إعلان الإخوان المسلمون يوم السبت الماضي 16 يناير 2010م عن مرشدهم الثامن يحمل أكثر من مفارقة في مسيرة الجماعة التي بدأت في أوخر عشرينيات القرن الماضي وسط ظروف بالغة الصعوبة و التعقيد وسارت وسط أمواج متلاطمة من الاضطرابات والتغييرات محليا وإقليميا ودوليا على كافة الأصعدة. وأولى المفارقات أن المرشد الثامن الدكتور محمد بديع عبد المجيد هو أول مرشد يتم انتخابه في وجود المرشد السابق وفي حياته؛ إذ أرسى فضيلة المرشد السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف تقليدا جديدا وغريبا على مستوى الجماعات والأحزاب في المنطقة العربية والإسلامية وهي سنة التنحي لإفساح المجال لقيادة جديدة للمجموعة دون أن يكون هناك انقلاب أو اضطرابات في الجماعة. والمفارقة التالية التي تصادفنا في اختيار الدكتور بديع مرشدا ثامنا للإخوان المسلمين هو أن الدكتور بديع أصغر المرشدين سنا في حياة الدعوة إذا استثنينا الإمام البنا المؤسس والمرشد الأول الذي تولى الإرشاد وهو في بداية العشرينيات من عمره؛ نجد أن المرشد الثاني حسن الهضيبي أصبح مرشدا وعمره اثنان وثمانون سنة، والمرشد الثالث عمر التلمساني عندما بويع مرشدا كان عمره تسعا وستين سنة، أما المرشد الرابع أبوالنصر فقد كان عمره ثلاثا وسبعين سنة، والمرشد الخامس مأمون الهضيبي تجاوز الثمانين عاما، والأستاذ مصطفى مشهور المرشد السادس كان في الخامسة والسبعين، والأستاذ عاكف المرشد الثامن كان في السادسة و السبعين عند كُلّف بمنصب المرشد، بينما الدكتور بديع عمره الآن لم يتجاوز السادسة والستين إلا بشهور. وإذا تجاوزنا المفارقات في مسألة المرشد الجديد نجد أن التحديات التي تواجهه تختلف كثيرا عن تلك التي تعامل معها أسلافه؛ فالإمام حسن البنا المؤسس والمرشد الأول كان مهمته الأساسية التعريف بالجماعة وشق طريق لها وسط الحياة المصرية التي تمور بالتغييرات والاضطرابات أواخر العهد الملكي السابق في مصر وقبيل قيام الجمهورية في بداية خمسينيات القرن الماضي، ثم مضى الإمام البنا شهيدا إثر أخس جريمة غدر تمارسها السلطة وأحقر إرهاب يتم بآلية الدولة عندما اغتاله زبانية الملك فاروق في العام 1949م. أما المرشد الثاني الإمام حسن الهضيبي الذي تولى منصب المرشد من العام 1951م إلى العام 1973م فقد واجه تحديات داخلية وخارجية بالغة الصعوبة والخطورة، فداخليا وقع الانقسام داخل الإخوان المسلمين الذي قادته مجموعة من النظام الخاص الذين لم يعترفوا بقيادته للجماعة واستقال عدد من كبار الإخوان أو أقيلوا من الجماعة، وخارجيا واجه الإمام الهضيبي طغيان النظام الناصري واستهدافه الجماعة بالقتل والسجن والتشريد، فمضت ثلة من خيرة الإخوان شهداء بعد إعدامهم من قبل النظام الناصري وكان على رأسهم في العام 1954م شهيد القضاء عبد القادر عودة والشهيد محمد فرغلي ويوسف طلعت ورفاقهم، ثم ثلة أخرى أعدمت في العام 1966 وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب وإبراهيم الطيب وهواش وغيرهم، واعتقل عشرات الآلاف من الإخوان في سجون القهر الناصري، فكان على الهضيبي بناء الجماعة والحفاظ عليها وسط هذه المصائب، وكان رحمة الله آية في الثبات والصبر حتى انقشع الحكم الناصري البغيض. أما المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني الذي امتدت فترته من العام 1973م إلى العام 1986م فقد كان عليه مواجهة العصر الساداتي بكل تقلباته ومحنه، لكنه استطاع أن يوجد للجماعة مكانة في الساحة السياسية بعد أن تمددت في الساحة الفكرية والدعوية، فتحالف مع حزب الوفد وتمكن الإخوان في عهده من الوصول للبرلمان لأول مرة في تاريخهم. والأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد الرابع الذي امتدت فترته من العام 1986م إلى العام 1996م فقد واجه بدايات العهد الذي تلى عهد السادات إذ أتيح قدر من الحريات تمكن الإخوان سياسيا في عهده من التحالف مع حزبي العمل والأحرار وقيادة التحالف الإسلامي الذي شكل المعارضة الرئيسة في البرلمان المصري لأكثر من دور في منتصف وأواخر ثمانينيات القرن الماضي، كما تميزت فترة أبو النصر بسيطرة الإخوان على عدد من النقابات المهنية كالأطباء والمهندسين والمحامين وقيادة اتحادات الطلاب والتغلغل في نقابة الصحفيين بوجوه متميزة. والأستاذ مصطفى مشهور المرشد الخامس الذي امتدت فترته من 1996 إلى 2002م فقد كان أحد بناة الجماعة في عهدها الأخير؛ إذ انتدبته الجماعة فسافر إلى الخارج أواخر عهد التلمساني في ثمانينيات القرن الماضي فمد جسور التواصل مع تنظيمات الإخوان في العالم، وعندما عاد إلى مصر كان نعم المعين للمرشدين التلمساني وأبو النصر، وكان معظم وقته يقضيه مع الشباب، ويعتبر الأستاذ مصطفى مشهور من أغزر المرشدين تأليفا للكتب، فقد كتب سلسلة كتب بعنوان من فقه الدعوة كانت عونا للشباب لفهم الدعوة والتحلي بالتوازن والاعتدال والصبر على مشاق الطريق. والأستاذ مأمون الهضيبي المرشد السادس لم تمتد فترته لأكثر من عامين من 2002م إلى 2004م لكنه بثقافته القانونية الصارمة وتربيته في بيت المرشد الثاني والده الإمام حسن الهضيبي استطاع الحفاظ على مكتسبات الجماعة والنأي بها عن الانزلاق إلى العنف والتطرف الذي ضرب الحياة المصرية بواسطة الجماعات الإسلامية أوخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، ثم عادت بعدها الجماعات التي تبنت العنف إلى مراجعات تابت فيها عما اقترفت يداها. أما الأستاذ مهدي عاكف المرشد السابق الذي تولى في 2004م وتنحى في 2010م فقد كانوا يلقبونه في الخمسينيات بالشهيد الحي لأنه حكم عليه بالإعدام في العصر الناصري ثم تم تخفيف الحكم إلى المؤبد، وهو نائب برلماني سابق، ويمتاز بالقوة والصلابة وعدم المهادنة في الحق، وشهدت فترته طفرات واسعة للإخوان وسط الشباب والنقابات والنساء، وتمددت الجماعة في ظل حرمانها من الوجود القانوني حتى سيطرت على الشارع المصري. والمرشد الثامن هو محمد بديع عبد المجيد سامي من مواليد السابع من أغسطس عام 1943 بالمحلة الكبرى وبذا يعتبر هو والمرشد السابق من الذين ولدوا بعد تأسيس الجماعة وهو خريج الطب البيطري من جامعة القاهرة في العام 1965م ونال الدكتوراه في الطب البيطري من جامعة الزقازيق، و هو عضو مكتب إرشاد منذ العام 1996م وقد قدم للمحاكمة ثلاث مرات في قضايا الإخوان المسلمين أولاها كانت في العام 1956 مع الأستاذ سيد قطب وإخوانه، والثانية في العام 1998م، والثالثة في العام 1999م. وعلى طاولة المرشد الثامن الكثير من التحديات التي عليه أن يتعامل معها أهمها الاستمرار في رفع راية جماعة محظورة قانونيا لكنها موجودة في الشارع المصري بل في البرلمان، والحفاظ على مكتسبات الجماعة في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية، كما عليه التعامل مع التنظيمات الإخوانية في العالم العربي عبر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وعلى هذا الصعيد تنتصب قضايا كبرى يتوجب على المرشد الجديد معالجتها والتعامل معها.