* حينما تشرق الشمس يوم 9 يناير مع تباشير العام 2011 ستدخل ايادي الاخوة الجنوبيين الى ما يعرف بصناديق الاقتراع لانفاذ أهم بند من بنود اتفاقية السلام التي وقعت بمنتجع نيفاشا بكينيا 2005 تحت حراسة كاملة العدد من الدول الغربية فسكتت الحرب الاهلية المشتعلة بجنوب السودان “ونهضت مكانها قضية فصل الجنوب“ وما تسجله تلك “الايادي“ إما نعم لسودان موحد او لا قدر الله “لا“ وينفصل الجنوب وهو انفصال “قسري“ لتبعاته الاقتصادية والاجتماعية اقليميا وبحسب جغرافية السودان ومحليا لان المشرط المستعمل للتجزئة والتقسيم لن يكون “رحيما ولا رؤوفا ولا عادلا“ لان القواسم المشتركة بين ابناء الشعب متعددة ومتداخلة رغم الاختلافات السياسية التي تفوق رقعته الواسعة وثرواته المتنوعة ولان هناك بؤرا كالقنابل الموقوتة ستتفجر وإن طال الزمن طالما لم تجد الحلول الشجاعة والامينة. * ان مناطق الالتماس كمنطقة ابيي على سبيل المثال والتي قفزت لساحة الاحداث العالمية الساخنة تعتبر نموذجا للتمازج والتداخل ومن الصعب تقسيمها “ارضا وانسانا“ لان القبائل التي تقطنها تتحرك للمرعى والماء وانسانها تمازج وتزاوج واختلط بعضه ببعض. * وليست مناطق الالتماس في خريطة الوطن هي المحك الوحيد فهناك دماء تسيل في اوردة القبائل والبيوتات والاسر تصاهرت واختلطت في بقاع ومدن وقرى سودانية شرقا وشمالا وغربا فليس مستغربا ولا مستهجنا ان يجاور الجنوبي الشمالي يشاركه المأكل والملبس ويشاطره كراسي الدرس وفي الشارع والمشفى والنادي وفي عموم وسائل المواصلات والاتصالات كحق مشروع ومباح وبانسجام لا يعرف التفرقة ولا العدوانية في عمومياتها طالما هو سوداني. * منذ ان كان لاهلي سكن وحتى اللحظة فجيراننا من الجنوب ولم يقفز للذهن لماذا جيراننا جنوبيون وترعرعنا في مدينة كوستي اكبر ميناء نهري يربط الشمال بالجنوب ومحطة اولى يحط فيها سكان الجنوب ارجلهم للجزء الشمالي ويغادر منها الشمالي للجنوب كنموذج حي للمدينة المتصالحة مع انسانها تسير فيها وتيرة الحياة بانسيابية ولا تطرح سؤالا مقيتا ولا تفتح الاعين اندهاشا لماذا ياتون ومن هم فقط لانهم سودانيون لحما ودما وإن اختلفت سحناتهم ولهجاتهم ومثلهم في ذلك مثل كثير من قبائل السودان ذات السحنات والاعراق واللهجات المختلفة والتمازج العرقي العربي الافريقي. * المتابع للقنوات الاعلامية من غير السودانيين قد يحسب ان مشروع الانفصال هو "مشروع انسانه“ وقد يجهل الكثيرون لاي مدى سريان مياه التلاقي والتمازج والاختلاط بين شطري الوطن الذي يراد له التقسيم كواقع حتمي وضع اشتراطاته بند حق تقرير المصير كخاتمة مطاف لاتفاقية نيفاشا التي اوقفت حربا نهشت جسم الوطن والمواطن جنوبيا وشماليا على السواء. * ان الانفصال ليس قدرا محتوما ولكن الوحدة كان يمكن ان تكون واقعا ملموسا، ان عمل شريكي الحكم الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لانفاذها بمشروعات تنموية عملاقة “تنقل المدينة للريف“ وتأتي بالتنمية والاستقرار والسلام لتغتال نزعة الانفصال في مهدها.. كان يمكن ان تكون الوحدة جاذبة لا تهجر الجنوبي للجنوب ولكن تهجر الانسان الشمالي جنوبا بعمل شراكات تنموية تستهدف الانسان البسيط في اصقاع الجنوب لان جنوب السودان مثل غالبية الريف السوداني غني بموارده وهو ارض الفرص الاستثمارية الواعدة بما حباه الله من اراض خصبة وامطار طيلة العام وثروات حيوانية غير محصورة ولا منظورة ومعادن متنوعة وتدفقات بترولية شكلت عصب الاساس لموازنة الدولة وها هو البترول ايضا يشكل احد اهم أجندات الانفصال لان الانسان البسيط الذي سيدخل يده في تلك الصناديق لم يمضغ لحمته الطرية. * ان الوحدة الجاذبة لم تتسلق الجبال الوعرة من بنود الاتفاقية واوقفت فقط عند منحنى حرف “الحاء“ التي يلوكها المسؤولون هذه الايام “سنعمل للوحدة الجاذبة“ وتراشقات الاحاديث السياسية بين الشريكين التي مثلت العصف الذهني لنظرية العنصرية البغيضة لتفتيت الجسم الواحد.. انها نظرية “تفصل السوداني عن السودان“ وليس الجنوبي وحده طالما الاتفاقية اعطته حق ادخال اياديه لصناديق الاقتراع تحت حراسة غربية وتشويش محلي لم يضع حسابا للزمن ولا استراتيجية للتنمية الجاذبة.. وطالما الوحدة لم تغادر حرف “الحاء“ لمعول التنمية والاعمار ليتحقق للمواطنين الامن الاجتماعي والاستقرار والبناء. * همسة: هل يتحرك حرف “حاء“ الوحدة نحو الجنوب أم “قطار الانفصال“ وصل لمحطته النهائية؟ المصدر: الشرق 1/11/2010