لم تنكر الحركة الشعبية وجود الكيان الإسرائيلي على أرضها، وبالمقابل أيضاً لم ينكر الكيان الإسرائيلي – وتحديداً الموساد – وجودة في الجنوب السوداني. الحركة الشعبية تبحث عن غطاء لوجود إسرائيل فيها في الجنوب وتزعم انها حرة اذا ما أصبح الجنوب دولة مستقلة في أقامة علاقات مع من تري أن لديها مصالح معها من دول العالم دون أدني محاذير. الموساد الإسرائيلي قال صراحة انه يعتني بتدريب الجيش الشعبي والقوات الأمنية الخاصة بحكومة الجنوب. بعض المدافعين عن الحركة الشعبية لا يجدون مأخذاً على الحركة في إقامتها لعلاقات مع إسرائيل . غير أن الأمر أخطر من ذلك بكثير فإسرائيل لم يعرف عنها قط دعمها ومساعدتها لأي دولة في العالم هي فقط تبحث عن مصالحها وهنا يكمن الخطأ والخطر بالنسبة للحركة الشعبية حيث يعتقد قادتها – بسطحية بالغة – ان بوسعهم تبادل المصالح مع إسرائيل وأن الأخيرة تتعامل بالقواعد المرعية في العلاقات الدولية تعطي وتأخذ في حدود ما هو ممكن ومتاح. ويعتبر وجود إسرائيل في جنوب السودان في ظل دولة جنوبية منفصلة عن الشمال مرتعاً خصباً لها لكي تحقق أهدافاً محددة. أولها التحكم في مياه النيل بشتي الوسائل والصور وقد درج البعض على التقليل من هذه الحقيقة رغم خطورتها وجسامتها، ولكنها حقيقة مدمرة، فالدولة العبرية ظلت تحكم بالنيل قبل مولدها وظلت تردد المقولة المعروفة أن حدودها من النيل إلى الفرات! وبالطبع تطمح إسرائيل في هذا التحكم لأنه يعمل على إخضاع دول عديدة في المنطقة إخضاعاً كاملاً لان المياه بمثابة إكسير حياة ثاني المصالح الإسرائيلية وضع قاعدة دائمة لها لمحاربة كافة دول المنطقة التي استعصي عليها محاربتها فهي تستطيع التحكم في منطقة غرب أفريقيا وجنوب الصحراء وشرق افريقيا بسهولة وكلنا يعلم أن يوغندا وكنيا وإفريقيا الوسطي وتشاد واقعة تحت تأثير إسرائيل بصورة أو بأخرى فضلاً عن إثيوبيا وأريتريا وسوف تتولي عملياتها الاستخبارية النوعية في المنطقة تباعاً في ظل وجود قاعدتها الثابة في الجنوب. الأمر الثالث، أن موارد الجنوب الزراعية والمعدنية وحتى النفط سيكون في يد الدولة العبرية نيابة عن واشنطن وهي قادرة بهذا الصدد على تسويق هذه الموارد لصالحها ولصالح الولاياتالمتحدة في ذات المنطقة وما حولها. ولإنفاذ وتحقيق هذه الأهداف فان إسرائيل – وهذه هي الكارثة التي تنتظر الحركة الشعبية – سوف تعمل على تعميق التناقضات ما بين قادة الحركة الشعبية وقد بدا ذلك بمنموذج كير ومشار كما سوف تعمل على تغذية الصراع القبلي ليكون أكثر ضراوة عن طريق تكثيف السلاح ونشره على أوسع نطاق. أن انفصال الجنوب السوداني هو اكبر ضربة إستراتيجية لدول المنطقة على الرغم من أن بعض هذه الدول – مثل يوغندا – تدعمه وتسانده مسانده غير عادية ولا شك أن الحركة الشعبية بعد عام أو عامين سوف تغرق في ندم وحسرة على ما فرطت في الجنوب وحينها يكون الأوان قد فات تماماً!!.