في الأحداث الساخنة تنشط السياسة الباردة . . تبدو اللغة المتبادلة أو تلك اللغة التي يطلب منها التعليق على الحدث السياسي هادئة ومضبوطة الأعصاب، وفي هذه الحال يبدو المعلق مبتسماً، لأن جزءاً من سيكولوجيته الثقافية يقوم بدور امتصاص الحدث واختزاله إلى أصغر مربع انفعالي، وأكثر من ذلك يبدو المعلق السياسي واثقاً مما يقول لأن وجهه التحليلي يملأ الشاشة التلفزيونية أو يملأ الصحيفة الورقية، وهي ذاتها، هذه الصور، هي “تدريب" نفساني يومي يعمل على تحويل المشاهد أو القارئ الى كائن جاهز التلقي الى أي خلاصات ونتائج توفرها وتؤكدها في النهاية تلك السياسة الباردة . “التبريد" . . إن جازت العبارة، حقل ميداني مفتوح لمثقفي السياسة وعلم الاجتماع الى جانب بعض المنشغلين بقضايا الإنسان العربي وفكره وآليات تفكيره خصوصاً في أحداث ساخنة مثل اختطاف ست سفن مدنية واقتيادها الى ميناء أسدود وقبل ذلك قتل وجرح حوالي ثلاثين مدنياً على متن هذه السفن في صباح مبكر فوق وجه البحر الأبيض المتوسط . . . “التسخين"، “إسرائيلي" وبكل وضوح، أما “التبريد" فهو فعل عالمي، وأولى إشاراته تأتي من البيت الأبيض . في واقعة الجريمة والقرصنة المفضوحة أمام العالم كله يكتفي البيت الأبيض في الولاياتالمتحدةالأمريكية بإبداء أسفه على سقوط ضحايا ويدرس الظروف التي أدت الى هذا الحادث، أو يتقصى الملابسات، والبيت الأبيض في مثل هذا التعليق يقوم بتبريد التسخين . نتنياهو هو الآخر يقوم بتبريد التسخين عندما يقول إن غزة ليس فيها مجاعة، ثم، مسؤول “إسرائيلي" آخر يقوم بتلبيس المدنيين العزل على سفينة الحرية ثياباً عسكرية ويزعم أنهم يحملون أسلحة . . . “التبريد" السياسي لا يأتي أيضاً من جهة البيت الأبيض، بل، بعض العرب يقومون أيضاً بتلطيف درجة الحرارة السياسية الى الصفر عندما يلوذ بعضهم بالصمت وتبرد أعصابهم حتى كأنها عظام رميم . . . بين غزة ورام الله مسافة أقل بكثير منها بين ميناء لارنكا وشاطئ القطاع، فمتى تبدأ قافلة المصالحة بين مدينتين إحداهما تغلي على النار، والأخرى أيضاً تغلي على الماء؟ المصدر: الخليج 2/6/2010