أرغب في إطلاعكم على مقالين صحفيين قرأتهما مؤخراً وأعتقد أنهما يشيران إلى جوهر المشاكل التي تعانيها أميركا اليوم والتي نادراً ما نأتي على ذكرها. وتمّ نشر المقال الأول في مجلة نيوزويك تحت العنوان الساخر: «احتللنا المرتبة الحادية عشرة!» وتحدّث هذا المقال الذي كتبه مايكل هيرش عن التالي: «هل فقدت الولاياتالمتحدة الأميركية حيويتها كقوة عظمى؟ حتى الرئيس أوباما لم يكن محصّناً ضد الغم. وخلال تجمّع سياسي في بداية شهر أغسطس، صاح أوباما عالياً، لن يكتفي الأميركيون بالمرتبة الثانية! ماذا عن المرتبة الحادية عشرة؟ فهذه هي المرتبة التي شغلتها الولاياتالمتحدة الأميركية على لائحة نيوزويك التي تصنّف البلدان المائة الفضلى في العالم، ولم تندرج حتى ضمن المراتب العشرة الأولى». أما المقال الثاني الذي كان من الممكن أن يُطلق عليه عنوان «لمَ احتللنا المرتبة الحادية عشرة؟» فكتبه روبرت سامويلسون، كاتب المقال الاقتصادي في صحيفة «واشنطن بوست». وتساءل فيه عن السبب الذي دفعنا إلى إنفاق هذا الكم الكبير من المال لإصلاح المدارس في أميركا في حين لم نحصل على النتائج الكافية على صعيد الحلول القابلة للتوسّع التي تصدر عنها نتائج الامتحانات الفضلى للطلاب. وأجاب قائلاً إن السبب لا يعود ربما إلى عجز المدرّسين وضعف مديري المدارس وأنانية النقابات. وكتب سامويلسون، «من المستحيل تقريباً ذكر السبب الأهم لهذا الفشل، ألا وهو حافز الطلاب المتقلّص. ففي نهاية المطاف، على الطلاب الاضطلاع بالعمل. وإن لم يحفّزهم شيء، لن ينجح المدرسون القادرون حتى في تعليمهم. ويأتي الحافز من مصادر عدّة: الفضول والطموح، توقعات الأهالي، الرغبة في دخول كلية «جيّدة»، المدرّسون الملهمون والمخيفون، وضغط الأقران. ويقول الافتراض الضمني لعدد كبير من «الإصلاحات» في المدارس، التالي: إن لم يكن الطلاب متحفّزين، يلقى اللوم عندئذ على المدارس والمدرّسين». ولكن سامويلسون اعتبر أن هذا الافتراض خاطئ. «فالحافز ضعيف لأن الكثير من الطلاب (وتجدر الإشارة إلى أنهم من كافة الأعراق والطبقات الاجتماعية) لا يحبون المدرسة ولا يبذلون الجهود الدؤوبة ولا يتفوقون على الإطلاق. وفي دراسة أجريت عام 8 0 0 2 مع المدرّسين في المدارس الثانوية العامة، اعتبر 1 2% منهم أن الغياب يشكّل مشكلة خطرة، في حين تحدث 9 2%، منهم عن لامبالاة الطلاب». وتعدّ النقطة التي تناولها سامويلسون بالغة الأهمية - وما هي سوى غيض من فيض مشكلة كبرى لم نقدم على مواجهتها بصراحة في حين كنا نسعى للخروج من هذا الركود: لقد انهارت قيمنا - وانتشر وباء وطني قضى بكسب الثراء سريعاً والحصول على شيء مقابل لا شيء. ولعل وال ستريت كانت تروّج للمخدرات ولكن المشرّعين في بلادنا كانوا يشجعونها على ذلك. وسُرّ الكثير منا بشراء حشيشة الدوتكوم والرهن العقاري للوصول إلى نشوة الازدهار السريع. اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: لمَ كان جيلنا الأعظم عظيماً؟ أولاً، كانت المشاكل التي واجهها هائلة وعديمة الرحمة ولا مفرّ منها: الكساد والنازية والشيوعية السوفياتية. ثانياً، لم يخشَ قادة الجيل الأعظم يوماً أن يطلبوا من الأميركيين بذل التضحيات. ثالثاً، كان هذا الجيل مستعداً للتضحية والتماسك لصالح البلاد. رابعاً، لأنهم كانوا مستعدين لاتخاذ القرار الصعب، كسبوا القيادة العالمية من خلال الطريقة الوحيدة التي تتيح لهم فعل ذلك، أي عبر القول: «الحقونا». قارنوا ذلك بجيل طفرة الإنجاب. لقد تجلّت مشاكلنا الكبرى تدريجياً - تدهور التعليم والتنافسية والبنى التحتية في الولاياتالمتحدة بالإضافة إلى الإدمان على النفط والتغيير المناخي. ولم يتجرأ قادة جيلنا يوماً على التفوه بكلمة «تضحية». وعلى الحلول كلها ألا تكون مؤلمة. أي دواء تريد؟ حافز من الديمقراطيين أو إعفاء ضريبي من الجمهوريين؟ سياسة وطنية حول الطاقة؟ هذا أمر غاية في الصعوبة. وطوال عقد من الزمن، أرسلنا أصحاب العقول الفذة لصنع رقاقات البوكر في وال ستريت لا لصنع رقاقات الحاسوب في سليكون فالي، في حين قلنا لأنفسنا إننا قادرون على تحقيق الحلم الأميركي - منزل - من دون مدّخرات أو استثمارات، ومن دون دفعة أولية وبلا مقابل لسنتين. ويلحظ دايفيد روثكوبف، وهو عالم زائر في صندوق كارنيغي، أن جزءاً كبيراً من النقاش الدائر اليوم بين الحزبين «يتمحور حول إلقاء اللوم عوضاً عن تحمّل المسؤولية. إنه سباق لنرى من سيتمكّن من منح المزيد في الوقت الذي يفترض بهم أن يطلبوا المزيد من الشعب الأميركي». أوافق روثكوبف الرأي بأننا سنشعر بالحماسة تجاه السياسة الأميركية عندما يتمحور نقاشنا الوطني حول إقدام الديمقراطيين والجمهوريين على الاعتراف بأننا نعجز عن تقليص العجز من دون زيادة الضرائب والحدّ من الإنفاق - ثم نجري نقاشاً حول ماهيتها والوقت المناسب لها - والاعتراف بأننا نعجز عن منافسة الغير ما لم نطالب طلابنا ببذل المزيد من الجهود - ثم نجري نقاشاً حول إطالة الدوام المدرسي مقابل سنوات الدراسة - والاعتراف بأن الأهالي السيئين الذين لا يقرأون لأولادهم ويسمحون لهم باللعب بألعاب الفيديو هم مسؤولون عن نتائج الامتحانات المنخفضة بقدر المدرّسين السيئين - ثم نجري نقاشاً حول ما علينا فعله في هذا الصدد.في عالم مسطح يتيح للجميع الوصول إلى أي شيء، أصبحت القيم مهمة أكثر من أي وقت مضى. وفي الوقت الحالي، يتمتع الهندوس وأتباع الكونفوشية بالأخلاقيات المسيحية أكثر منا، وطالما بقي الوضع الراهن على حاله، سنظلّ في المرتبة الحادية عشرة! المصدر: الشرق القطيرة 15/9/2010