في خواتيم الاسبوع الماضي كانت كلا العاصمتين الخرطوموالقاهرة تؤكدان أن بوادر الأزمة التي كانت قد بدأت في الظهور بينهما قد انقضت وانتهت وكان ذلك بالفعل صحيحا. غير أن من المهم هنا أن نلقي نظرة استراتيجية ضرورية بطبيعة علاقات السودان ومصر في ظل التحديات الجسام التي يواجهها السودان سواء في تفاعلات ازمته في دارفور أو تقرير مصير الجنوب السوداني واحتمال بروز دولة جديدة في أعالي النيل بحيث يصبح وادي النيل ثلاثه دول بدلاً من دولتين. ولنسأل بداية هل كانت بالفعل هناك أزمة نشبت أو علي وشك النشوب بين الخرطوموالقاهرة في الاسبوعين الماضيين؟ الواقع أنه هنا كانت هنالك بالفعل مؤشرات لأزمة وشيكة بين البلدين كان سببها نقاش دار في ندوة اقيمت بالخرطوم تحدث فيها الوزير السوداني علي كرتي وطاف خلالها بمواقف الجارة الشفيقة مصر بشأن قضايا المنطقة يدركها اخوتنا المصريين- أن القاهرة منشغلة بأمور أخري اكثر من أنشغالها بالقضايا الاستراتيجية الهامة في السودان باعتبار أن السودان عمق استراتيجي لمصر ومن الممكن هنا أن نستنتج أن كرتي ربما كان (يعاتب) وهو بالفعل يعاتب القاهرة علي موقفها الحالي (الشديد البرودة) اذاء تحديات مصيرية يواجهها جارها السودان وهي تحديات تلقي بظلال سالبة كثيفة علي مصر نفسها حيث لا يقتصر أثرها علي السودان وهي أزمة دارفور وتقرير مصير الجنوب السوداني. عتاب الوزير كرتي – الذي نعتبره محقاً فيه – نابع من أن الخرطوم تتوقع دوراً ضخماً وهائلاً للقاهرة في هذه الأيام لمواجهة هذه التحديات وبالطيع مصر تعرف طبيعة هذا الدور لأهميتة ولهذا يكون من المستغرب ألا تفي به. مصر من جانبها لم تستسغ حديث الوزير كرتي ولعل هذه احدي مظاهر التعامل السالب لمصر مع شقيقتها السودان فهي تعتقد أنها الأكثر (وعياً) ولا يصح (لفت نظرها). ومن ثم فان لديها حساسية حيال مواقف السودان التي تتجاوز سقف ما ترجوه مصر وتريده. وهكذا فان السودان ينظر الي الامور بمنظار استراتيجي يتجاوز أي ملفات عالقة أو قضايا قديمة أو مستحقات وبوسعنا هنا أن نشير الي أن السودان ترك (أرضاً) وصمت تماماً عن الحديث عنها لا تهيباً ولا خوفاً ولكنه من واقع النظر الاستراتيجي فحسب لعلاقاته مع مصر. ومع ذلك فان القاهرة فيما يبدو تتعامل (بتكتيك) محاولة ارضاء الرغبة الامريكية حيال انفصال الجنوب وفي الوقت نفسه محاولة ارضاء الخرطوم والبحث عن صيغة تربط القاهرة بالدولة الجنوبية الجديدة اذا قدر لها أن تنشأ أي ثلاثه حبال (تكتيكية) تلعب عليها القاهرة لم يكن من المتعذر علي الخرطوم أن تدركها. ويبقي من المهم هنا أن تقف القاهرة موقفاً متقدماً أكثر ايجابية من مجرد الامساك التكتيكي بأطراف هذه الحبال ففي النهاية فان الاثار السالبة لهذا الموقف قادمة لا محالة وعلي كلٍ فقد تراجع ترمومتر الشد والجذب وتلطفت الاجواء قليلاً ولكن يظل موقف القاهرة في حاجة الي البروز بوضوح لصالح وحدة السودان بعمل واضح ومؤسس لا مجال فيه للتكتيك في ظل الحاجة الشديدة لاعمال اليات استراتيجية تعرفها مصر ولا يدري أحد لماذا تتجاهلها؟!