إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديثُ المبادرة

لم يثر حدثٌ عامٌّ في الآونة الأخيرة اهتماماً واسعاً في أوساط الرّأي العام السودانيّ مثل العناية التي وجدها الإعلانُ في الأسبوع الماضي عن تقديم ثلة من الشخصيات العامّة من السيدات والسادة مبادرة قوميّة للسلام والإصلاح للسيد رئيس الجمهورية، وهي خطوة أحيت الأمل في نفوس الحادبين على مستقبل السودان؛ أنه لا تزال هناك فرصة سانحة إذ أحسن الاستفادة منها شقُّ طريق ثالث جديد يُخرجُ البلاد من مأزق أزمتها الراهنة التي لم تعُد تخفى على أحد، ولئن غلبت الروحُ الإيجابيّة في التفاعُل مع هذه المبادرة التي تُطرحُ في توقيت مفصلي، فلم تخلو من صد من أنفس شُح من فئة قليلة معزولة عن همّ الوطن ومصير أهله، لا يشغلها إلا تكريسُ الوضع الراهن خدمة لمصالحهم الضيّقة، وإن كان ثمنُ ذلك استمرار الحرب وإزهاق الأرواح وشظف العيش.
ونُجملُ في هذه المقالة "حديث المبادرة"، عن قصّة خلفيتها وأهدافها ومراميها، فهذه "المبادرة القومية للسلام والإصلاح" ليست نبتا مُنبتّا، ولا هي بنتُ الصدفة، ولا فعل عشواء ضربة لازب، بل وُلدت من رحم انشغال عريض وهمّ عميق لثلة من بنات وأبناء السودان الذين عزّ عليهم أن يقفوا متفرّجين، ووطنهم تتخطّفُهُ الأزماتُ وتتكاثرُ عليه الزعازع، حتّى بات على شفا تحدّ مصيريّ أن يكون أولا يكون، كانت لحظة تاريخية حين قرّرت هذه الثلة المؤمنة بوطنها أن تقول كلمتها ليس للتاريخ من باب المعذرة وتبرئة الذمة، بل من مقام القيام بواجب المسؤولية الأخلاقيّة والوطنية والتصدّي للتحدّي المصيري الذي يواجه السودان في ظرف لم يواجه مثله أبداً.
لم تُولد "المبادرة ُالقومية" بين عشيّة وضُحاها، بل هي ثمرة تفاكُر عميق وتشاوُر عريض بين المبادرين بها استمرّ لأشهر حتى استوت على عودها تحملُ أملا في فتح طريق ثالث عبر بديل عمليّ وموضوعي، بلا إفراط ولا تفريط، وبلا ادّعاءات ولا مزايدات، تحمل همّا واحدا؛ أن بالإمكان أن نجنّب بلادنا مشقّة الدخول في نفق تغيير محتوم، بكلّ ما نراه من عبر تتراءى مآسيها أمام أعيننا لبلدان كانت ملء السمع والبصر استقراراً وأمنا، بيد أن إنكار قادتها للحاجة للتغيير الذي أصمّوا آذانهم عن ندائه حين وجب أحالها إلى ما لا يحتاجُ إلى وصف.
بدأت فكرة المبادرة حين اجتمع نفرٌ من المنشغلين بالهمّ العامّ في الحادي عشر من ديسمبر الماضي في لقاء ضمّ نحو عشرين شخصا للتداوُل في صميم أحوال البلاد بكلّ تجلّيات الأزمة التي أناخت تجليات نذرها جليّة في ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبعد تدارس عميق النظر في مجمل الجهود المبذولة داخلياً وخارجياً لمقاربة الأزمة الوطنية السودانية، وبعد بحث في كل السيناريوهات والاحتمالات الممكنة، وحتى المفاجأة غير المتوقعة، اهتدوا مع الأخذ في الاعتبار لكلّ التعقيدات والمخاطر والفرص إلى أنّ الطريق الأقصر وصولا للهدف المنشود، والأقل كلفة لتبعات وعواقب أيّ تغيير غير مدروس، هو أن يتحمّل السيد رئيس الجمهورية عبء ومسؤولية قيادة الانتقال إلى مرحلة جديدة وفق أجندة مهام وطنية محدّدة ومُلحّة يعهد بإدارتها إلى حكومة كفاءات وطنية معلومة بقدراتها واستقامتها ونزاهتها.
ومن هنا نبعت فكرة أن يتمّ التوافقُ على تقديم مبادرة قوميّة للسلام والإصلاح، يوقّع عليها المبادرون من سيّدات وسادة من ذوي الكسب العام المشهود لهم على الصعيد الوطني في مذكرة تُرفع للسيد رئيس الجمهورية، واستغرق إعدادُ مسودة المبادرة ومراجعتها من قبل المبادرين حتى تمّ الإجماعُ على صيغتها النهائيّة وتوقيع المبادرين الاثنين والخمسين عليها نحو ثلاثة أشهر، وجرت اتصالاتٌ أثناءها مع مسؤولين كبار في رئاسة الجمهورية بُغية تسليمها للسيد الرئيس، حيث تمّت مخاطبة السيد وزير رئاسة الجمهورية الدكتور فضل عبد الله فضل منتصف مارس بهذا الشأن، وبعد مشاورات في الكواليس أبلغت رئاسة الجمهورية وفد المبادرين بأنها حدّدت موعداً للقائهم في السابع والعشرين من مارس الماضي.
ضمّ وفدُ المبادرين السادة الدكتور الجزولي دفع الله، والبروفيسور الطيب وين العابدين، الدكتور الطيب حاج عطيّة، الدكتور محمد محجوب هارون، الأستاذ عبد الله آدم خاطر، والأستاذة ماريا عباس، حيث جرى استقبالُهم من الدكتور فضل عبد الله وزير رئاسة الجمهورية، والدكتور فيصل حسن إبراهيم وزير الحكم الاتحادي الذي أبلغ الحاضرين أنه يمثّلُ المؤتمر الوطني، وجرى تسليمُ نصّ المبادرة القومية، وقائمة بأسماء المبادرين الاثنين والخمسين بتوقيعاتهم الأصلية وصفاتهم وعناوينهم، وأكّد وزيرُ الرئاسة أنّ المذكّرة ستصلُ إلى يد السيد رئيس الجمهورية في اليوم نفسه، وبشأن طلب الوفد عُقد لقاءٌ مع السيد رئيس الجمهوريّة للمزيد من التفاكُر والتشاور وعدهُم بترتيب ذلك عقب عودة الرئيس البشير من جولته في ولايات دارفور قُبيل الاستفتاء.
خرج وفدُ المبادرة بانطباع طيّب ومشجّع للغاية من الاجتماع بوزيري رئاسة الجمهورية والحُكم الاتحادي، تبدّى من خلال استقبال حارّ ومحترم وتقدير للشخصيات التي مثّلت المبادرين، ومن خلال التجاوُب الواضح باستلام المبادرة والتأكيد على تسليمها للسيّد الرئيس في اليوم نفسه، والوعد بترتيب موعد للقاء مع الرئيس. وكان من رأي بعض المبادرين أن يتمّ إصدارُ تعميم صحفيّ في اليوم نفسه عن خبر اللقاء، بيد أنه بعد تداول جرى ترجيحُ الاتفاق على تأجيل الإعلان عن خبر تسليم المبادرة من باب أنّه ليس من اللياقة أن نبادر إلى بثّ هذا الخبر في حين أنّ المبادرة مُعنونة للسيد رئيس الجمهورية وفي انتظار استجابته لها، وحتى لا يبدو وكأن هناك قصداً بالمسارعة للنشر فقط لغرض تسجيل هدف إعلاميّ للمبادرة دون اعتبار لما يمكنُ أن يُحدثُهُ ذلك من تشويش يُفسدُ المسعى الأهم، أو تبدو كمحاولة لفرض ضغوط على الرئاسة.
وكان أيضاً من رأي بعض المبادرين أن تشرع مباشرة في تسليم نسخ من المبادرة القوميّة وقائمة بأسماء الموقعين عليها للقوى السياسية وقادة المجتمع المدني، وكانت الاعتبارات نفسُها في شأن عدم المسارعة إلى طرح المبادرة للرأي العام حاضرة أيضاً، وتمّ التوافقُ على تأجيل هذه الخطوة رثيما تتمُّ معرفة ُردّ فعل الرئاسة على المذكّرة، وفي اجتماع للمبادرين لتقييم الوضع واتخاذ الخطوة التالية، تمّ الاتفاق على انتظار وُرُود ردّ محتمل من الرئاسة حتى نهاية شهر أبريل، على أن تعتبر هذه الفترة كافية يمضي بعدها المبادرون قدُما في تنفيذ الخطوتين المؤجلتين، وهما إطلاع الرأي العام على المبادرة، وتسليمها للقوى السياسية والمدنيّة المختلفة، وتحويلها إلى ملكية عامّة للشعب السوداني وليس للمبادرين بها فقط، وهو ما حدث بصدور التصريح الصحفي للمبادرة في الثالث من مايو، وتسليمها للقوى السياسية والمجتمع المدني.
فما هي ملامحُ المبادرة:
المبدأ:
أكّد المبادرون قناعتهم التامّة بأنّ أزمة السودان المتفاقمة لا يمكن أن تحلّ إلا عن طريق حوار وطنيّ سوداني جادّ يحظى بموافقة ومشاركة الجميع، وأنّ الحلّ السياسي الشامل هو الخيار الإستراتيجي الأمثل لحلّ مشكلات البلاد.
من هم المبادرون:
جماعة ٌمن بنات وأبناء السودان يجمعُ بينها الانشغالُ بالشأن العام الوطني، ومُجملُ الحالة العامّة التي تعيشُها البلادُ والتي تستدعي استنفار الطاقات كافة، والعمل على بذل غاية جهدها لإيجاد مخرج آمن ومُستدام من الأزمة السياسية الوطنية.
الخطوة:
تقديمُ مبادرة "السلام والإصلاح" إلى السيد رئيس الجمهورية بأمل الإسهام في إيجاد مخرج من أزمة البلاد السياسيّة الراهنة.
المنطلق:
تنطلقُ المبادرة، بصورة رئيسة، من كون السودان قد شهد خلال العامين المنصرمين تطورين مُهمّين تمثّلا في الآتي:
1. هناك اتفاقٌ سوداني واسعٌ على أنّ البلاد تتعرّضُ لأزمة سياسية حادّة لها تجلياتُها الأمنية والاقتصادية والمجتمعية،على نحو ما ورد في خطاب السيد رئيس الجمهورية في السابع والعشرين من يناير 2014م.
2. وأن هناك ما يُشبهُ الإجماع الوطني على أهمية توفير مخرج عاجل لهذه الأزمة من خلال عملية حوار وطنيّ حقيقي وشامل، تشاركُ فيه مختلفُ قطاعات الشعب وفئاته الجماهيرية، وتسندُهُ إرادة قوية من النُّخب السياسية لحلّ مُعضلاته ودفع استحقاقاته.
بين المبادرة والحوار الوطني:
تهدُفُ "مبادرة السلام والإصلاح"، من حيثُ المبدأ، إلى دعم مقاصد الحوار الوطني الشامل، متمثلة في جمع الصّفّ القومي بمختلف أطيافه، وتحقيق الإصلاح، ونشر السلام، وبسط الأمن والاستقرار في ربوع البلاد كافة، حتى ننهي الحروب المُهلكة ونتجاوز مراحل الصراع والاقتتال، ونهتدي إلى خطة نهضويّة قويمة تقيلُ الوطن من عثراته وكبواته، وتنتشلُهُ من مواقع الفقر والتخلّف إلى مراقي الاستقرار والنماء والاكتفاء والكرامة.
تشخيصُ الأزمة:
لقد مضى على السودان زُهاء الستة عقود منذ أن نال حرّيتهُ واستقلالهُ في يناير1956، وما زال يُحكم بدستور انتقاليّ؛ هو السادسُ منذ الاستقلال. ولقد عصفت به الصراعاتُ الأيديولوجيّة والنزاعاتُ العرقية والجهويّة لعشرات السنين، وتبادلتهُ الحكوماتُ المدنية والعسكرية أكثر من مرّة، ممّا كرّس اضطراب الحكم، وعدم الاستقرار السياسي. وظلّ المواطنون يعانون من الفقر والعطالة، ومن ضعف في خدمات الحياة الضرورية، ومن ضائقة معيشيّة خانقة. ورغم ثروات البلاد المتاحة والكامنة، فإنّ معايير التنمية الشاملة التي تُصدرُها الأممُ المتحدة تضعُ السودان بين مؤخّرة دول العالم الثالث الأقلّ نموا.
لقد أدّى عدمُ الاستقرار دون أن تتطوّر الأوضاعُ بالدرجة المرجوّة، وإلى تعطيل الطاقات والقدرات، وضعف العمل وتدنّي الإنتاج، والخوف من الانحدار نحو الفوضى وتفكُّك الدولة، وتكريس الاضطراب المجتمعي والعطالة، وأدّى إلى موجة هجرة متزايدة، لا سيما وسط الشباب، بطريقة عشوائيّة إلى خارج الوطن هروبا من واقع مرير، ومصير مجهول مضطرب، وظلم من تبقّى داخلها يعاني من الإحباط والتشاؤم.
مأزقُ الحوار الوطنيّ الرّاهن:
جاءت دعواتُ الرئيس البشير إلى حوار وطنيّ شامل لا يستثني أحداً، برجاء أن يُفضي إلى تغيير مسيرة البلاد نحو التراضي والمشاركة والنهضة، حتى يتجدّد الأملُ في النفوس عبر التداوُل والتوافُق في القضايا المطروحة لإنهاء النزاعات المسلحة، وتحقيق السلام الشامل، وسيادة حكم القانون، والنهوض بحالة الاقتصاد، وبسط الحرّيات العامّة، وتحسين العلاقات الخارجية، والاهتداء إلى هُويّة جامعة تزيلُ الفوارق العنصريّة بين القبائل والطوائف، وتؤكّدُ على مفاهيم وقيم المواطنة المتساوية بحقوقها وواجباتها.
إلاّ أنّ الخلاف حول أولوياته وتهيئة مُناخه وشروط انعقاده، وضمان تنفيذ مخرجاته، حال دُون المشاركة الشاملة المأمولة من بعض الحركات المسلحة والقوى السياسية المُعتبرة.
مظاهرُ الأزمة وروشتة العلاج:
إنّ الأزمة الراهنة، التي تتجسّدُ مظاهرُها في اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتطلّبُ جهداً وطنياً جماعياً يؤدّي إلى تغيير كبير في مسار الأحوال السائدة حتى يتحقق الاستعدادُ المطلوبُ لذلك بتهيئة النفوس وتجديد الأمل لدى عامّة المواطنين، وإعادة الثقة بين القوى السياسية والتنظيمات المسلّحة والفئات الاجتماعية المختلفة.
ونرى أنّ هذا التغيير الذي نتطلّعُ إليه لن يحدث بتعديلات محدودة في تشكيل الحكومة المركزيّة أو الحكومات الولائية، بل بتغيير هيكليّ في إدارة الحكم تُحققُ نتائجُهُ الاستقرار السياسيّ والتنمية الاقتصادية والإصلاح الاجتماعي، من خلال برنامج تنفيذيّ يقومُ على أولويات محدّدة وواضحة تفتحُ الطريق المسدود نحو أفق أرحب وغد مشرق لأهل السودان.
المرحلة الانتقاليّة ومتطلباتها:
وإزاء حالة وطنيّة مأزومة على النحو المُشار إليه، فليس من سبيل أولى من التوافق على التقدُّم إلى مرحلة انتقال تاريخيّة من موقع الأزمة السياسية الراهنة إلى مشارف مستقبل يتجاوزها، بمشاركة القوى السياسية والمدنيّة كافة، ولهذه المرحلة الانتقالية متطلباتها ممّا يلزمُ توفير مقومات أساسيّة لتعزيز فرص نجاحها. ومن أهمّ هذه المتطلبات العملُ على بناء بيئة مُواتية من الحريات السياسية والعامّة بما في ذلك حرية التعبير، وتعزيز القبول المتبادل بين الأطراف الوطنية المتصارعة، وتأكيد الإرادة السياسية اللازمة للمُضيّ بالعمليّة السياسيّة للانتقال إلى غاياتها.
مهام المرحلة الانتقاليّة:
اعتبر المبادرون أنّ هناك جملة مهام وطنية لابدّ من إنفاذها خلال المرحلة الانتقالية تتمثلُ في الأولويات التالية:
1) إيقاف الحرب وتحقيق السلام في ربوع الوطن كافة، لا سيما في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتنفيذ استحقاقات ذلك في المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات، ومعالجة الأوضاع الإنسانيّة الناجمة عنها.
2) العمل على تضميد الجراح وتجاوز الضغائن والمرارات عبر آليات وطنية تحقق العدالة والمصالحة والتعايُش السلمي، وعرض هذا الموقف على المجتمع الدولي باعتباره جزءاً من دعم عمليّة سلام ومصالحة وطنيّة شاملة تواثقت عليها كلُّ الأطراف السودانية بمختلف توجهاتها السياسية، وبما يعالج مسألة المحكمة الجنائية الدولية.
3) ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتأسيس حكم راشد يقوم على مبادئ الديمقراطيّة والتعددية، والفصل بين السلطات الثلاث، وتأكيد احترام الدستور وسيادة حكم القانون، وبسط الحريات العامّة وحماية حقوق الإنسان بما في ذلك المساواة أمام القانون دون تحجُّج بحصانات أو سقوط حقوق بالتقادم، والفصل التام بين الدولة والحزب الحاكم، والإصلاح التشريعي الذي يؤسّس للحكم الراشد على قواعد راسخة.
4) بدء عملية جادّة لإصلاح شامل للاقتصاد الوطني، ومعالجة جذور الأزمة الاقتصادية في مظاهرها المتعدّدة، والعمل على تقديم حلول فعّالة للضائقة المعيشية الخانقة التي يعاني منها المواطنون.
5) إصلاح علاقات السودان الخارجية مع المجتمع الدولي والإقليمي، خاصة تلك الدولُ التي تؤثر على أوضاعنا الاقتصادية وتعرقلُ حلّ ديوننا الخارجية، وتفرضُ العقوبات الاقتصادية أو المقاطعة التجارية بشتّى أنواعها.
6) السعي لتحقيق توافق واسع حول الدستور بين القوى السياسية والفئوية والمدنية والمواطنين عامّة، وإجازته من قبل برلمان منتخب تشاركُ في التنافس عليه القوى السياسيةُ كافة، مع مراعاة التمثيل النسبي للأقليّات والشباب والمرأة، وعرضه في استفتاء عامّ على الشعب. وإعادة النظر في النظام الفيدرالي بناء على التجربة السابقة، وعلى الدراسات التي كتبت حوله وعلى استطلاع رأي الناس عامّة في الأقاليم والولايات المختلفة.
7) تهيئة البلاد لانتخابات حرّة وعادلة ونزيهة في خاتمة المرحلة الانتقالية، تحت إشراف محليّ ورقابة دوليّة مُقنعة بما يبعثُ على الثقة والاطمئنان والمصداقيّة، وتجرى الانتخاباتُ المرتقبة ُعلى أساس تعداد سكانيّ جديد يتجاوزُ أيّ قصور شابهُ في السابق.
8) إصلاح الخدمة المدنية، ومحاربة الفساد بأشكاله كافة في كلّ المجالات، واسترداد ما تمّ الاعتداءُ عليه من المال العام.
حكومة ُبرنامج تقودُها كفاءات:
يرى المبادرون أنه لتأمين تنفيذ برنامج "المهام الوطنية" فقد دعوا في هذه المبادرة إلى تشكيل حُكومة "مهام وطنية" من أهل الكفاءة المهنية والخبرة والأمانة، مع تمثيل رمزي للقوى السياسية لمدّة عامين أو أكثر..
التزامُ المبادرين:
أكد المبادرون أنهم سيظلّوا ملتزمين، بعزم ومثابرة،على العمل الإيجابي والبناء دفعاً في اتجاه مخرج آمن ومستدام للبلاد من أزماتها، وساعية للمساعدة في رسم ملامح مُستقبل زاهر يليقُ بشعبنا. وأعربت عن أملها في أن تصلح هذه الخطوة المهمة كثيراً من أوضاع السودان المأزومة، وتضع البلاد على المسار الصحيح، وتهيئها لمستقبل أفضل نتكاتف سويا على بنائه.
المصدر: الراية القطرية 16/5/2016م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.