لم تقف تصريحات وزير النفط السوداني (لوال دينق) - وهو قيادي بارز بالحركة الشعبية - عند حدود تحذيراته شديدة اللهجة من مغبة الانفصال ، فقد ذاع هذا الحديث الذى نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل ايام وعرفه القاصي و الداني ، غير ان ما لم ينتبه له البعض – هو ان لوال أدلي بتصريحاته هذه و هو يزور العاصمة الأمريكيةواشنطن ،و قد أشار فى ثنايا الحوار- بشكل عابر- الى انه لمس عزوف واشنطن و عدم اطمئنانها لانفصال الجنوب و لم يتوسع دينق فى هذا المنحي و اكتفي فقط بهذه الإشارة المهمة. ولهذا فان من المحتم ان الرجل لمس هذه الحقيقة واستيقن منها سواء من مصادر قريبة من مصنع القرار فى واشنطن او من خلال قراءته لمواقف واشنطن ؛ والواقع ان هذه القضية قديمة و لكن ظل قادة الحركة الشعبية يتحاشون الخوض فيها ،و ذلك ان واشنطن لا تملك القدرة على فصل الجنوب السوداني بأى وسيلة من الوسائل فضلاً عن انها - لأسباب سياسية مهمة - لا تطمع فى انفصال مثار جدل و فيه شائبة من الشوائب ، يظل يعرقل قضية تقرير المصير و يفرز اضطراباً أمنياً ،و ربما كان ذلك واضحاً فى إفادات تكررت كثيراً لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ، وكذلك الموفد الامريكي الخاص سكوت غرايشون ، فالاثنين ظلا يحرصان على ضرورة قيام استفتاء سلمي و نزيه غض النظر عن النتيجة ،و من المؤكد ان واشنطن تريد الوصول الى نهاية لشوط السلام تستقر عليه الأوضاع ،ولكنها لا يمكنها ان تشجع قادة الجنوب للانفصال بدولة قال عنها بايدن أنهم ليسوا فى حاجة لها للإنضمام الى صفوف الدول الفاشلة ، و الإشارة هنا واضحة ،حيث يسود الفساد فى أروقة حكومة الجنوب و تقل الموارد ،و حيث يوجد جيش شعبي غير محترف و يصعب الاعتماد عليه فى المحافظة على أمن واستقرار الجنوب . وكانت تجربة الجيش الشعبي خير دليل على ذلك ، إضافة الي ان الصراع القبلي الحاد الذى يعاني منه الجنوب سوف يزداد احتداماً و ربما يعرقل مسيرة الاقليم . و فى الواقع ان لوال دينق قرأ كل ذلك ،و ليس من المستبعد – والرجل يدير أخطر ملف اقتصادي يهم واشنطن،وهو ملف النفط – ان يكون قد سعي لمعرفة توجهات واشنطن إزاء التوجهات الانفصالية فى الحركة ،و فقد أشفق الرجل على حال حركته و اندفاعها – غير المحسوب بدقة – نحو الانفصال ،ومن ثم امتلك الشجاعة – وهى شجاعة نادرة داخل الحركة – ليصدح برأيه المؤثر . إذن كان لوال يدق ناقوس الخطر وكأنه يرسل كلمة سر الى قيادة الحركة ان اعتمادها على واشنطن ومراهنتها على الدعم الدولي حال الانفصال مجرد وهم و إضاعة للوقت والجهد ، و ربما كان الرجل بحكم معرفته الاقتصادية لاحظ إحجام هذه الدول عن دعم و أعمار الجنوب طوال فترة الانتقال المنصرمة، كما ان الرجل زميل دراسة لزعيم الحركة الراحل جون قرنق ،و قال صراحة ان قائده الراحل لم يفكر فى يوم من الأيام فى دولة جنوبي مطلقاً !