ظلت العديد من قيادات الحركة الشعبية بما في ذلك زعيمها نفسه الفريق أول سلفاكير ميارديت يطلقون مختلف التصريحات بشأن انفصال الجنوب، ويتوعدون الشمال بشتي صنوف الوعيد والمكايدات سواء بشأن النفط كما قال أحد قادة الحركة أن الشمال لن يمنح منه ولو جالون واحد، أو بشأن الحرب، حين قال أمين عام الحركة ووزير السلام في حكومة الجنوب باقان أموم، أن حركته قضت السنوات الست الماضية في تقوية عضلات جيشها (عدة وعتاداً) ليوازي الجيش السوداني ويتفوق عليه استعداداً لمعركة مؤجلة، أو بالحديث عن الاستقلال في إشارة إلى أن الجنوب الآن يرزح تحت نير الشمال المستعمر. كل هذه التصريحات – والتي دون شك لم تكن مسئولة ولا تعبر عن أخلاق سودانيين ورجال دولة – لم تثير الغضب لدي أحد الا بمقدار الحزن على حال أخوة سودانيين لم يستطيعوا تجاوز مرارات قديمة وشعور عميق بالدونية والمواطنة من الدرجة الثانية وهذا ما سبق أن عبر عنه زعيم الحركة حين حث مواطني الجنوب على اختيار الانفصال اذا كانوا يريدون مواطنة من الدرجة الأولي !! ومع ذلك فان تصريحاً واحداً فقط جاء من جانب الحزب الوطني على لسان وزير الإعلام د. عبيد حول حقوق المواطنة بالنسبة للمواطنين الجنوبيين عند انفصال الجنوب أقام الدنيا ولم يقعدها وأحدث آلاماً مبرحة في نفوس قادة الحركة . ومبعث الآم قادة الحركة هنا ليس هو حرصهم على المواطن الجنوبي، ولا بحثاً عن علاقات حسن جوار مع الشمال في المستقبل. مبعث الم قادة الحركة كما عبر عن ذلك رئيس كتلة الحركة البرلمانية (توماس واني) هو أن الحزب الوطني (أربك) حسابات الذين يزمعون التصويت للانفصال فقد قال (واني) دون أن يطرف له جفن او وازع من حياة، ان تصريحات عبيد (حملت إغراءات) للمواطنين الجنوبيين للتصويت للوحدة!! وكان واضحاً أن واني يعبر عن مرارة يستشعرها حيال أمر لا مست فيه تصريحات عبيد شفاف المواطن الجنوبي. لهذا فان من الطبيعي أن يوالي الحركة الشعبية شعور بان الوطني يعمل على توعية وتبصير المواطنين الجنوبيين بمترتبات الوحدة والانفصال الأمر الذي لا تري الحركة أنه يخدم أهدافها فهي تريد مواطن جنوبي أعمي ينساق خلفها دون أي رأي أو سؤال. وعلى ذلك يمكن القول أن الحركة الشعبية لم تتحسب لما يمكن أن نسميها (اوجاع الفطام) فهي وان استعجلت الانفصال وإقامة دولة لكنها تجاهلت صعوبة وربما استحالة فك الارتباط بالشمال بهذه البساطة، كما أنها بدأت تدرك للتو فداحة مسعاها هذا ووجود جذور عميقة لمواطنيها في الشمال ومصالح يصعب التخلي عنها اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. باختصار لقد بدأ يظهر الآن للحركة أن مرارة وأوجاع الفطام أقسي مما كانت قد تصورت!!