تحليل سياسي بالطبع من حق أي ناشط سياسي فى السودان – بالنظر إلى المناخ الديمقراطي الحر السائد فى هذا ا لبلد – توجيه النقد و اتخاذ المواقف التى يراها متسقة مع فكره و تطلعاته ، هذه من الأمور البديهية التى لا يختلف حولها اثنان ، غير أنّ الأمر – فى هذه الحالة – يستدعي و يستلزم ان تكون مواقف هؤلاء الناشطين منطقية و تتحري الدقة و الأمانة و لا تجنح الى المبالغة التى فى العادة لا تصمد طويلاً أمام حقائق الواقع . الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي الذى يتزعمه والدها السيد الصادق المهدي نشطت فى الآونة الأخيرة فى تداعيات ما بات يعرف بفتاة الفيديو ، وشاركت – بحسب الأنباء فى التظاهرة – غير المصرح بها – التي جرت مؤخراً و التى لجأت السلطات السودانية لتفريقها . نحن هنا لسنا بصدد انتقاد موقف د. مريم – كقيادية فى حزب ذي مرجعية إسلامية معروفة – و لكننا بصدد التأمل فى إحصائية قالت الدكتور مريم إنها إحصائية خاصة بحزب الأمة تشير الى ان40 ألف امرأة تعرضن للجلد خلال عام واحد ، بواسطة محاكم النظام العام و المحاكم الجنائية ، واعتبرت الدكتور مريم ان عقوبة الجلد مذِلة و مهينة للمرأة! و ليس هناك أدني شك أولاً أنه و على فرض صحة الإحصائية التى أوردتها د. مريم أنها لم تقل إن الأحكام التى صدرت بحق هؤلاء الفتيات كانت جائرة أو غير مبنية على أدلة أقنعت المحكمة بصحة الجرائم التى ارتكبتها المجلودات، إذ ان الإحصائية فقط بحثت عن الأرقام ، وبالطبع الأرقام لا تقرأ معزولة عن الوقائع ، حيث يستحيل أن أقول إن هذا العدد الذى تم جلده وفاءاً لأحكام قضائية إنما تم جلده ظلماً لغرض الجلد فقط ! وعلى ذلك فان أول نقطة تؤخذ على د. مريم هو إخفاؤها أسباب الحكم مع أنها مهمة للغاية . الأمر الثاني لم تقل الدكتور مريم ان عقوبة الجلد مصادِمة للشريعة الإسلامية ، ولم تستطع تبرير العقوبة المقررة لشرب الخمر و القذف و الزنا ، وهى الجلد ، وما إذا كان المشرِّع الرباني (مخطئ) فى إقرار هذه العقوبة ، بل لم تقل دكتورة مريم ما إذا كانت النسوة المجلودات قد تمت إدانتهن فى جرائم الحدود المنصوص علي الجلد فيها وفقاً لأحكام الشريعة، الأمر الذى يجعل من إشارتها هذه بمثابة تضليل للرأي العام خاصة و أنها قصدت من وراء إيراد هذه الإحصائية فى صحيفة الشرق الأوسط إيصال الرسالة الى الخارج ! الأمر الثالث فان الدكتورة مريم لم ترجع بالذاكرة الى الوراء فى الفترة من ابريل 1986 حتى يونيو 1989 ، حيث حكم حزب الأمة السودان و كان صاحب أغلبية ، وكانت أحكام قوانين 1983 هى السائد ة حينها ، هل توقفت عقوبة الجلد فى ذلك الحين ؟ ولماذا لم تقرر حكومة السيد الصادق المهدي فى ذلك الحين وقف عقوبة الجلد الواردة فى القانون ، ولم توضح لنا كم من النساء جلدن وقتها ؟ و أخيراً فان المنطق كان يقتضي ان ترفق مع الإحصائية دراسة أمينة حول أسباب تفشي الجرائم الموجبة لجلد النساء ، وهل هذه الأحكام تصدر فقط عشوائياً أم أنها مبنية على القدر الكبير من الانحراف الذى ارتكبته الفتيات المدانات، فالدكتورة مريم مطالبة – طالما تصدت للأمر – بإيراد دراسة وافية عن بني جنسها ، وماذا دهاهن حتى يمكن على ضوء ذلك أن تسهم فى التقليل من وقوعهن فى الجرائم لتفادي الجلد !