تحليل سياسي في سياق ما أشيع عن اعتزام كتلة الحركة الشعبية بالبرلمان السوداني استدعاء وزير الإعلام السوداني الدكتور كمال عبيد لاستجوابه حول تصريحاته الأخيرة عن حقوق مواطني الجنوب حال انفصاله ، قال رئيس الكتلة (توماس واني) ان تصريحات عبيد تمثل تهديد لمواطني الجنوب فى الشمال (لإغرائهم)! من أجل التصويت لصالح الوحدة! و اعتبر واني التصريحات – استناداً الى تبريره هذا – بمثابة خرق لاتفاق السلام .و لا شك ان تصريحات رئيس كتلة الحركة البرلمانية هذه وتبريراته التى ساقها تعتبر لكل المقاييس الأغرب فى شأن تصريحات المتطرفين و الشديدي التعصب للانفصال من غلاة قادة الحركة. فقد بلغ التطرف لصالح الانفصال – لمفارقات القدر و سخرياته – درجة اعتبار الإغراء من اجل الوحدة بمثابة خرق لاتفاقية السلام! فرئيس الكتلة – بحسب تفسيره الخاص – قال ان الوزير قصد من وراء التصريح إغراء أبناء الجنوب للتصويت من اجل الوحدة و لم يفصح فى الوقت نفسه عما اذا كان الإغراء – اذا اعتبرنا تصريح عبيد إغراء – ممنوعاًُ و محظوراً بموجب اتفاقية السلام . وليجيب لنا رئيس الكتلة عن أحاديثهم المكرورة عن الوحدة الجاذبة ،وعن مفهوم هذه الوحدة اذا لكم يكن من بينها المواطنة و التى حصل عليها أبناء الجنوب منذ عقود ،و لم تفعل اتفاقية نيفاشا 2005 سوي انها أوردتها كنص فيها . كما ان رئيس الكتلة لم يفصح لنا ولن يفصح عما اذا كان تبصير مواطني الجنوب بأحوالهم القانونية و المدنية حال الانفصال فيه مخالفة لاتفاق السلام ، ذلك ان المعادلة هى فى الواقع مقلوبة ؛ قلبتها الحركة الشعبية رأساً على عقب حين جعلت من الانفصال هو الأصل و طفقت تدعو له ،و باتت تعتقد ان إغراء المواطن الجنوبي بمواطنة منقوصة – بعد الانفصال- بمثابة مخالفة للاتفاق و يبدو ان كتلة الحركة البرلمانية و من ورائها الحركة الشعبية تريد الحصول على الاثنين – المواطنة الكاملة فى الشمال و المواطنة الكاملة فى دولة جنوبية منفصلة! بما يُعد أمراً لم يعرفه التاريخ السياسي للأمم على الإطلاق . بمعني أوضح فان الحركة فيما يبدو تريد ان تحصل على كل ايجابيات الوحدة و كل ايجابيات الانفصال دون ان تصوت للوحدة ، و تحمِّل الشمال كل مثالب الانفصال ،و هذه موازنة مختلة. وبالطبع لا يُعرَف ما اذا كان البرلمان سوف يستدعي الوزير و يحضر ، و لكن من المؤكد ان حضور الوزير لن يكون فى صالح منطق الحركة لأن من المحتم ان هناك وثائق – لا حصر لها – لتصريحات قاتمة وسافرة من جانب قادة الحركة تدعو فيها للانفصال بالمخالفة الصريحة جداً لاتفاقية السلام ،و قد تطرق حتى قادة الصف الأول فى هذا الصدد بما فى ذلك زعيم الحركة ، دون ان يتعرض لهم أحد. فليبرر لنا أيضاً قادة الحركة أسباب مشروعية دعوتهم للانفصال بالترغيب و الترهيب معاً ، و عدم مشروعية دعوة الآخرين للوحدة بالترغيب وحده أو بالإغراء كما قال رئيس الكتلة بلسانه !