أكدت الحكومة السودانية على لسان وزير خارجيتها البروفسير ابراهيم غندور إنها خيّرت الحكومة المصرية عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة ما بين التفاوض أو التحكيم بشأن حل النزاع الناشب بين الدولتين الجارتين حول مثلث حلايب ومنطقة شلاتين. الوزير السوداني حرص على التأكيد على ان بلاده لا تسعى لتصعيد النزاع، كما أنها قادرة على إحكام سيطرتها وإتخاذ وسائل لإحكام سيطرتها على المثلث المتنازع عليه. وقد جاء هذا التطور في أعقاب نزاع مماثل بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية حول جزر بحرية (صنافير وتيران) نجحت الرياضوالقاهرة في حله مؤخراً إثر قيام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة إلى القاهرة. لقد بدا للمراقبين من واقع طريقة حل النزاع المصري السعودي وكأنّ المملكة العربية السعودية تناصر القاهرة في أحقيتها على مثلث حلايب الأمر الذي نفاه -وبشدة- السفير السعودي بالخرطوم حامد معلا، مؤكداً إن النزاع بين القاهرة والخرطوم حول حلايب لم يكن ضمن محادثات الرياضوالقاهرة وأن الدولتين –مصر والسودان– قادرتين على حله. ولعل من المعروف تاريخياً ان النزاع حول مثل حلايب نزاع قديم -ربما يعود إلى خمسينات القرن الماضي- وهي من الامور التى ظلت محلاً للتأجيل المتتالي من قبل الدولتين بحكم الرابطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القوية جداً بين الجارين، كما أن من الملاحظ -بشأن هذا النزاع- ان القاهرة -للأسف الشديد- لا تستجيب قط لمقتضيات هذه العلاقة الاستراتيجية في نظرتها للحل الأمثل للنزاع، وهو ما يجعل القاهرة -للأسف الشديد أيضاً- في موقف أقل قوة من موقف السودان في أحقيته بالأرض موضوع النزاع، فقد كان لافتاً في هذا الصدد ان مصر: أولاً، عملت بدأب مثابرة وربما بإستعمال القوة حيناً والمراوغة حيناً آخر -أيام سوء علاقاتها بالخرطوم- على تمصير المنطقة وفرض الأمر الواقع من خلال انشاء أجهزة حكومية وخدمات تعليم وصحة وجنسيات وجوازات. عمليات التمصير التى قامت بها مصر خاصة في تسعينات القرن الماضي كانت ذات منحى كيدي واضح، حيث كان نظام الرئيس مبارك حينها يسعى لإنتزاع المنطقة انتزاعاً، في صراعه مع الحكومة السودانية غير عابئ بأي وازع سياسي وأخلاقي وأن السودان عمق استراتيجي لمصر. عملية فرض الأمر الواقع و تمصير المنطقة نفسها لم تكن وستظل غير مجدية وليست ذات قيمة قانونية لأن السودان منذ نشوب النزاع أدرج شكوى موثقة ومرفق معها مستندات تاريخية تؤكد أحقيته بالمنطقة. ثانياً، رهان الحكومة المصرية السابقة (حكومة مبارك) كان رهان خاسر مبني على نصائح قانونية من خبراء قانون مصريين نصحوه بأن (يضع يده) على المنطقة حتى اذا ما أضطرّت مصر في يوم من الايام للخضوع لعملية تحكيم دولي تكون قد سبقت السودان (بوضع اليد) ونظرية الأمر الواقع؛ وهي نصيحة قانونية وإن بدا ظاهرياً أنها صحيحة، إلاّ أن ما يقلل من صحتها ويهدمها تماماً ان عملية وضع اليد والتمصير لم تكن قد تمت قبل نشوب النزاع فعلياً وإنما تمت بعد نشوب النزاع وبعد إدراج الشكوى السودانية -رسمياً- لدى مجلس الأمن الدولي وتجديد هذه الشكوى عاماً بعد عام. إن السودان قطع على مصر ما يعرف لدى المشتغلين في مجال القانون (بالحيازة الهادئة المستمرة)! مصر لم تتمكن ولن يكون بوسعها الحصول على (حيازة هادئة مستمرة) على مثلث حلايب، لان السودان ظل وبإستمرار يرفض هذه المحاولة ويكشفها. وعلى كل فإن خياريّ التفاوض أو التحكيم -بداهة- هما الخياران الوحيدان اللذان لا مجال لحل النزاع بغيرهما، ولهذا فإن القاهرة الرافضة بلا أسباب موضوعية ولا منطقية لهذين الخيارين إنما تمارس تعنتاً غير مبرر، فقد ارتضت من قبل أن تخضع للتحكيم مع (عدو) استراتيجي لها وهي اسرائيل في منطقة طابا، كما إرتضت التفاوض مع الرياض -بأريحية كاملة- على جزر تيران وصنافير، فيا ترى ما الذي يجعلها تتعنت مع عمقها الاستراتيجي السودان؟