حديث أركو مناوي حول المطالبة بفصل دارفور وتقرير مصيرها، يقرأ هذا المطلب مقرونا مع آخر جولة لمفاوضات قطاع الشمال حينما رفع السقف التفاوضي حول المنطقتين بمطلب الحكم الذاتي وكذلك حسم المعركة العسكرية في دارفور على ضوء معركتي فنقو والنخارة وتدمير القوة العسكرية لحركات دارفور، ولم يبق أمام تلك الحركات عدا المناورة السياسية بأجندات ضاغطة ومربكة، ومن أجل ذلك انتهج مناوي منهج المطالبة بالانفصال. ولكن ما لا يعلمه مناوي أو يتجاهله هو حقيقة دارفور في الخارطة الكلية للسودان والإجابة على سؤال: ممن تنفصل دارفور؟ وحتى لا نتوه في بحر ما يجري في الإقليم المضطرب منذ 2003 علينا الإمعان في شأن الإقليم هذه الأيام من خلال رؤية مناوي وتطلعات موسى هلال باعتبارهما قيادات دارفورية أفرزتها الأزمة ولا شيء غيرها، الأول يحاول الضغط على الحكومة بمطالب الانفصال والثاني تتناسل رؤاه ما بين الضغط السياسي عبر الإعلام والتفكير في حزب جديد والارتكاز على أن الكتلة السكانية في دارفور هي الأكبر في وطن الجمال والتنوع، ويسعى إلى فرض تلك الرؤى والأمنيات وصورته في أجهزة الإعلام (كدمول وجياد لها صهيل). على العموم مناوي وهلال هما نجمان سطعا في سماء دارفور هذا الشهر تحتفل بهما الصحافة ومجالس الدارفوريين. وما يهمنا في هذه المساحة مطالب مناوي، هل تتحقق كما النموذج (الجنوبي) في تكوين دولة منفصلة؟ الإجابة تكون من واقع دارفور في المخيلة السودانية والتي تفيد بأنها: أولا دارفور تقوم على بعد حضاري ممتد أسهم في بناء الدولة السودانية من خلال سلطنات الفور وكذلك دورها في بناء الدولة المهدية وقيادتها وتحرير السودان من الاحتلال التركي المصري. ثانيا قامت مدينة أم درمان على عبق المهدية التي كان أغلب قادة جيشها وخليفة المهدي من دارفور ولأهل دارفور عموما وجد مع تلك المدينة التي تصاهرت فيها المكونات السودانية فكانت العاصمة الوطنية للبلاد (وهنا أم درمان) مفردة التراضي الوطني. ثالثا دارفور آخر إقليم سوداني يستسلم للاحتلال البريطاني بعد اجتياح المدن وإزاحة المهدية في معركة كرري حيث احتل البريطانيون دارفور بعد 18 سنة من موقعة كرري . رابعا ما بعد 2003 ومن خلال التكوين السياسي والقبلي للحركات المسلحة وانشطاراتها على ذلك الأساس وتعدد المدارس السياسية والصراعات القبلية وتوازن القوة وعلى عكس الجنوب فمنذ تمرد جون قرنق 1983 اعتمد على مشروع سياسي للحركة الشعبية وانحياز منفستو التأسيس على يسارية واشتراكية التوجة والاعتماد على الدينكا في الجيش الشعبي وتم تحديد المظالم في إطار العرق والدين وعلى أساس هذا عملت تلك الدعاية حتى نالت ما تريد. وهنالك نقطة جديرة بالذكر وهي أن الجنوب منذ صرخة ميلاد الدولة السودانية الحديثة في 1956 كان ما بين الحكم الذاتي والفيدرالية والإحساس بعدم الانتماء، بينما دارفور هي التي صنعت الدولة الحديثة والقديمة أي أنها حاضرة في كل تخلقات الدولة ولا تعاني من اختناقات جوهرية في مسألة الهوية السودانية. خامسا إذا كان جون قرنق هو ملهم الجنوب وكاريزما القيادة الجنوبية فمن يعتقد مني مناوي أن يكون ملهما تعتقد فيه دارفور أنه صاحب قضية فكل قيادات (الثورة!!) متقلبون وانقلابيون فمناوي انقلب على عبد الواحد ذات ليل وجبريل ينقلب كل يوم، أي أن حركات دارفور منذ 2003 تتحرك بأجندات شخصية ولا علاقة لها بالإقليم . كل تلك النقاط الخمس أعتقد أنها أصيلة في دحض أمنيات مني مناوي في المطالبة بتقرير المصير أو حتى الضغط بتلك المواقف سياسيا واستحالة تكرار سيناريو الجنوب بالانفصال عن الدولة المركزية كما أن دارفور هي منبع الدولة المركزية في بعدها الحضاري والإثني والتاريخي. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 7/6/2015م