقديم صورة عن الأحداث، حيث قطعت بثها العادي وقدمت تفاصيل خاصة أنها أي «الجزيرة» كانت قد بثت قبل أيام فيلما وثائقيا عن «ألتراس الزمالك»، مما جعلها في وضع جيد لتقديم القصة. أما «بي بي سي» فقد كانت مشغولة في موضوع التقاعد وتبعه موضوع عن مواقف ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز حول التشدد الإسلامي، وفي الموضوع الثالث كانت القصة هي عن أوكرانيا، حزب العمال ووضع المستشفيات وما إلى ذلك. وظلت المحطة تعيد القصص نفسها طوال اليوم وتقدم برامج وقضايا محلية، وحتى لم تجد أحداث القاهرة مكانا لها في نشرة أخبار العاشرة المسائية. ويرى في مقالته التي نشرتها صحيفة «إندبندنت» إن باقة القصص التي تقدمها «بي بي سي» تعطي صورة عن أولويات القناة التي ترفع شعار «أخبار عاجلة.. قصص جديدة» فلا أخبار عاجلة ولا قصص جديدة كما يقول. ويضيف أن الأخبار التي يحصل عليها المشاهد البريطاني من الخدمة الإخبارية العامة والرئيسية أصبحت مهمة بدرجة لم تكن في السابق. ويضيف أن النقاد الذين يكتبون في الصحف المرتبطة بمواعيد لا يجدون الفرصة للتعبير عن مواقفهم ولهذا يستطيع مسؤولو الأخبار في «بي بي سي» وغيرها المرور عبر الرادار بدون نقد. ويعلق «عملت ناقدا تلفزيونيا في صحيفة «التايمز» في الوقت الذي كان فيه المعلق يقدم تقريرا في نهاية اليوم، وبالتالي يكون قادرا على التعليق على التغطية الإخبارية. وفي محاولة متواضعة في استعادة هذا قضيت الشهرين الماضيين في متابعة أخبار «بي بي سي» ومنافسيها». وضم من ضمن متابعاته الإخبارية «أخبار المساء» في «بي بي سي»، لأنه لا فرق بين الأخبار وشؤون الساعة، رغم محاولة مسؤولي الهيئة التفريق بينهما. قادرة لو أرادت وتوصل الكاتب إلى مجموعة من النتائج أن «بي بي سي» لديها القدرة عندما تحدث أمور جديدة للتغلب على منافسيها، فعندها المصادر كما فعلت في حادث «شارلي إيبدو». كما أن لدى المحطة برامج مثل «ديتلاين» و»هارد تولك» مما يجعلها صورة عن التحليل الصحافي الصارم. لكن مشكلة القناة نابعة من «الفورمات» أو الشكل الذي تفصل عليه النشرة الإخبارية والعناصر التي تحصل على مساحة كبيرة مثل أخبار الجو، التي تحضر حتى لو سقطت نقطة من الثلج في مكان ما، ثم إن هناك أخبار المال والأعمال والمساحة الضخمة المخصصة للرياضة، حيث يتم التعامل مع مدراء الفرق الرياضة وكأنهم شخصيات مؤثرة دوليا. قراءة بدون نقد وتخصص القناة وقتين لقراءة الصحف، لكن الضيوف على البرنامجين لا يناقشون المنطق وراء القصص المنشورة في الصحف بالطريقة نفسها، التي تتم فيها مناقشة الصحافة في برنامج الجزيرة «ليسننغ بوست». ومن النادر تعليق ضيوف «بي بي سي» على الاجندة اليمينية للصحافة. ونظرا لوفرة المعلومات والتعليقات المتوفرة على الإنترنت فمن الغرابة أن تظل «بي بي سي» تعطي الأفضلية والتميز في التغطية للصحافة التقليدية والمطبوعة. أما بالنسبة للضيوف، فلماذا تصر الهيئة على استضافة المحررين وكتاب الأعمدة مع أنه بالإمكان استضافة أصوات جديدة. ومع ذلك فهناك إصرار على استضافة «شلة الصحافيين المعروفة». ومعظم القنوات لديها البرامج نفسها، فهي أسهل وسيلة لملء ساعات البث ولكنها برامج رخيصة الثمن والقيمة. من هو جمهور «بي بي سي»؟ ويتساءل الكاتب عن الجمهور الذي تستهدفه «بي بي سي»، هل الناس المشغولون بتحضير أنفسهم للخروج، لتناول الطعام والإستحمام أو رعاية الأطفال؟ أم الناس المنشغلون فكريا بدرجة لا تنفع معهم سوى مقتطفات؟ أم رجال الأعمال ممن يتحركون بين اللقاءات في الفنادق؟ ويتساءل عن سبب تخصيص أوقات لعرض حالة التحول في الأسواق المالية في الوقت الذي يتوفر لدى كل شخص هاتف متوفر في جيبه وعليه كل هذه المعلومات؟ ويتساءل إن كان اختيار المعلقين قائما على التحيز، فمدرسة كارديف للإقتصاد لاحظت العام الماضي أن من شاركوا في «راديو -4 « بالتعليق حول عمليات مساعدة المصارف للخروج من أزمتها عام 2008 كانوا من المصرفيين المسؤولين عن الأزمة. ونفس الأمر يقال عن ضيوف أوقات المال والأعمال في «بي بي سي» من أصحاب الشركات ومحللين لهم علاقة بالمصارف الكبرى. ولاحظ الكاتب الطريقة التي تغطي بها المحطة الأحداث، والتي تثير الملل ولدى «بي بي سي» عادة حب الذكريات وارتداء ثوب الحداد في أي وقت يسمح لها فيه، مثل إحياء ذكرى الحرب العالمية الأولى أو مضي نصف قرن على وفاة وينستون تشرتشل. لا يحضرون بدون نجوم ويعتقد الكاتب أن أضعف نقطة في التغطية الإخبارية ل «بي بي سي» نابعة من ضيق رؤيتها، صحيح أن أوكرانيا ظلت في دائرة الإهتمام وسوريا العراق، ولكن هذين البلدين لا يتم الإهتمام بهما إلا في حالة زيارة نجم بريطاني أو هوليوودي للمخيمات. «فلقاء جيرمي بوين المثير مع الرئيس الأسد يجب أن يكون هو ما تهدف إليه من أخبار. «الجزيرة» ولهذا السبب يقول علينا أن نذهب/نقلد «الجزيرة» الإنكليزية، رغم محدودية هذه القناة، فهي مملوكة من الحكومة القطرية، فنقد العائلة الحاكمة يعتبر أمرا محرما، وكذا لا تشجع القناة على تغطية جماعات سياسية مثل الإخوان المسلمين التي تلقى دعما من قطر. ورغم كل هذا لدى هذه القناة التصميم على تقديم العالم كما هو عبر تقارير إخبارية وأفلام وثائقية مبهرة. فهذه القناة لا ترد فقط على تزايد معدلات الرعب والعنف في الشرق الأوسط أو أفريقيا، بل هي موجودة دائما هناك، وتقوم بشكل منظم بتقديم تقارير وشرح، بل ووصلت شبكتها إلى أجزاء من أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والتي لا تصل أخبارها لنشرات «بي بي سي» الإخبارية. وتتخصص «الجزيرة» بالقضايا البيئية، فسلسلة أفلامها من ست حلقات حول «الأحياء الفقيرة» التي ركزت فيها على أحياة الفقراء في مانيلا مؤثرة. وسلسلة حلقاتها الثلاث حول «الحرب العالمية الاولى بعيون عربية»، قدمت صورة مثيرة عن قصة الحرب العالمية الأولى. وقدمت في الأسبوع الماضي سلسلة حلقات حول الحياة الثقافية في العراق قبل وبعد الغزو الأمريكي تعتبر من البرامج المحفزة على التفكير. ومثل محرك «آي بليير» في «بي بي سي» فهذه البرامج متوفرة على موقع «الجزيرة» ومتاحة للمشاهدة. ماذا أصاب «نيوزنايت»؟ ويرى الكاتب أن برنامج «نيوزنايت» على «بي بي سي2» يعاني من مشاكل ويبحث عن هوية بعد فضيحة الممثل والكوميدي جيمي سافيل. وكان هذا البرنامج من أهم البرامج في الصحافة التلفزيونية الإستقصائية، لكن القناة الرابعة التي جذبت اثنين من مذيعيه تنتصر الآن. وقام إيان كاتز مدير الأخبار بإحالة اثنين من نجوم البرنامج على التقاعد وهما تيم ويويل وسوزان واتس، ولم يبق إلا مارك إربان. ورغم ما حققه البرنامج من نجاح قليل عبر إيملي ماتليس وبرامجه الوثائقية، إلا أنه لم يحقق «سكوبس/ قصص خاصة». ويقول الكاتب «قبل عقدين من الزمان كان التحقيق الإستقصائي والتقارير الإخبارية الأجنبية هي ذروة مجد «بي بي سي» وما الذي قاده لذبولهما؟ أين المشكلة؟ وبحسب بعض الصحافيين والمنتجين وهي مرتبطة بالضرورة بما قام أندرو غيليغان بالكشف عنه حول ملف توني بلير المزيف المتعلق بحرب العراق، كما أن تحقيق لجنة هاتون حول ظروف غزو العراق أخافت الهيئة وتعلمت كيف تذعن للخط الرسمي، ويضاف إلى هذا فضيحة الكوميدي راسل براند، كل هذا جعلها تخشى من المخاطرة ومعها تغيرت ثقافة وطريقة إدارة المؤسسة تباعا. وتأثرت بالضرورة العلاقة بين الصحافيين والمحررين، حيث كان هؤلاء يتخذون القرارات. وبدلا من ذلك فقد استبدلت العلاقة بلجان ظل تعرف بلجنة سياسات التحرير ومشاريع السلامة وتقييم مخاطر المشاريع. كما أن التحقيقات الإخبارية تحتاج إلى موظفين وتمويل، وفي ضوء تخفيضات الميزانية، فلا يمكن تحقيقها. وكما قال مدير في المؤسسة «باتت «بي بي سي» تخشى صحافييها وتتعامل معهم كأعداء». ولكننا بحاجة للصحافيين كما يقول خاصة أن التحقيقات الإخبارية الأجنبية باتت «كائنات مهددة بالإندثار»، فبرنامج «ديسباجيز» في القناة الرابعة ليس لديه الكثير ولم يعد هناك وقت كاف ل «عالم بعيد عن التغطية» وصار يبث في أوقات ثانوية وبمدة لا تستغرق سوى 26 دقيقة. والأمر نفسه يقال عن محطة «أي تي في» التي تخلت عن برنامج «عالم متحرك» في أيام ما كان يطلق على المحطة «غرينادا». وفي النهاية يجب أن تهدف «بي بي سي» لاحتلال الموقع الأعلى وتتذكر مسؤولياتها تجاه المشاهد المحلي. وفي هذا العالم المترابط والخطير، فهل هذا كثير لأن نأمله؟ المصدر: القدس العربي 24/2/2015م