على عادتها في كل عام، أصدرت الإدارة الأمريكية قبل أيام تقريراً عن الحريات الدينية في العالم . لم تدع وزارة الخارجية مكاناً في العالم إلا وتناولته بالنقد أو المديح على سماحه أو منعه حريات العبادة أو المعتقد . اللافت أنه للمرة الأولى تخصّ الإدارة حليفتها أوروبا بالنقد في ما يخص الحريات، ولا سيما بعد تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا" في العديد من الدول الأوروبية . ظاهرة لا شك في أنها تستحق النقد والتوقف طويلاً عندها، وخصوصاً لما تحمله من دلالات عن تحولات حادثة في المجتمعات الغربية عموماً، والأوروبية على وجه الخصوص، التي كانت إلى الأمس القريب تتغنى بقدرتها على المزج بين الحضارات . لكن إذا كانت الظاهرة تستحق النقد، فيجب ألا يتوقف الأمر عند هذه الحدود من دون الدخول في المسببات والخلفيات التي أوصلت المجتمعات الأوروبية، أو دفعت بها للوصول إلى هذه المرحلة . مسببات وخلفيات لم يتطرق لها التقرير الأمريكي، الذي اكتفى بتعداد الخروق التي تواجه حرية الأديان والمعتقدات في العديد من الدول الأوروبية . لكن ماذا عن الولاياتالمتحدة، اليست هي أيضاً من خارقي حريات الأديان؟ أليست “الإسلاموفوبيا" منتشرة في أرجاء الولايات منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول وإلى يومنا هذا؟ الإجابة من المؤكد ستكون “نعم"، لكن من ينتقد هذه الدولة التي تصنّف نفسها وصيّة على العالم . من يعدد للولايات المتحدة الحالات التي عمدت فيها إلى كبت حرية المعتقد، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي؟ هل التغني بوجود مصلى في البنتاغون هو المعيار لاحترام الأديان الأخرى؟ ماذا عن السجال الذي لم يحسم بعد حول بناء مركز إسلامي قرب موقع هجمات سبتمبر في نيويورك؟ ماذا عن محاولات إحراق المصحف التي لم تتحرك حيالها الإدارة الأمريكية إلا بمنطق الصفقات؟ وفي حال تم تناسي كل ذلك على اعتبار أن هذه الأمور نابعة من مبادرات فردية لا تمت إلى السياسة العامة بصلة، ماذا عن تقارير المنظمات الحقوقية التي تتحدث عن المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في الولاياتالمتحدة، ومن قبل هيئات الأمن لمجرد أنهم مسلمون؟ مثل هذه الحالات كثيرة، والتقارير زاخرة بالقصص لأناس ذاقوا مرارة الشبهات . قصص لم تأخذ حقها من الفحص والتمحيص من الإدارة المعنية بملاحقة انتهاك حريات الأديان في الخارج . إدارة معنية بتوجيه الانتقادات للدول الأخرى، بينما اليمين المتطرف يزداد نفوذاً في الداخل بفعل سياسات عنصرية قائمة على كراهية الآخر، سواء لدينه أو لون بشرته . المصدر: الخليج 21/11/2010