بدأت في الأفق نذر الانفصال تلوح تحت مزاعم استقلال الجنوب وقيام الدولة التي تنتظرها الحركة الشعبية وحلفاؤها من دول الغرب، حيث لم يخف النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب مشاعره نحو قيام دولة منفصلة، والتي يعتقد كثير من المراقبين بأنها ستكون دولة تعيش على المعونات الخارجية التي تأتيها من دول الجوار مثل كينيا ويوغندا إلى جانب أمريكا وإسرائيل. ومن المعلوم أن 60% من مواطني الجنوب يعيشون في الشمال ويكسبون معاشهم من الزراعة والصناعة والحرف الأخرى، لكن في حال وجود دولة في جنوب السودان فإن هذه الفرص لن تتوفر لهم. وعلى بعد أيام من قيام الاستفتاء لجنوب السودان تشير كل الدلائل إلى أن إرادة القيادة العليا في الحركة الشعبية تؤيد الانفصال وتسعى لتحقيق ذلك عن طريق الاستفتاء الذي رافقت ترتيباته الكثير من الخروقات خاصة عملية التسجيل، ومازالت الحركة الشعبية واستخباراتها تسيطر على حكم الجنوب من الناحية السياسية والتنفيذية وذلك منذ الانتخابات الماضية، إذ أصبحت إرادة الشعب الجنوبي تحت رحمة استخبارات الحركة الشعبية التي تحكم بالقهر والبطش والتخويف لكل من تسول له نفسه أن يتحدث عن السودان الموحد، بل أصبح الأمر أبعد من ذلك حيث أصبح في جنوب السودان مجرد الحديث عن الوحدة عار يصاحب من يتحدث به. نشأت الحركة الشعبية على الحرب وكان جل اعتمادها على الجانب العسكري ولم يكن لديها اعتماد على خط سياسي معين، واعتمد قادة الجيش الشعبي أنفسهم على التكوينات القبلية التي تكون مجموع سكان الجنوب نسبة لاعتماد الإقليم على التركيبة القبلية في إدارة الصراع السياسي وصراع الموارد، وفي ظل هذا الواقع يبرز السؤال الصعب وهو من سيحكم دولة الجنوب القادمة حال الانفصال؟.. صراع القبائل والقادة كان الاعتقاد هو أن صعود الحركة الشعبية لحكم الجنوب عبر اتفاقية السلام الشامل سيقلل من النزاع القبلي والصراع المسلح، ولكن لم يحدث هذا بل ما جرى عكس ذلك. وقد كثر الحديث حول استخدام الحركة للمليشيات القبلية والتي تتبع لقادة في الجيش الشعبي أو الحركة في تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، وقد جاءت الاتهامات عن تصفية القبائل الصغرى لمصلحة قبيلة الدينكا كبرى قبائل الجنوب والتي ينحدر منها أغلب قادة الجيش الشعبي. ومن المعلوم أن الجنوب ينقسم إلى عشر ولايات أو ثلاثة أقاليم كبيرة تتباين فيها التركيبة السكانية في الأقاليم الثلاثة، وفي هذه الأقاليم نجد أن هناك ثلاثة ربما يكونون مرشحون لحكم دولة الجنوب القادمة، منهم الفريق سلفاكير ميارديت وذلك بحسب رؤية قبيلته الدينكا، أما النوير فيرون أن رياك مشار ومن خلفه القبيلة هم المؤهلون لحكم الجنوب، في حين تتحدث الأوساط عن أن الولاياتالمتحدة ترى أن باقان أموم هو المؤهل لذلك المنصب. ومع بروز هذه الترشيحات فإن عرش رئيس الحركة الشعبية وخليفة مؤسسها جون قرنق بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى. والناظر إلى تركيبة إقليمالجنوب يستطيع أن يتعرف على قبائله وأوزانهم بجانب المجموعات المسلحة فيه. منطق النوير الجنوب يتكون من ثلاثة أقاليم كبرى تتباين فيها التركيبة السكانية، فنجد قبيلة النوير تشكل أكبر المجموعات القبلية في أعالي النيل، لذلك ترى القبيلة أن رياك مشار هو المؤهل الأول لحكم الجنوب، وأنهم أحق بالجنوب من غيرهم سيما أنهم يمثلون المجموعة السكانية الكبرى في أعالي النيل ولا يوجدون خارجها إلا في حالات نادرة، وأيضاً يرون أنهم أكثر من تضرر من التمرد الأول ضرراً باليغاً، وأنهم عندما رفضوا الدخول في التمرد الثاني مع الدينكا تمت محاربتهم، لذلك يرون أنه قد آن الأوان ليرتاحوا ويتخلصوا من سيطرة الدينكا الذين ينظرون إليهم على أساس أنهم أقلية. لكن نجد أن النوير يميلون إلى التسليح فتركيبتهم القبلية في المقام الأول عسكرية وتوسعية وان أراضيهم أكثر اتساعا، إلى جانب أن البترول يقع في الأراضي التابعة لهم، وقد لا يرضى النوير أن يكونوا تحت سلطة الدينكا حيث سجل التاريخ لهم صراعاً حاداً مع الدينكا وذلك عندما قاد فاولينو ماتيب حرباً ضد القبائل النيلية خاصة قبيلة الدينكا في شمال بحر الغزال وأخلى مناطق كثيرة عن طريق إتباع سياسية الأرض المحروقة وأزاح الدينكا منها وفي ظل هذه القوى التي يتمتع بها النوير يصعب القول أنهم من الممكن أن يخضعوا لسيطرة الدينكا، فالنوير في الجنوب قوى لا يستهان بها ويتطلعون إلى حكم الجنوب . ومن جانب أخر فإن البترول هو المحرك الأساسي الذي دفع الحركة الشعبية إلى الانفصال وهذا البترول نجده في أرض النوير وعندما سيصبح الصراع بين قادة الحركة وجيشها الذين معظمهم من الدينكا وبين النوير في أحقية تمتعهم بالبترول، سينتج عن ذلك صراع سياسي وقبلي عسكري هذا بجانب التدخل الخارجي الذي ستشهده المنطقة فقد تنظر الدول الغربية حسب أطماعها إلى إطفاء نيران التفكك عن طريق إرضاء النوير وتمكينهم من حكم الجنوب في سبيل تحقيق أطماعها في البترول وهذا بالطبع لن يرضي الدينكا. سلفاكير لماذا ؟! القبائل التي كان لها دورها في التمرد ترسم بعضاً من ملامح النزاع حول الأحقية بحكم الجنوب، لذلك فإن قبيلة الدينكا لا تفسح المجال لأي من القبائل الأخرى لمنافستها في حكم الجنوب، حيث أنها تعتبر نفسها أول من قدم السند للتمرد والحركة الشعبية منذ أنانيا (1) وأنانيا (2)، الأمر الذي مكنهم من التعليم والتطور أكثر من القبائل الجنوبية الأخرى وجعلهم يسيطرون على الحركة الشعبية والجيش الشعبي بدرجة كبيرة بل أن الدينكا صاروا يسيطرون على الحركة وخطوط الإمداد والحدود مع كينيا ويوغندا فحتى قادة الكتائب والألوية والقادة السياسيين للحركة الشعبية نجدهم من الدينكا وحتى التعداد الأخير للجنوب أثبت أن الدينكا هم أكبر قبائل الجنوب لكن المراقبون يرون أنه إذا حكم الجنوب سلفاكير والدينكا فإن عاقبة ذلك على الجنوب ستكون التفتت والشتات بجانب الصراعات القبلية إذ أنه منذ توقيع اتفاق نيفاشا 2005م فإن الحركة الشعبية درجت على حكم الجنوب عبر المليشيات وقوات الجيش الشعبي والتي تصادر حقوق وحريات الأحزاب والمواطنين من خلال القبضة العسكرية وقد تولدت نتيجة عن ذلك الحكم العسكري ذا الزراع الضاربة مجموعات عسكرية أثارت الرعب في الجنوب بجانب المجموعات المستقلة عن الجيش الشعبي وقد كثرت المليشيات المتمردة طيلة الفترة الانتقالية في جنوب السودان الأمر الذي اضطر معظم المجموعات إلى تكوين قوات خاصة تمكنها من حماية نفسها في ظل التفلتات الأمنية التي سادت المنطقة، وفي عهد سلفاكير حدث أكبر تمرد في الجنوب الذي صار مهدداً لبقاء الحركة الشعبية في عهد السلطة حال الانفصال وهو تمرد جورج أطور الذي هز كل أركان الحركة وجعلها من حين إلى آخر تحاول أن تتفق معهم بالحسنى والمفاوضات عندما عجزت عن اعتقالهم وتصفيتهم الأمر الذي جعل الولاياتالمتحدة تنظر إلى الوضع في الجنوب بعد الانفصال بصورة مختلفة عما كانت ترغب فيه. الوضع داخل الحركة الشعبية الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن النزاع بين قبائل الجنوب على قيادات الحركة الشعبية ألقى بظلال سالبة على مجمل مراحل تطور الحركة وحتى بعد أن وصلت إلى سدة الحكم لإقليمالجنوب وقد وصل الأمر إلى حرب التهديد والتصفيات وقد دار حديث عن مراحل التهديد طالت الفريق فاولينو ماتيب نائب قائد الجيش الشعبي وقد تحدث البعض على أن هذا التهديد منذ وجود جون قرنق والناظر إلى الوضع في جنوب السودان الآن يجد أن أغلب قادة الحركة الشعبية يحتفظون بقوات خاصة ومليشيات قبيلة تتحرك معهم بل إن الأمر الأبعد من ذلك هو الحديث الذي دار حول استلام الأموال عن طريق أخذ قادة المليشيا أو المجموعة لتلك الرواتب وتوزيعها على القوات لذلك تنشأ الخلافات بين الأفراد والقادة لأن القادة دوماً يأخذون النصيب الأكبر. باقان والأمريكان يرى الشلك أن لهم النصيب الأكبر من حكم جنوب السودان وذلك لأنهم يعولون على وجود الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم حيث يعتبر أول من صرح بالانفصال وسعى سعياً دؤوباً في سبيل تحقيق ما يهدف إليه ولم يزل ينادي بميوله الانفصالية إلى أن تبعه الآخرون من الجنوبيون حتى كاد أمر الانفصال أن يصبح واقعاً. من جانب آخر فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية المحرك الخفي لرموت انفصال الجنوب فقد اتضح في الآونة الأخيرة أنها تعول على باقان أموم كثيراً وقد سبق أن استقبلته أمريكا باهتمام كبير اتضح من خلاله أنها تعد العدة له كرجل دولة أول وقد سبق أن طلب باقان من الولاياتالمتحدة ازدياد العقوبات على السودان وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن لباقان أموم أذن صاغية لدى أمريكا و لا زال التفاهمبين أمريكا وباقان يوحي بأنها تدخره لقيادة جنوب السودان وتحقيق مصالح أمريكية فالولاياتالمتحدة تسعى جاهدة لتنصيب باقان على عرش دولة الجنوب رضي سلفاكير أم ،أبى، فهي لم تتعامل معه كأمين عام بل تعطيه جل اهتمامها وتتعامل معه بأكبر من ثقله السياسي الحالي، فهي تنظر إليه بأنه رجل متوازن ويمكن أن يحقق لها مصالحها ويقود الجنوب بصورة أفضل من سلفاكير ورياك مشار وغيرهم من قيادات الجيش الشعبي سيما أن قبيلة الشلك ترى أن الدينكا تسيطر عليها وعلى القبائل الجنوبية الأخرى، وأيضاً فإن الولاياتالمتحدة تضع في بالها أن باقان أموم من كبرى قبائل الشلك وأبن قائد من قيادات القبلية لذلك فإن لديه كلمة مسموعة عند الشلك، وأيضاً فإن أمريكا تعول على باقان لحكم الجنوب لعلمه بالشمال حيث درس في ولايات الشمال ، فقد درس في كوستى ومن ثم بورتسودان الثانوية والجامعة في الخرطوم أي أن لديه معرفة تامة بالشمال وتركيباته وبذلك يمكنها الاستفادة منه أكثر من سلفاكير الذي لم يجبره منصب النائب الأول لزيارة الولايات الشمالية ويطلق البعض على باقان أموم بأنه جون قرنق آخر للحركة الشعبية حيث سار في بداية الأمر على نهجه في محاولة تحويل السودان إلى سودان جديد بفكر مؤسس الحركة جون قرنق لكن هذا لم يستطع فعله لذلك نجده أول من انتهج نهج الانفصال وسار في هذا الدرب ويرى المراقبون أن باقان أموم يرى في نفسه قائداً ومؤهل لحكم الجنوب ويمكنه في سبيل ذلك أن ينافس سلفاكير ومشار وغيرهم من قادة الحركة الشعبية. الدينكا وأسباب النزاع القبلي السياسي بعد أن أثلجت الحركة الشعبية قلوب أبناء الجنوب بتحقيق عملية السلام الشامل وتوقيع الاتفاقية بدأت الأحداث بين القبائل وتدخل الجيش الشعبي فيها الأمر الذي زاد من حدة الصراعات الدموية بجانب استخبارات الحركة الشعبية ومن هذه الصراعات صراع اللو والنوير والدينكا والمنداري والدينكا والتبوسا ودينكا اقوك ودينكا افوق ودينكا بور والمورلي ولم تكن أحداث فنجاك وربكونا والمورلي بعيدة ومن هنا نجد أن الدينكا طرف أساسي في جل هذه الصراعات وأيضاً تدخل الجيش الشعبي لمصلحة الدينكا في أغلب الأحوال وبهذا ساعدت الدينكا من نقل الصراع القبلي إلى سياسي ومع كل هذا النزاع والصراع والعمل المسلح يأتي دخول أطراف مثل جيش الرب وتواتر أنباء عن انضمام أطراف من المواطنين إليه عمل ينذر دولة الجنوب القادمة بالكارثة إذ تركت الحركة الشعبية حكم الجنوب والسيطرة عليه لاستخبارات الحركة والجيش الشعبي وظلت الاستخبارات والجيش الشعبي يسيطران على حكم الجنوب عن طريق الإرهاب وممارسة العمل العسكري ضد المواطن والقوى السياسية في الجنوب إذ أصبح الوضع الآن أشبه بالتفلتات الأمنية بجانب التردي الأمني بسبب الكبت الذي يواجهه المواطن الجنوبي والسياسي في الجنوب عن طريق المجموعات العسكرية والقبيلة المسلحة و يرى المراقبون إنه في حال الانفصال فإن بؤراً من الصراع سوف تتفجر داخل الجنوب وذلك وفقا للتركيبة السكانية لجنوب السودان حيث أنها تتمثل في ثلاث مجموعات سكانية فهي المجموعات السكانية النيلية والنيلية الحامية والمجموعات السودانية، فنجد أن المجموعات النيلية والتي على رأسها الدينكا وفيها عدد من الفروع الذي يطمعون في تسلم مقاليد الحكم في الجنوب لكن اختلاف فروع الدينكا وتفضيل بعضهم على بعض يجعل من الصعب الاتفاق حول قبيلة الدينكا فإنهم ينقسمون إلى دينكا (اتوت، بور، وتيق، عالياب، وتويق، واقار، ملوال، قوك، نقوك وأكبرهم عددا هم دينكا ملوال، ويتمركزون في بحر الغزال وحول مجرى النيل وجنوب كردفان وهذه الفروع لا تتفق فيما بينهما فضلاً عن اتفاقها مع القبائل الأخرى وتنقسم القبائل النيلية الحامية إلى المنداري، التبوسا والباري والتوكاتا وأيضاً لكل من هذه القبائل عاداتها وتقاليدها التي يصعب السيطرة عليها ومن الصعب أن تحكمها قبيلة واحدة ولن ترضى القبائل الأخرى حكم تلك القبيلة. أما القبائل السودانية فنجدها تتكون من البون جو والقريش الزاندي والموز والمادي وفي ظل هذه القبائل المتنوعة في الفكر والثقافة والديانة والسياسية والتسليح نجد أنه من الصعب أن يكون هنالك اتفاق على قبيلة واحدة ورجل واحد لحكم الجنوب، فالجنوب بتركيبته التي أسلفنا ذكرها لم يستطع أن يستظل تحت حكم موحد لقبيلة واحدة ورجل واحد ويحذر المراقبون من استمرار الوضع المتفلت في الجنوب الذي من الممكن أن يقود إلى نمو شبه دولة وليست دولة بالمعنى الإستراتيجي والعسكري والسياسي.