تسامي الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب فوق جراحاته في أعقاب حديث (جارح سياسياً) وربما أيضاً ((جارح اثنياً)) سبق وأن ردده رئيه الفريق أول سلفاكير ميارديت عنه في حوار أجرته معه – قبل أسابيع – صحيفة السوداني. ويومها أغلظ كير رأيه في نائبه مشار على خلفية الأسطورة الجنوبية الرائجة عن خلافة مشار المنحدر من أثنية النوير، وهي القبيلة التالية لقبيلة الدينكا التي ينتمي إليها كير للفريق كير في رئاسة حكومة الجنوب. وقد حاول كير وبعض قادة الجنوب في ذلك الوقت نفي ما قاله رئيس الحركة ولكنه الحديث – لسوء الحظ – كان موثقاً في أحشاء شريط الكتروني لا يحتمل الإنكار والنفي كما هو الحال في حالة الكتابة الورقية. وعلى أية حال فان المراقبون اعتبروا أن الرسالة التي أراد كير إرسالها قد وصلت، فالمقصود أن يعي قادة النوير – بدءاً من د. مشار، أن الأسطورة المذكورة وحتى ولو كانت محل اعتقاد وإيمان قاطع لدي الجنوبيين الآن أن الدينكا سوف يحرصون على أن تظل هذه الأسطورة ضمن التراث والأساطير المتخفية. د. مشار من جانبه وعلى ما هو معروف عنه صبر وقوة في الاحتمال، تسامي فوق هذه الجراحات، ربما تأسيساً على أن الأمر بيد المستقبل وهو لن يخسر شيئاً ما دام الأمور بخواتيمها ولهذا فأنه سارع بالقول أن الدينكا في الوقاع لا يسيطرون على كل شيء في الجنوب، وان الجنوب ليس فيه من يقف منافساً للفريق كير. تصريحات مشار التي أوردتها صحيفة ألوان الثلاثاء الماضية حملت في الحقيقة غموضاً اكبر فيما يتصل بعلاقة الدينكا والنوير والرفقة التي من المقرر أن يجمع بينهما في المستقبل القريب حين يصبح الإقليم دولة مستقلة. أذ من المعروف أن التعامل بينهما في ظل الوضع القائم الآن سوف يختلف دون ادني شك حين يتحمل الجنوبيين مسئولية إدارة دولة قائمة بذاتها، فالطموح السياسي في الغالب لا تجده حدود ولا يعرف المستحيل. ولا ينكر احد حتى الدينكا أنفسهم أن هناك هيمنة في الجنوب من قبل هذه القبيلة وقد سبق أن حاولت قبائل الدينكا في الأيام الأولي للسلام، ترحيل قبيلة الشلك من احدي المناطق الاستوائية بحجة تبعيتها لهم وقد رفض الراحل قرنق الاستجابة لهذا المطلب وهذا ما دفع القبيلة لاحقاً للقيام بهجمات شبيهة بالإبادة الجماعية ضد الشلك موثقة ومعروفة. وتشير دراسات مكتوبة وموثقة أن النوير يسعون للسيطرة على موارد الجنوب وفي مقدمتها البترول كمدخل للسيطرة على الأوضاع في الإقليم بكاملة وهذا يفسر سر إصرار العميد تعبان دينق على تولي منصب حاكم الوحدة حيث حقول النفط وآباره، كما يفسر أيضاً سر صمت الفريق فاولينو ماتيب الرجل الثاني في الجيش الشعبي وإحجامه عن التصريح بأي حديث حالياً، فالأمور بمواقيتها وكل شيء محسوب. اذن لا يمكن الجزم بأن الرفقة بين الدينكا والنوير ستكون آمنة مهما حاول القادة تجميل الوجه وتلطيخه بالمساحيق السياسية السريعة الذوبان!!