مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ المقاومة في الأربعين سنة الماضية .. حصة دعاة الراية الإسلامية

لماذا أربعين سنة؟ لأنها الفترة التي يتلاشي فيها جيل ، ويظهر فيها جيل آخر ، ولعل هزيمة يونيو 1967م وموت الرئيس عبدالناصر في سبتمبر 1970م تصلح لأن تكون فاصلة في تاريخ الأجيال العربية ، المرهقة والمنهكة بعبء وتكاليف التحرر والبحث عن رأسمال فكري وروحي يقودها للبناء والتقدم في معركة ما بعد إجلاء الجيوش الأجنبية من الوطن العربي ، ابتداء من معارك فلسطين وقناة السويس وثورة الجزائر
ولكن هذا الخط الصاعد تعرض لامتحان وابتلاء عرف باسم النكسة وفي حقيقته نكبة وإن كانت أقل بكثير من نكبة قيام إسرائيل في أرض الفلسطينيين . اتجه العقل العربي للأطروحات المادية والعلمانية المتحررة مع رواد حركة البعث العربي والقومية العربية والنظم القمعية الشمولية تحت راية الحزب الواحد والقائد الواحد وشخصنة الحكومة والدولة .
وبرزت المقاومة ، ولعل أجسر أنواع المقاومة كانت مقاومة الحركة الإسلامية في مصر التي صادمت اسرائيل وتم اغتيال مؤسسها الشيخ البنا في فبراير 1949م، ثم تعرضت لمحنة عام «54» حيث تم قطف رؤوس نخبة من روادها " مجموعة الاستاذ عبدالقادر عودة " ثم سيد قطب ورفاقه في منتصف الستينيات ، ثم الصراع مع السادات تحت راية الجماعات الإسلامية والجهاد الإسلامي ، بقيادة صالح سرية وعبدالسلام فرج وظهرت كتابات مقاومة ، صحيح أنها خالية من العمق كمقالة " الفريضة الغائبة " ولكن دلالاتها كبيرة وتوجت هذه المقاومة عملها بمجموعة الإسلامبولي التي اغتالت الرئيس المرحوم أنور السادات ، وكانت لها امتدادات ممثلة في المقدم عبود الزمر وطارق الزمر ودخل معهم السجون عشرات الآلاف وكانت لهذه الحركات اخطاؤها، لقتلها للشيخ الذهبي إن صح ذلك، ولم تكن عملية مدسوسة ولكنها كذلك مثلت إرادة المقاومة والصمود في معركة الهوية ورفض الهيمنة الغربية ممثلة في اسرائيل .
وكذلك قامت الجماعات الموصولة بالراية الإسلامية، بقيادة حركة المقاومة ضد نظام الحزب الواحد والبطش والاستبداد في العراق وسوريا وفلسطين وكان لذلك تكلفته الغالية ، خصوصا أن المقاومة اشتطت، حينما استهدفت أبناء الطائفة العلوية في مدرسة المدفعية ، مما أدى بها إلى أن تدفع ثمنا غاليا بعد أحداث حما وحلب وغيرهما ، أدت الضغوط على الحركات والجماعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي وعلى الأخص في العراق وسوريا والسودان " أيام الرئيس المرحوم النميري " ومصر وليبيا وتونس والمغرب العربي إلى هجرة كوادر إسلامية إلى الغرب واستقرارها بصفة دائمة وصب طاقاتها في إقامة المراكز الإسلامية والمساجد والجمعيات ، وحدث نتيجة لذلك تعارف وتواصل بين النخب المهاجرة كان من ثمراتها قيام اتحاد الطلاب المسلمين في أمريكا الشمالية ونظائره في أوروبا وضمت هذه الإتحادات طلاباً من الخليج وشمال إفريقيا وآسيا وأدت إلى تعارف وامتزاج تجارب وكان للمدرسة الإسلامية السودانية دور كبير في بث الأفكار التنظيمية والمؤسسية وسط هذه المجموعات، المشبعة بالأفكار التقليدية والعشائرية، والتي وجدت في رابطة الجماعات الإسلامية الحصانة من رياح التغريب والعولمة العاتية في عقر أرض الغرب ومراكزه.
ومن خلال التلاقح خرجت موجات إسلامية إلى أندونيسيا وماليزيا وغيرهما وارتبطت بالدافع الوطني والعرقي المركوز في تلك البيئات بخصائصها وخصوصياتها.
ومرت على العالم الإسلامي، أحداث عاصفة تأثرت بها حركة الجماعات الإسلامية والمقاومة شرقا وغربا ، وكان أهمها الثورة الإسلامية في أيران التي قادت إلى جمهورية إسلامية هناك والغزو الروسي لإفغانستان في نهاية السبعينيات ، فمن ناحية أعطت الثورة الإسلامية الإيرانية الامل للجماعات الإسلامية في نهج الثورة الشعبية وإمكانية أسقاط النظم الإستبدادية المسلحة وكذلك فإن الغزو الروسي لافغانستان مكّن لايجاد أرض ملجأ وهجرة للجماعات الإسلامية لمحاربة عدوان على شعب مسلم وبمدد حتى من النظم العربية والغربية ، ولكل أجندته، النظم الغربية والعربية أرادت استنفاد طاقة المجاهدين في حماية أوضاعها، حسب رؤية استراتيجية مستنبطة أن الخطر هو الشيوعية المجسدة في مشروع الإتحاد السوفيتي -بينما كانت فرصة للجماعات الإسلامية المطاردة لوضع ارجلها على قطعة ارض والتدريب والإستعداد للمنازلة.
أصبحت كلمة السجن والمطاردة متلازمة مع وجود الجماعات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي وعلى الأخص بعد الهجوم على برجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001 ، وتمت محاصرة المشروع الإسلامي في السودان ابتداء من محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في يونيو 1995م وتصفية نظام طالبان في افغانستان ثم حرب تدمير العراق التي لاتزال خاضعة للأحتلال الأمريكي .
إذن تراكمات جهد المقاومة على الأخص الإسلامية في مجابهة النظم الإستبدادية في مصر وتونس ، وليبيا وغيرها ، كان يتزايد ويأخذ أحيانا أشكالا مختلفة، ففي عام 2005م ارتضى الإخوان المسلمون الدخول في مجلس الشعب المصري تحت راية المستقلين ومن قبل دخلوا في قبة مجلس الشعب تحت راية حزب الوفد وحزب العمل الإسلامي، ولكن في عام 2010 تم اغلاق هذه الكوة تماما بالتزوير والإقصاء والتهميش والسجن .
أما في سوريا وتونس وليبيا ، فقد انهكت المقاومة فذاب بعضها في بلاد المنفي واتخذوا جنسيات أخرى بينما بدأت بعض مكوناتها في الحوار مع الحكومات لتوفيق أوضاع أبنائها من شتات المنفي . ولكن حدث الأحداث المهمة ، كانت الإنتخابات البرلمانية في الضفة الغربية وغزة والتي اكتسحتها حماس وأدت تداعياتها إلى ولادة شبه إمارة إسلامية في قطاع غزة تديرها حركة حماس المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين. واصبح للمشروع الإسلامي دولة ذات خصوصية، هي الجمهورية الإسلامية في إيران ولها قوة وحضور أدى إلى تغيير كبير في لبنان، ومكّن حزب الله من أن يصبح القوة السياسية الضاربة نتيجة لشوكته العسكرية . ومشروع إسلامي آخر في السودان، تمت محاصرته وإدخاله في مأزومية ومجابهات أدت لاشعال حرب دارفور وحرب جهويات وإنفصال جنوب السودان. وإمارة إسلامية كسبت تعاطف الضمير الإسلامي والعالمي ونجحت في إمتصاص الغارات والضربات الإسرائيلية المتتالية في إطار متغيرات دولية، كان أبرزها إمساك حزب العدالة والتنمية بمقاليد الأمور في تركيا، كما أن حرب اسرائيل على غزة عرت تماما النظام المصري الذي بدأ في بناء الجدار الفولاذي العازل حول غزة. وقامت المحاكم العسكرية بمحاكمات قاسية كما وقع على الأستاذ مجدي أحمد حسين .
منذ نهاية الثمانينيات تغيرت الجغرافية السياسية كثيرا ، بتفكك الإتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية وانهيار جدار برلين، ولكن كل هذا التحول لم يؤثر على سياسات دول المنطقة إلا بزيادة الهرولة وراء أمريكا.
ولعل يمكن تشبيه انتحار بوعزيزي بالصاعق الكهربائي ، ولكن الصاعق الكهربائي إن جاء أو وقع في خلاء أو يباب لايتولد منه حراك أو تغيير ، ولكن أن صادف منطقة مهيئة فإنه يفعل العجب العجاب سلباً وإيجاباً، لأنه يغير حياة الناس والمجتمعات نتيجة للتغيير الكبير الواقع على البيئة والمنطقة، والشخوص ، والموجودات الأخرى، ولكن إن كان إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه هي اللحظة المحورية ، فإنه يمكن تحليل اللحظة المحورية في الثورة المصرية التي استلهمت جزئياً دروس الثورة التونسية ، يمكن إيجاز مكونات تلك اللحظة في ثلاثة أو اربعة أحداث أهمها وأشهرها إضرابات عمال المحلية في 6 أبريل 2008، والذي انبثقت منه المجموعة الشبابية المتواصلة بالشبكة العنكبوتية تحت مسمى " أحياء ذكرى اضراب المحلة الكبرى "والذي تبنته مجموعة 6 أبريل الأمر الثاني التزوير المتكرر لانتخابات الوسط الطلابي في الجامعات ضد الجماعات الإسلامية أساساً، كذلك تزوير انتخابات الإتحادات والنقابات ، ثالثاً مجموعة وائل غنيم ، وتنظيم خالد سعيد للتذكير بقضية الشباب الذي إغتالته الشرطة في الإسكندرية في 6 يونيو 2010م ، وجاء ذلك في ظروف حركت فيه حركة كفاية الضمير المصري ، لأن حركة كفاية ظلت تعمل منذ العام 2000م ، بجسارة وشجاعة ضد ملف التوريث وضد مطلق التبعية لإسرائيل وأمريكا ، وحينما أنهكت لم تجد إلا الدكتور عبدالوهاب المسيري المريض بالسرطان كرئيس لها ، والمعروف برؤيته المصيرية عن اسرائيل ، ثم جاءت اللحظة الكبرى التي ربطت بين هذه الأحداث عندما تم طبخ إنتخابات مجلس الشورى ، وتزوير إنتخابات مجلس الشعب في ديسمبر 2010م ، مما وضع كافة القوى السياسية في مجابهة مع النظام المصري ، حيث أصبح الإخوان المسلمون وأحزاب المعارضة وأيمن نور ، والنخب المصرية وحزب الوسط والناصريين في خط مجابهة ومفاصلة .
وحينها كانت الامور بدأت تنضج داخل المؤسسة العسكرية المصرية التي كانت ضد التوريث ، لأن التوريث أولا يعني تصفية ثورة يوليو 1952م التي قامت بها المؤسسة العسكرية ضد الملكية ، كما أن ذلك يعني خروج قيادة السلطة من يد العسكريين والأمنيين إلى مدني لا يعرف العسكرية وبدون تاريخ ، وبطانته مشكلة اساساً من رجال أعمال وأصحاب السمعة السيئة في مجال المال ، وأن أحد المقربين من جمال ومبارك وأقرب شركائه ، كان أحد المتورطين في اغتيال راقصة لبنانية في دولة الإمارات العربية ، ثم جاء حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وموت العشرات في يناير 2011م ليشتد التوتر الطائفي، وتشتد حركة الاشاعات ، ثم جدد تعذيب البوليس السياسي السلفي حتى الموت في قضية خالد سعيد.
وفي إطار هذه التداعيات جاء هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية في 14 يناير 2011م ، وتدافع الدول الغربية والنظام الدولي للتكفير عن مساندتها لزين العابدين بن علي بالمزايدة بالكلام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وحق الشباب الاجتماعي والسياسي عبر الفيس بوك وغيره، وفي هذا الإطار تحركت فضائية الجزيرة ، التي يديرها شباب يتوق للحرية ويحس بالظلم والحرمان ، لأن جل كوادر فضائية الجزيرة القادمة من فلسطين ومصر والسودان وتونس تعرف الحرمان ، وتعرف ماذا يعني الإستبداد وتعرف دلالات حرق النفس والإضطهاد والتزوير والفساد ، وظلت الجزيرة تلهب المشاعر ، وتستعين في ذلك برموز مثل دكتور القرضاوي ، الذي ليتقي شر بلده ، إتخذ جنسية أخرى، وكالشيخ راشد الغنوشي الذي دفع دفعا لإلتماس جواز سفر انجليزي وعباس مدني المنفي إلى قطر ، وأنور هدام المنفي إلى أمريكا ، علماً بأنهم قادوا أكبر حركة تغيير سياسي بالجزائر مكنتهم من الإنتصار في الإنتخابات التي تم اجهاضها في عام 1991م ، بتواطؤ دولي ومحلي .
وامتدت الشرارة من مصر إلى اليمن مع أن الرئيس علي عبدالله صالح قدم خدمات جليلة لبلده ممثلة في الوحدة بين شطري البلد ، وكتابة الدستور لأول مرة في تاريخ اليمن ، وقيام دولة ذات مشروعية انتخابية لم تعرفها اليمن حتى وإن كانت شكلية، لكن ذلك وظفته السلطة إلى شخصنة الدولة في الرئيس وابنه مع استبداد الفساد، وكل مال الدولة ، في مجتمع قبلي ، ومنقسم كذلك على أسس طائفية ( زيدية + شافعية)، وإنفصاليين ووحدويين وتيارات إسلامية متنوعة من الأخوان المسلمين وحتى القاعدة.
أما ليبيا فلها حديثها الخاص ، ولها خصوصيتها لأنها البلد الغني ، ولكن وحدة الشعب الليبي المحروم من هذا الغني والثراء وهو ثمرة عائدات البترول ، كان جلها يذهب إلى شراء السلاح ودعم ما يسمى بالحركات الثورية في كل أنحاء العالم ، بطريقة لا تتماشى مع مزاج الشعب الليبي في طبيعته البدوية ، ومع ذلك فإن الرئيس القذافي هو صاحب مشروع الجمهورية في ليبيا وهو الذي حرر ليبيا من القواعد العسكرية الغربية كقاعدة جيبوسيس الأمريكية والبريطانية وغيرها، كما أنه وسع التعليم ، واعطى النخب المواكبة فرص كبيرة ، بينما حرم الآخرين وإستخدم قوة وثروات الدولة في إقامة دولة بوليسية اعتمادها على البطش والإستبداد والغاء المواطن الليبي الآخر، مما دفع النخب الليبية لإلتماس الخلاص أين ما وجد نصير ، فكانت محاولات أغتيال القذافي وقيام جبهة الخلاص الليبي ، التي اعتمد أساسها على الخارج، وشنت حملتها الاولى من دارفور السودانية مستفيدة من ظروف الصراع بين الرئيس النميري والقذافي ، وظلت من وقتها المعارضة الليبية مشتتة في الارض ومطاردة ، ويتم اقتناص افرادها فردا فرد. هنا وهناك إلى أن قيض الله لهم الفرج بتحولات الداخل الليبي، والذي هو ثمرة لكفاح مرير بدأه عاشور وزملاءه ومقيرف وإخوانه ، حتى انتهى الامر إلى ما إنتهى إليه في المنطقة الشرقية. أما حديث البحرين فذلك حديث طويل بدأ مع بروز الجمهورية الإسلامية في ايران وبروز علماء دين موصولون بالمجتمع البحريني كتقي الدين المدرسي والهادي المدرسي ، ثم بحزب الله في إيران مع ازدياد حركة النخب والكيانات الشيعية التي أصبحت ترنو للسلطة والثروة والمواطنة الكاملة ، واستفادت من التعاطف الغربي الحامل بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن انتهت إلى ما انتهت إليه ..
التفاعلات الشعبية الهائلة والملتقطة بالفضائيات والهوائيات وعن طريق أدوات التواصل الاجتماعي والسياسي ، احدثت عقلا جديدا ، عقلا جمعيا ، يقوم بدور كبير في الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي ، وهذا العقل أصبح قادر ومهيأ لنصرة المظلوم ، لأن الأنين المكتوم يتحول إلى استغاثة داوية تتداولها أجهزة الإعلام وتملكها المؤسسات النجدة والمروءة العالمية ، كما أن حضور المظلمة وتسليط الضوء عليها ، يكشف عورات الظالمين ويحرجهم ، ومشاع الظلم والقهر والبطش إلا بالسكوت عنه واخفائه ، وإلا فإن الظلمة الطغاة يخافون من الضوء ولايحبون أن يظهروا إلا بمظهر حسن ، لذا لن يملكوا من الجرأة أو الطاقة لتحدي آليات التواصل الاجتماعي والسياسي التي تبث الرعب في قلوبهم بجعل صدر البطش حاضرة في الشاشة ، وتدخل الصورة المعبرة إلى الناس في بيوتهم وغرف نومهم وتشكل أحاسيسهم ومزاجهم وتتقلب اتجاهاتهم وتحركهم في اتجاه المساهمة في جعل العالم مكانا أفضل يوما بعد يوم.
تتلاشى يوميا مع أزدياد حركة التواصل إمكانية بقاء قبضة الدولة الباطشة في المنطقة العربية ، ولكن مع ذلك فإن اسرائيل تظل حاضرة في المجتمعات العربية ، لأن معركتها معركة وجود حتى وإن رفضها عقل المنطقة ولفظها رحم المنطقة ، وستنقل إسرائيل معركتها إلى قلب النظام العربي تحت التشكل وستستخدم ذات أدوات التواصل الاجتماعي والسياسي في استدعاء أدوات النصرة التقليدية والمحلية والدولية ، فالعلم يتجه إلى أن يصبح قرية ، تسمع فيها استغاثة اللهفان والمظلوم والمستجير .
واسرائيل الحاضرة والمتركزة في عالم الفضائيات والاعلام ستدير معركتها بذكاء كبير ، حتى تجيّر العالم ضد المقاومة الفلسطينية والصحوة الإسلامية وكل ما ليس مع إسرائيل، وإسرائيل تحسب وتفهم انها إن لم تنتصر في معركتها الداخلية مع الثورة العربية فإنها ستضطر إلى الدخول في حرب جديدة ضد المنطقة وربما متتالية مع الحروب بصورة أصعب من حرب اكتوبر 1973م. لن يترك العرب لوحدهم لتشكيل اقدارهم ومصيرهم الآني والبعيد، لأن هذه المنطقة فيها اسرائيل وفيها البترول وفيها حركة التجارة العالمية والتواصل الثقافي والحضاري وإن نهضت هذه المنطقة فإنها ستقود الإنسانية من جديد ، لأنها مبعث التحولات الكبرى ، فكل الأديان ظهرت وأشرقت من هنا ومن هنا جاءت التوراة والأنجيل والقرآن ومن هنا ظهرت الديانات وهنا توجد خزانات الطاقة الروحية الكبرى ولحكمة ما اصبحت كذلك المنطقة تختزن حتى خزانات الطاقة المادية الكبري -وهذه المنطقة موعودة وعلى موعد مع القدر والتشكلات الجارية مجرد خطوات تنظيم في الإنتقال إلى المسارات الكبرى التي تشكل التاريخ .
والله أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.