لندع فترة المعقدين ونيف التي أهدرتها القوى السودانية المعارضة إهداراً لا مثيل له ولم تحقق خلالها ولو على سبيل المغالطة أدنى هدف من الأهداف العالية السقف التي اضطلعت بها. دعونا من هذه الحقبة الزمنية الطويلة التي تتغير فيها الحكومات في دول العالم أكثر من (5) مرات، فقط لننظر ونتمعن في الحقبة الزمنية الممتدة من(يناير 2014) وحتى (يناير 2016) ولنر ماذا حققت القوى المعارضة في هذه الفترة والمؤتمر الوطني ثبقه كاملة ورباطة جأش سياسية يمنحها فرصة تاريخية على (طبق سياسي من ذهب) لتداوي القوى المعارضة عوراتها السياسية وتتسامى فوق أخطاءها وتهتبل الفرصة لكي تتحمل مسئوليتها الوطنية! الفترة الممتدة من يناير 2014 وحتى الآن يمكن أن نعتبرها كمراقبين بمثابة (الفترة الذهبية) البالغة الأهمية للقوى السودانية المعارضة لتأخذ ذمام المبادرة وتثبت للمواطنين السودانيين أنها (ذكية) وأنها قادرة على إلتقاط السوانح بجرأة ومهارة لتكون عند حسن ظن المواطن السوداني، فقد طرح المؤتمر الوطني على لسان الرئيس البشير مشروع الحوار الوطني بلا شروط مسبقة، بلا أجندة مسبقة. وبضمانات موثقة لمن هم بالخارج وحملة السلاح للتحاور والتشاور في كل مشكلات السودان بحرية كاملة وعبر مائدة مستديرة! هذه الأطروحة بلا شك هي منتهى حلم أي حزب سياسي أو حامل سلاح لعدة إعتبارات : أولاً : سيكون الحضور حضوراً نوعياً وشاملاً ، إذ أن الكل له حق المشاركة وعادة في مثل هذه التجمعات السياسية يجد كل مشارك فرصة كافية لطرح رؤاه والمحاججة بشأنها وإقناع الآخرين بها. ثانياً : التجربة تتيح لكل القوى السياسية إختبار مصداقية الحكومة وقياس مدى جديتها في قبول مخرجات المشروع ونتائجه بمعنى أدق فإن المشاركين في مشروع الحوار ليس مطلوباً منهم سوى انتظار النتائج ومطابقتها مع أرض الواقع بحيث يحددون بعدها – بدليل قاطع – ما إذا كان الحوار مجدياً أم لا. ثالثاً : عملية الحوار نفسها التي تتم بهذه الطريقة ربما للمرة الأولى منذ استقلال السودان تعطي بعض المتحاورين أفكاراً عن القوى الأخرى وعن طبيعة مشاكل السودان إذ أن الأفكار الخاصة بكل حزب أو حركة مسلحة هي أفكار ورؤى من طرف واحد لا تكتمل بها الصورة العامة لطبيعة مشكلات السودان. هنالك العشرات من القوى السياسية والحركات المسلحة تغيب عنها حقائق جوهرية وأساسية بحكم انعزالها واكتفاءها برأيها الخاص. الحوار يتيح لها التعرف على جوانب أخرى مهمة وضرورية جداً. إذن واستناداً على هذه الاعتبارات التي فاتت – للأسف الشديد – على فطنة هذه القوى المعارضة ما هي خسائر هذه القوى بإهدارها القاتل لهذه السانحة التاريخية النادرة؟ أولاً : ثبت للرأي العام المحلي والعالمي أن القوى المعارضة تعاني من اختلال في المفاهيم وآخر في فهم العمل السياسي وآخر في كيفية ممارسة الحوار نفسه. ثانياً : ثبت أيضاً أن هذه القوى المعارضة مجرد قوى (متعطشة) فقط للوصول إلى السلطة! ومع أن هذا الأمر ثبتت صعوبته البالغة – وفقاً للمعطيات الواقعية الماثلة – إلا أن هذه القوى تناطح الصخر بإصرار ومكابرة غريبين! ثالثاً : أن فترة العامين المنقضية هذه أعطت القوى الحاكمة نقاطاً كثيرة وكبيرة كونها فتحت الباب واسعاً للحل ولكن الآخرين أحجموا بدون مبرر موضوعي. رابعاً : أن المواطن السوداني البسيط – دعك من النخب المثقفة – أدرك وبما يشبه العقيدة الراسخة أن هذه القوى المعارضة لا تصلح لبناء مستقبل إذا كانت لا تجيد مهارة التقاط الفرص السياسية والتعامل معها بذكاء!