رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات السودانية التشادية.. مواسم من القطيعة والتوتر


بقلم صلاح الدين عبد الحفيظ مالك
قد يظن البعض ان التوتر السوداني- التشادي هو وليد سنوات قريبة تبدأ من تاريخ 17 سبتمبر 1977م وهو تاريخ نجاح الرئيس الأسبق جعفر نميري في جمع الفرقاء المتقاتلين لتوقيع اتفاق مصالحة لم يدم كثيرا.
وبالرغم من جدية الحكومة السودانية آنذاك لرأب الصدع بين الرئيس السابق الجنرال "فيليكس معلوم" وزعيم المسلمين حسين هبري، إلا أن الأيادي الخفية الخارجية وتحديدا فرنسا وليبيا كانت هي المحرك الاساسي للتوترات التي ما انفكت تهدد الدول المجاورة.
ومعلوم ان الفترة الممتدة ما بين العام 1964م وحتى العام 1979م هي فترة استقواء كل طرف من اطراف النزاع التشادي- التشادي بجهة خارجية، يظهر ذلك في فترة حكم الرئيس "تمبلباي" الذي كان كثيرا ما يجد نفسه في أتون مصالح سياسية مع عدد من اصدقاء الأمس وأعداء اليوم، والعكس. ويجدر ذكره أن تمبلباي بنفسه كان سببا في توتر سياسي بين البلدين في ستينيات القرن الماضي الشئ الذي خلدته ذاكرة الأدب الشعبي في المونولوج الشهير الذي أعده وقام بادائه المونولوجست الشهير "بلبل" "تمبلباي عمل حركات بي جاي.. بي جاي وقعتو سوده"
بداية التأثر بالتوترات التشادية
تميزت فترة حكم تمبلباي باستقرار نسبي مع السودان بفضل عدم إلتفات الدولتين الاكثر تأثيرا على مجريات الصراع للوضع في التشادي وبالطبع هما فرنسا وليبيا.
بالنسبة لفرنسا فلم تكن في حاجة لتدعيم موقفها داخل الاراضي التشادية لعدم وجود منافس استعماري حينها على الامساك بخيوط اللعبة السياسية، أما ليبيا فقد كان حكم الملكيين يعاني من هزات عنيفة بسبب الحملة الثورة التي قادتها طلائع الشباب الثورية التي ارتبطت بأفكار عبد الناصر ودعمه اللامحدود لهم تنظيرا وتنظيما وايواء.
العلاقات الشعبية وبعثة الطلاب الأولى
يعتبر الحدث الأهم في تاريخ العلاقات السودانية التشادية خلال فترة الستينيات هو التقارب غير المرئي داخل منظومة العمل السياسي وهو تقارب على صعيد العلاقات الشعبية بين البلدين ويعتبر هو المصب الأوحد في اطار تحسين العلاقات بين البلدين في فترة الستينيات وهو وصول حوالي 145 طالبا لتلقي العلم بالمعاهد الفنية العليا بالسودان وتمت الخطوة عن طريق رئيس الوزراء بنفسه الاستاذ الراحل سر الختم الخليفة.
كان للتعاون المثمر الثقافي والأكاديمي في تلك الفترة الباعث الاساسي لحالة الهدوء التي شهدتها العلاقات بين البلدين فيما بعد.
النجاح السوداني في رأب الصدع التشادي
استمرت الأوضاع على ما هي عليه حتى أتى العام 1977م وفيه كما أشرنا تمكن الرئيس الاسبق جعفر نميري من جمع الفرقاء لتوقيع اتفاق السلام بين فيلكس معلوم وزعيم المسلمين حسين هبري.
اتسمت الفترة من سبتمبر 1977م وحتى يوليو 1979م بتوترات حدودية كان السبب الرئيسي فيها انطلاق عدد من الفصائل التشادية المقاتلة من داخل الأراضي السودانية على الحدود التشادية.. بالرغم من المعاناة بالغة التعقيد التي واجهتها الحكومة السودانية والأهالي الذين على الحدود إلا ان سياسة ضبط النفس كانت ديدن الحكومة السودانية والدبلوماسية كذلك، حتى اتى تاريخ 11 اغسطس 1979م والذي فيه توجت جهود السودان الدبلوماسية بتوقيع أحد عشر فصيلا تشاديا اتفاق مصالحة سياسية وعسكرية بين كل هذه الفصائل بالعاصمة الاثيوبية اديس أبابا وفيه تم الاتفاق على تنصيب جوكوني عديدي رئيسا للدولة وحسين هبري وزيرا للدفاع.. وبدلا من استقرار الأوضاع السياسية والعسكرية بتشاد والحدود التي تجمعها بالسودان فقد كان لوجود السلاح في أيدي المقاتلين السبب في عدد من التوترات التي خلفت عددا من القتلى بالحدود وبالتالي هرب المواطنون السودانيون من جحيم المعارك الدائرة في تلك المناطق..
وبالتالي تسبب كل هذا في ايقاف العمل بعدد من مشاريع التنمية التي كان من المزمع انشاؤها بتلك المناطق وأهمها الطريق البري الذي يربط نيالا- بكاس –زالنجي.
لم يكن في امكان الدولتين صاحبتي المصلحة في ايجاد مواطئ اقدام لهما بتشاد من الوقوف على الرصيف كمتفرجين وبدأ فصل آخر من فصول العلاقات السودانية التشادية.
الاستنجاد بالسودان مرة ثانية
في ديسمبر من العام 1981م شهدت تشاد قتالا عنيفا بين عدد من الفصائل المسلحة كان أهمها فصيل حسين هبري المدعوم بقوة من عدد من الدول التي ترى في جوكوني عديدي أداة أجنبية لتحقيق مصالح استعمارية.. ولم يكن أمام جوكوني عديدي غير الاستنجاد بالخرطوم مرة أخرى فكان ان وصلها في يناير 1982م ولم يصل لمبتغاه من وجود دعم سياسي وعسكري بل كان الوعد بأن يتم جمع الفرقاء في أقرب وقت لحسم الخلافات وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد تدخل فرنسا القوي والمكشوف للإمساك بخيوط اللعبة السياسية في تشاد.
وبعد كل التوترات والاضطرابات التي أوجدتها حالة عدم الإستقرار السياسي والعسكري في تشاد كان نظام جوكوني يترنح بفعل الدعم العسكري المكثف لغريمه حسين هبري الذي انتقل من نصر الى آخر حتى كللت مساعي استيلائه على السلطة بنجاح كان بمثابة تهديد واضح لعدد من الدول التي دعمت غريمه السابق.
إنهيار نظام نميري ورؤية الحكومة الانتقالية
بانهيار نظام جعفر نميري في السودان ووصول الحكومة المختلطة العسكر والمدنيين "الحكومة الانتقالية" وجدت ضمن ما وجدت من التركات المثقلة المسألة التشادية "التي كانت من الصعوبة بمكان التعامل معها وفق رؤية النظام السابق" كما أورد سوار الذهب في تصريحاته لمجلة "المجلة" السعودية مايو 1985م أو هي "بالامكان التوصل فيها لحل يجعل السودان محتفظا بعلاقاته السياسية دون تدخل يضر بالسودان". اللواء عثمان عبدالله وزير الدفاع..
أتت الرياح على الحكومة الانتقالية بما لا تشتهي سفنها الساعية للخروج من تلك التركة المخيفة والتحالفات منذ عهد جعفر نميري ويعتبر حادث الطينة 24 يوليو 1985 هو الحادث الذي جعل الحكومة الانتقالية تلزم سياسة ضبط النفس حياله والعمل على ايجاد حل ايا كان للجماعات المسلحة التي تستخدم الأراضي السودانية نقطة انطلاق لعملياتها.
تعتبر فترة الحكم الانتقالي هي الأولى التي تتواجد فيها حشود عسكرية في الجانب السوداني لحماية الأراضي السودانية وبالتالي ايقاف انطلاق المسلحين التشاديين من داخل الأراضي السودانية وبالتالي حماية المدنيين.
أحدث الوجود العسكري السوداني نتيجتين حتميتين وللأسف لم تستفد الحكومة الديمقراطية في عهد الصادق المهدي منهما مما ادى لاحقا لمزيد من التوترات في تلك الجهة.
1/ الكشف عن أمر تدفق السلاح لداخل الاراضي السودانية لسهولة الحركة بين قبائل التماس القاطنة بتلك الجهة وكان أن عملت الجهات الأمنية ما في وسعها لايقاف تدفق السلاح الذي انتشر في أيادي السكان.
2/ العثور على عصابات اجرامية كانت تقوم بعمليات النهب والإغتصاب وحرق مساكن الأهالي.. الشئ الذي نفته تشاد بان المقبوض عليهم ليسوا مواطنين تشاديين.
تكشف الحكومة أمر التوتر والذي نحسب انه أمرا كان غير بعيد عن مصادر معلوماتها الأمنية وبدأ فصل آخر من العلاقات السودانية التشادية.
العلاقات في عهد الديمقراطية 1986- 1989م
وهي الفترة التي شهدت ضبابية في التعامل السياسي والدبلوماسي بين البلدين فكان الإنتقال لسياسة شعرة معاوية التي أضرت أيما ضرر بالأوضاع الامنية بغرب البلاد.
يوافق تاريخ وصول الصادق المهدي لسدة الحكم في البلاد تاريخ انتشار الرعب في اقليم دارفور لتدفق السلاح وزيادة عدد اللاجئين التشاديين بعدد من المدن الحدودية اضافة للوضع البيئي المتردي في تلك المنطقة التي تعتمد على حرفتي الرعي والزراعة وهما الحرفتان اللتان كانتا في حالة اجازة طويلة بسبب الجفاف والتصحر الذي عم اقليمي دارفور وكردفان.
وظلت قضية تمثيل تشاد داخل منظمة الوحدة الأفريقية هي المشكلة التي لم تحل طوال فترة الثمانينيات ولا أدل على هذا انها أكبر مشكلة واجهت المنظمة الأفريقية منذ انشائها في العام 1963م وحتى الآن، وذلك في يونيو 1983م، حيث برزت على السطح مشكلة تمثيل تشاد التي كانت يومها منقسمة الى حكومتين الأولى بانجمينا ويترأسها حسين هبري الذي انتصر على جوكوني عديدي في يونيو 1982م وقام على الفور بتشكيل حكومته التي كانت تسيطر على حوالي 87% من جملة الأراضي التشادية.
وكان أن أعلن في طرابلس الليبية عن تكوين حكومة تشادية في المهجر برئاسة جوكوني عديدي.. وفي تلك الفترة بذلت منظمة الوحدة الأفريقية من الجهود ما فاق خمس رحلات ما بين طرابلس الليبية "حكومة منفي جوكوني عديدي" وانجمينا حيث الحكومة التشادية المسيطرة على الحكم "حسين هبري" واديس ابابا "مقر منظمة الوحدة الأفريقية".. وفي تلك الفترة كانت علاقة الخرطوم بانجمينا اشبه بعلاقة "القطط المستأنسة بالكلاب الضآلة" وهو تعبير خاص بهنري كيسنجر حين سئل عن ابعاد الصراع السوداني- التشادي في تلك الفترة والدور الأمريكي داخله. "الحوار التاريخي مع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق –مجلة المجلة السعودية-" حيث كان يعمل في تلك الفترة كخبير سياسي في عدد من المؤسسات الأكاديمية، وكان الحوار على هامش التوترات الحدودية بين السودان وتشاد إبان أزمة التمثيل الحكومي في مؤتمر القمة الأفريقية المنعقد بأديس ابابا يونيو 1983م.
تم المؤتمر وسط اجواء مشحونة بالتوتر من جراء موافقة بعض الدول بعينها على وجود الرئيس المقيم بتشاد على تمثيل بلاده في ذات المؤتمر واعتراض بعض الدول وبالطبع كانت ليبيا في مقدمة الدول التي أبدت امتعاضها دون ابداء موقف صريح مكتوب كان أم شفهي.
وفي نفس العام ضبطت السلطات الأمنية بدارفور عن طريق المصادفة البحتة شاحنة "لوري" محمل بالأسلحة في طريقه لجماعات "القلاقل الأمنية" على حد وصف مدير عام جهاز أمن الدولة في بيانه بشأن المضبوط من السلاح.
وعلى صعيد متصل بذات التصعيد العدائي ظلت تشاد تدعم وبشكل سافر الوجود الأمني لليبيا التي كانت في قمة خلافاتها السياسية مع الحكومة السودانية، وذلك بإيواء عدد مقدر من رجال الأمن الليبي على الحدود السودانية.
وفي الفترة من ابريل 1985م "الانتفاضة الشعبية" وحتى تاريخ 12 أبريل 1989م لم تكن العلاقة بين الدولتين على ما يمكن القول به علاقة طيبة فقد كان لحدثان ما بعث على التوتر الذي مازال قائما حتى الآن.
الأول: وبتاريخ 15/12/1987م اتهم الرئيس التشادي حسين هبري بايواء مسلحين معارضين لبلده والتنسيق معهم بواسطة شخصية مخابراتية سودانية لقلب نظام الحكم في بلده.. وهو ما نفته الحكومة يومها، غير أن الناظر لتقلب الحكومات خلال الفترة من يونيو 1982م وحتى تاريخ الاتهام الأخير 15/12/1987م يلحظ عدم ثبات المواقف للحكومات المتعاقبة وهي بالترتيب حكومة نميري- الحكومة الانتقالية- الحكومة الديمقراطية "وهي الحكومة التي سعى رئيسها السيد الصادق المهدي الى تأمين الحدود التشادية لاعتبارات تخص حزبه والمنطقة التي تعتبر ذات ثقل بشري لحزبه وهو ما أزم الموقف مع الحليف غير متزن المواقف "حسين هبري".
الثاني : التقارب السياسي والاقتصادي بين السودان وليبيا الشئ الذي جعل حسين هبري يوجه كل ميزانية الدولة للعتاد العسكري وتأهيل الجيش التشادي بدعم من فرنسا، وبالفعل كان ان حدثت ثلاث محاولات انقلابية فاشلة أبرزها محاولة ادريس ديبي في مارس 1989م.
وما أن حل يوم 12 أبريل 1989م حتى استقبلت الخرطوم ادريس ديبي "الآكل من كل الموائد"، وذلك بعد فشله في الانقلاب الذي قام به ضد نظام انجمينا.
غير أن الأيام اثبتت ان الدولة الجارة لا يمكن لها الاستقرار السياسي في ظل وجود مغامرين وقتلة من أمثال ديبي وعشيرته.
عهد ديبي من 1990
ففي الأول من ديسمبر 1990م، تمكن ادريس ديبي الذي ظل لاجئا لفترة طويلة بالسودان تمكن من الاطاحة بحسين هبري ليحكم تشاد بالحديد والنار ليبدأ فصل جديد من علاقة انجمينا بالخرطوم.. وأهم ما يمكن الاشارة اليه في الفترة من أول ديسمبر 1990م وحتى الهجوم الفاشل على ام درمان المدعوم من تشاد 10 مايو 2008م هو الاضطراب السياسي التشادي الذي ألقى بظلاله السالبة على الحدود بين البلدين، وحالة الشد والجذب التي لم تتوقف طوال ثمانية عشر عاما.
كان أبرز حالات الشد والجذب بين البلدين هي هجوم مسلحين تشاديين على بلدة أدري واتهام تشاد للخرطوم بأنها تقف وراء هذا الهجوم.. وتعتبر حادثة الطينة وكرنوي في مارس 2003م الدليل الأبلغ على التورط الحكومي التشادي في إثارة القلاقل داخل الأراضي السودانية وهي الحادثة التي جعلت امتحانات الشهادة السودانية يتم اعادتها في يونيو من نفس العام، وهي بداية أزمة دارفور وصولها الى المرحلة التي انتبه العالم للصراع الدائر فيها.
انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأكثر من مرة كان اشهرها وأهمها وذات تأثيرها الواضح على مجريات العلاقات هي التي حدثت بتاريخ 14 ابريل 2007م وذلك على خلفية المواجهات بين جيشي البلدين داخل الحدود السودانية وذلك بعد دخول 45 عربة ذات دفع رباعي محملة بالجنود والذخائر مع جعل القوة السودانية على الحدود للتعامل بالسلاح معها في الوقت الذي أكدت فيه تشاد ان جيشها كان يطارد المتمردين التشاديين.
في 8 فبراير 2007م كان اتفاق طرابلس الغرب بين السودان وتشاد الذي نص على حظر استخدام اي منهما لأراضيه للهجوم على الآخر واجرائهما دوريات حدودية مشتركة وهو الأمر الذي جعل الموقف يبدو للعالم كأنه نهاية صراع البلدين.
تم بمكة المكرمة بتاريخ 3 مايو 2007م اتفاق البلدين الذي نص على احترامهما لعلاقات الجوار وذلك بترفيع بعثتيهما الدبلوماسيتين بالبلدين. وسريعا ما عادت تشاد لسابق انتهاكاتها لعلاقة الجوار مواصلة نكسها للعهود والمواثيق وبتاريخ 29 يناير 2008م،قامت تشاد بقصف قواعد لمتمردين تشاديين توغلوا داخل الاراضي السودانية في الوقت الذي رد فيه السودان باتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة للرد، أعقب هذا الاجراء المطالبة التشادية من قبل المعارضين المقيمين بكل من اوروبا والعالم العربي بوجوب رحيل ادريس ديبي غير مأسوف عليه، وسريعا ما كانت الاحداث تتصاعد على المشهد السياسي التشادي اذ شهدت تشاد في فبراير 2008م حالة اشتباكات عسكرية وصلت حتى القصر الرئاسي محاولة لقلب نظام ديبي في اجرأ محاولة تقوم بها المعارضة التشادية بيد ان الفشل كان نصيبها.. وسريعا ما وجه ديبي الاتهامات للسودان ناسيا دوره في ايواء المتمردين في الفصائل المسلحة بدارفور، وكان رد السودان النفي القاطع لأية صلة له بمحاولة المعارضة التشادية لقلب نظام الحكم.
استمرت اوضاع التوتر عما هي عليه حتى أتت لحظة توقيع الرئيس عمر البشير وديبي لاتفاق داكار في 14 مارس 2008م بواسطة الرئيس السنغالي علي عبد الله واد.. وقد نص الاتفاق على ضبط حدود البلدين وعدم دعم حركات التمرد في كليهما. تم ذلك على هامش قمة منظمة المؤتمر الاسلامي وبحضور الأمين العام اكمال الدين احسان أوغلي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
غزو الخرطوم
كان للمحاولة الانتحارية لغزو الخرطوم وفرار القوات الغازية المدعومة من تشاد بتاريخ 10 مايو 2008م القشة التي لم تقصم ظهر بعير العلاقات بين البلدين بل وامتدت لموقف شعبي واضح وكان أن أعلن الرئيس عمر البشير قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين محملا إياها مسؤولية الهجوم الذي وقع على العاصمة الخرطوم من قبل مسلحي حركة التمرد مع تحميلها –أي تشاد- ما حدث.
وفي ذات الأمر تأسفت تشاد لقرار الخرطوم وجاء في بيان رئاسي "ان الحكومة التشادية تلقت قرار السودان وسط مفاجأة كبرى مضيفا ان تشاد يمكنها فقط ان تأخذ علما بهذا القرار المتسرع.
اخيرا : ماذا تخبئ الأقدار وسط توتر بين البلدين استمر اكثر من أربعين عاما؟ سؤال تجيب عليه الأيام..!
المصدر: صحيفة الأحداث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.