مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور أصبحت هذه الأيام مثاراً لأحاديث وأحياناً شائعات، وأصداء إعلامية واسعة النطاق. والمدينة التي عرفت الحضارة والمدنية منذ أن كانت عاصمة السلطنة الدارفورية الشهيرة واكتسبت لقب (فاشر السلطان) ظلت أكثر حواضر ولايات دارفور هدوءاً وإستقراراً طوال أيام الإحتراب في السنوات الست الماضية، والمدينة أيضاً تبدو كعاصمة أولى لإقليم دارفور بأسره بولاياته الثلاث حيث تستقبل ضيوف الإقليم الدوليين، والبعثات الأجنبية (المنظمات الطوعية واليوناميد) وبها معسكرات رئيسية للنازحين ويتولى قيادتها الوالي عثمان محمد يوسف كبر، أحد أبرز الولاة الذين وضعوا بصمات استقرار وادارة اتسمت بحنكة في تاريخ الولاية الحديث. وكما شهدنا مؤخراً وأبرزت ذلك الصحف ووسائل الإعلام فإن الأوضاع تفجرت مطلع هذا الاسبوع إثر إحتدام قضية ما يطلق عليه أهل المدينة هناك (سوق المواسير)، ولعل التسمية المحلية نفسها تضمنت شيئاً من حقائق واقع السوق، فهو سوق كغيره من الأسواق ولكن – بحسب ما أكدت متابعات (سودان سفاري) الدقيقة – استولت عليه أيدي ماهرة ومدربة في لحظة ما لتعطيه وجهاً ربوياً، وتنشر فيه الغش والخداع ليبدو وكأنه سوق للمغامرات. ومن المهم هنا أن نؤكد أن تفاصيل ودقائق وقائع الجرائم المالية المهولة (التي تجاوزت العشرة مليون دولار) تقريباً هي الآن قيد التحقيق لدى الشرطة والنيابة العامة والقضاء، على اعتبار أن هذا الثلاثي العدلي هو وحده دون غيره القادر على رد الحقوق الى أهلها ومعاقبة الجناة، ومن المهم هنا أيضاً والضروري أن نستصحب هنا زيارة وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدرات للمدينة على وجه السرعة وتوجيهه الصارم باتخاذ الاجراءات القانونية دون وضع أدنى اعتبار للون السياسي للجناة، أو مناصبهم أو مكانتهم، بما يشير الى أن الحكومة السودانية – في أول اختبار عدلي – عقب انتخابها – ترسي وبإصرار دعامة عدل لا تود أن تتقاعس فيها أو تمنحها طابعاً أو منحى سياسياً. إذن القضية – ومهما كانت ضارة بأموال المواطنين، ومهما كانت مهلكة لطبعية التعامل الاقتصادي في الأسواق السودانية، الاّ أنها ليست صعبة المعالجة وهذا لم يعد هو جوهر القضية. وإنما جوهر القضية – وهنا مكمن الخطورة والكارثة – أن المظاهرة أو المسيرة أو سمّها ما شئت التي قامت بها جهات متضررة وسقط جراءها (إثنين) بحسب تأكيدات كافة المصادر الرسمية، لم تقتصر في جوهرها على مجرد مسيرة سلمية تطالب باحقاق الحق، فهناك حركات دارفورية مسلحة، اهتبلت الفرصة ودخلت في زحام المسيرة بسلاحها، وهنالك عملاء لمخابرات أجنبية اتخذوا الأمر ذريعة لاحداث فوضى، فإسرائيل – رغم يقظة السلطة الحاكمة في السودان – حاضرة في دارفور وهناك مغبونون – وهؤلاء شهدت (سودان سفاري) بعضاً منهم ومرد غبنهم سقوطهم في الانتخابات وهناك ايضاً من يحاولون بشتى السُبل خلخلة النسيج السياسي والاجتماعي في الولاية. هناك كل هؤلاء واتتهم الفرصة في هذه التظاهرة ولهذا فإن طبيعة الوقائع الجنائية التي جرت في السوق شئ، وطبيعة التظاهرة التي جرت بعد ذلك وأرادت احداث فرقعة كبيرة شئ آخر مختلف تماماً، وقد ركز الإعلام العالمي فقط على التظاهرة والقتلى – كعادته – متجاهلاً طبيعة ما جرى ورافضاً الرجوع الى حقائق الموضوع!!