أيام قلائل ويدخل السودان في لحظة حاسمة بالاستفتاء على بقاء أو انفصال جنوبه في 9 يناير، تنفيذا لبنود اتفاق السلام بين الطرفين الشمالي والجنوبي. وفيما بدأ الجنوبيون بتحضير أنفسهم للاحتفال بانفصالهم عن الشمال، فإن شعور الغصة لا بد أن يبرز للسطح في مرحلة ما من المراحل، أما الشماليون فيبدو أن نوازع الانفصال ظهرت عليهم في الأيام الماضية والتخبطات الكبيرة في التصريحات من قبل الحكومة السودانية. تبادل الاتهامات بين الطرفين بالتقصير في العمل على دفع الوحدة هو سيد الموقف، ولكن هذا لا ينفي أن الطرفين كانا مخطئين في جهودهما وتوجهاتهما، فالجنوبيون جعلوا من الانفصال غاية لا وسيلة، ومن ثم فهم حتى اليوم لا يملكون مشروعاً حقيقياً معلناً لدولة أو حتى قيادات قادرة على البناء، ولعل التركيبة القبلية في جنوب السودان ستجعل من الصعب أن تستقر الأوضاع فيه وأنهم لم ولن يتحدوا إلا في حالة وحيدة فقط وهي الحرب ضد الشمال، فهل سيعود الجنوبيون لنقطة الصفر، وتلك العقود من الدماء المسفوكة على صفحات تاريخ السودان. الشماليون من جهة أخرى تخبطوا كثيراً في سياساتهم واستراتيجياتهم وفقدوا الكثير من الفرص التي كان من الممكن أن تشكل مدخلاً لمعالجة الأوضاع، مما جعل محللين يذهبون إلى أن الشماليين لم يتعاملوا مع الوحدة كغاية بل كوسيلة لتحقيق مكاسب وقتية، ودون استراتيجية شاملة وواضحة لهم، فتخبط القرار السوداني تارة بين الترغيب وتارة بين التهديد والوعيد على هامش تطورات صغيرة. الرئيس البشير خطب في حشد من شعبه قبل أيام موضحا بلغة حاسمة أنه "مع أي قرار يفرزه الاستفتاء، فإن أراد الجنوبيون الانفصال قلنا لهم أهلا، وإن أرادوا الوحدة فكذلك أهلاً"، لذا فإن التهديد من قبل بعض المحسوبين على حكومة السودان الحالية بوقف الاستفتاء بسبب مشكلة أبيي لا يمثل أكثر من منازعة أخيرة ضد الانفصال، ولكن الانفصال سيحدث نتيجة السياسة المتبعة منذ توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين، ومنطقة أبيي وجنوب كردفان وغيرهما من ملفات الاختلاف يمكن حلها بضغط قوي وحقيقي من المجتمع الدولي. إن الأزمة الحقيقية في السودان هي غياب مشروع الدولة المستقبلية لدى الطرفين وما المنازعات التي يقوم بها كل منهما إلا تنفيس عن غياب هذا المشروع، ومحاولة للالتفاف عليه أمام الجميع. المصدر: الوطن السعودية 3/1/2011