أوردت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية - الأحد الماضي- خبراً عن تقرير أمريكي قالت ان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعطي بموجبه الضوء الأخضر للرئيس السوداني لحل أزمة دارفور مقابل التزام الحكومة السودانية بإتمام الاستفتاء الخاص بجنوب السودان و الالتزام بنتيجته. و بحسب التقرير فان السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي ساق هذا المعني لدي زيارته الأخيرة للخرطوم ، حيث أشار إلى أن واشنطن تفصل ما بين مشكلة دارفور و مشكلة الجنوب. و يشير التقرير ايضاً الى أن واشنطن تعتقد ان الحكومات المتعاقبة فى السودان تمارس تهميشاً ضد المناطق الطرفية البعيدة ، وان حكومة البشير – على وجه الخصوص – أثرت من خلال النفط و الحروب ! و تنبأ التقرير باستمرار الحروب فى السودان . ولعل من الملاحظ فى هذا الصدد ان التقرير أفصح عن جانب يمكن وصفه بأنه مظلم من مظالم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان ذلك أن القول بأن واشنطن (تغض النظر) عن حل أزمة دارفور مقابل تمرير الخرطوم لاستفتاء جنوب السودان و القبول بالنتيجة المستخلصة منه كيفما تكن ، يعني ببساطة شديدة عدد من المؤشرات السالبة ، أولها أن واشنطن أسهمت على نحو أو آخر فى صناعة و مفاقمة أزمات السودان و هى الان تسعي لتخفيف ازمة دارفور و التقليل من إشعال نيرانها الى حين الفراغ من إنهاء استفتاء الجنوب السوداني و القبول بنتيجته كيفما أتفق! وهو أمر يعني مقايضة حل أزمة دارفور بالسماح بانفصال الجنوب و يعني ايضاً أن المقايضة هنا(مؤقتة) بحيث يتم ضمان الفراغ من الاستفتاء و ظهور النتيجة و قبول الخرطوم بها و من ثم يعاد الإمساك بخناق دارفور لاحقاً من جديد. ثانيها، ان واشنطن انما تريد انفصالاً لجنوب السودان ليس من المهم ان يأتي ضمن المعايير المقبولة ، بعبارة أدق فان واشنطن تعرض انفصال الجنوب فى مقابل حل أزمة دارفور بصرف النظر عن نزاهة و حرية عملية الاستفتاء ، الأمر الذى يتعارض كل التعارض مع اتفاقية السلام بكافة بنودها. ثالثها، ان واشنطن لا تزال تتعامل مع السودان بعقلية الصفقات فى الوقت الذى لا تجدي فيه هذه الصفقات مع أزمات السودان بأي حال من الأحوال لأن هذه الأزمات فى حاجة الي حلول و ليس مقايضات. رابعها أن الخرطوم تدرك من الأساس أن أزمة دارفور – عملياً – لم تعد موجودة فى ظل إستراتيجية دارفور التى أقرّتها ، وفى ظل سيطرتها على الأوضاع فى دارفور ، رغم الخروقات التى تقع من حين لآخر ، وهذا يعني ان واشنطن تقايض الجنوب السوداني بلا شئ ! وأخيراً ، فان من الغريب حقاً ان تجري واشنطن مقايضة سياسية كهذه شبيهة بمن يشتري بضاعتك بلا ثمن ويبيعها لك بذات اللا ثمن !