مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصة دعاة الراية الإسلامية
نشر في سودان سفاري يوم 29 - 03 - 2011

لماذا أربعين سنة؟ لأنها الفترة التي يتلاشي فيها جيل ، ويظهر فيها جيل آخر ، ولعل هزيمة يونيو 1967م وموت
الرئيس عبدالناصر في سبتمبر 1970م تصلح لأن تكون فاصلة في تاريخ الأجيال العربية ، المرهقة والمنهكة بعبء وتكاليف التحرر والبحث عن رأسمال فكري وروحييقودها للبناء والتقدم في معركة ما بعد إجلاء الجيوش الأجنبية من الوطن العربي ، ابتداء من معارك فلسطين وقناة السويس وثورة الجزائر ولكن هذا الخط الصاعد تعرض لامتحان وابتلاء عرف باسم النكسة وفي حقيقته نكبة وإن كانت أقل بكثير من نكبة قيام إسرائيل في أرض الفلسطينيين .
اتجه العقل العربي للأطروحات المادية والعلمانية المتحررة مع رواد حركة البعث العربي والقومية العربية والنظم القمعية الشمولية تحت راية الحزب الواحد والقائد الواحد وشخصنة الحكومة والدولة .
وبرزت المقاومة ، ولعل أجسر أنواع المقاومة كانت مقاومة الحركة الإسلامية في مصر التي صادمت اسرائيل وتم اغتيال مؤسسها الشيخ البنا في فبراير 1949م، ثم تعرضت لمحنة عام «54» حيث تم قطف رؤوس نخبة من روادها " مجموعة الاستاذ عبدالقادر عودة " ثم سيد قطب ورفاقه في منتصف الستينيات ، ثم الصراع مع السادات تحت راية الجماعات الإسلامية والجهاد الإسلامي ، بقيادة صالح سرية وعبدالسلام فرج وظهرت كتابات مقاومة ، صحيح أنها خالية من العمق كمقالة " الفريضة الغائبة " ولكن دلالاتها كبيرة وتوجت هذه المقاومة عملها بمجموعة الإسلامبولي التي اغتالت الرئيس المرحوم أنور السادات ، وكانت لها امتدادات ممثلة في المقدم عبود الزمر وطارق الزمر ودخل معهم السجون عشرات الآلاف وكانت لهذه الحركات اخطاؤها، لقتلها للشيخ الذهبي إن صح ذلك، ولم تكن عملية مدسوسة ولكنها كذلك مثلت إرادة المقاومة والصمود في معركة الهوية ورفض الهيمنة الغربية ممثلة في اسرائيل .
وكذلك قامت الجماعات الموصولة بالراية الإسلامية، بقيادة حركة المقاومة ضد نظام الحزب الواحد والبطش والاستبداد في العراق وسوريا وفلسطين وكان لذلك تكلفته الغالية ، خصوصا أن المقاومة اشتطت، حينما استهدفت أبناء الطائفة العلوية في مدرسة المدفعية ، مما أدى بها إلى أن تدفع ثمنا غاليا بعد أحداث حما وحلب وغيرهما ، أدت الضغوط على الحركات والجماعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي وعلى الأخص في العراق وسوريا والسودان " أيام الرئيس المرحوم النميري " ومصر وليبيا وتونس والمغرب العربي إلى هجرة كوادر إسلامية إلى الغرب واستقرارها بصفة دائمة وصب طاقاتها في إقامة المراكز الإسلامية والمساجد والجمعيات ، وحدث نتيجة لذلك تعارف وتواصل بين النخب المهاجرة كان من ثمراتها قيام اتحاد الطلاب المسلمين في أمريكا الشمالية ونظائره في أوروبا وضمت هذه الإتحادات طلاباً من الخليج وشمال إفريقيا وآسيا وأدت إلى تعارف وامتزاج تجارب وكان للمدرسة الإسلامية السودانية دور كبير في بث الأفكار التنظيمية والمؤسسية وسط هذه المجموعات، المشبعة بالأفكار التقليدية والعشائرية، والتي وجدت في رابطة الجماعات الإسلامية الحصانة من رياح التغريب والعولمة العاتية في عقر أرض الغرب ومراكزه.
ومن خلال التلاقح خرجت موجات إسلامية إلى أندونيسيا وماليزيا وغيرهما وارتبطت بالدافع الوطني والعرقي المركوز في تلك البيئات بخصائصها وخصوصياتها.
ومرت على العالم الإسلامي، أحداث عاصفة تأثرت بها حركة الجماعات الإسلامية والمقاومة شرقا وغربا ، وكان أهمها الثورة الإسلامية في أيران التي قادت إلى جمهورية إسلامية هناك والغزو الروسي لإفغانستان في نهاية السبعينيات ، فمن ناحية أعطت الثورة الإسلامية الإيرانية الامل للجماعات الإسلامية في نهج الثورة الشعبية وإمكانية أسقاط النظم الإستبدادية المسلحة وكذلك فإن الغزو الروسي لافغانستان مكّن لايجاد أرض ملجأ وهجرة للجماعات الإسلامية لمحاربة عدوان على شعب مسلم وبمدد حتى من النظم العربية والغربية ، ولكل أجندته، النظم الغربية والعربية أرادت استنفاد طاقة المجاهدين في حماية أوضاعها، حسب رؤية استراتيجية مستنبطة أن الخطر هو الشيوعية المجسدة في مشروع الإتحاد السوفيتي -بينما كانت فرصة للجماعات الإسلامية المطاردة لوضع ارجلها على قطعة ارض والتدريب والإستعداد للمنازلة.
أصبحت كلمة السجن والمطاردة متلازمة مع وجود الجماعات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي وعلى الأخص بعد الهجوم على برجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001 ، وتمت محاصرة المشروع الإسلامي في السودان ابتداء من محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في يونيو 1995م وتصفية نظام طالبان في افغانستان ثم حرب تدمير العراق التي لاتزال خاضعة للأحتلال الأمريكي .
إذن تراكمات جهد المقاومة على الأخص الإسلامية في مجابهة النظم الإستبدادية في مصر وتونس ، وليبيا وغيرها ، كان يتزايد ويأخذ أحيانا أشكالا مختلفة، ففي عام 2005م ارتضى الإخوان المسلمون الدخول في مجلس الشعب المصري تحت راية المستقلين ومن قبل دخلوا في قبة مجلس الشعب تحت راية حزب الوفد وحزب العمل الإسلامي، ولكن في عام 2010 تم اغلاق هذه الكوة تماما بالتزوير والإقصاء والتهميش والسجن .
أما في سوريا وتونس وليبيا ، فقد انهكت المقاومة فذاب بعضها في بلاد المنفي واتخذوا جنسيات أخرى بينما بدأت بعض مكوناتها في الحوار مع الحكومات لتوفيق أوضاع أبنائها من شتات المنفي . ولكن حدث الأحداث المهمة ، كانت الإنتخابات البرلمانية في الضفة الغربية وغزة والتي اكتسحتها حماس وأدت تداعياتها إلى ولادة شبه إمارة إسلامية في قطاع غزة تديرها حركة حماس المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين. واصبح للمشروع الإسلامي دولة ذات خصوصية، هي الجمهورية الإسلامية في إيران ولها قوة وحضور أدى إلى تغيير كبير في لبنان، ومكّن حزب الله من أن يصبح القوة السياسية الضاربة نتيجة لشوكته العسكرية . ومشروع إسلامي آخر في السودان، تمت محاصرته وإدخاله في مأزومية ومجابهات أدت لاشعال حرب دارفور وحرب جهويات وإنفصال جنوب السودان. وإمارة إسلامية كسبت تعاطف الضمير الإسلامي والعالمي ونجحت في إمتصاص الغارات والضربات الإسرائيلية المتتالية في إطار متغيرات دولية، كان أبرزها إمساك حزب العدالة والتنمية بمقاليد الأمور في تركيا، كما أن حرب اسرائيل على غزة عرت تماما النظام المصري الذي بدأ في بناء الجدار الفولاذي العازل حول غزة. وقامت المحاكم العسكرية بمحاكمات قاسية كما وقع على الأستاذ مجدي أحمد حسين .
منذ نهاية الثمانينيات تغيرت الجغرافية السياسية كثيرا ، بتفكك الإتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية وانهيار جدار برلين، ولكن كل هذا التحول لم يؤثر على سياسات دول المنطقة إلا بزيادة الهرولة وراء أمريكا.
ولعل يمكن تشبيه انتحار بوعزيزي بالصاعق الكهربائي ، ولكن الصاعق الكهربائي إن جاء أو وقع في خلاء أو يباب لايتولد منه حراك أو تغيير ، ولكن أن صادف منطقة مهيئة فإنه يفعل العجب العجاب سلباً وإيجاباً، لأنه يغير حياة الناس والمجتمعات نتيجة للتغيير الكبير الواقع على البيئة والمنطقة، والشخوص ، والموجودات الأخرى، ولكن إن كان إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه هي اللحظة المحورية ، فإنه يمكن تحليل اللحظة المحورية في الثورة المصرية التي استلهمت جزئياً دروس الثورة التونسية ، يمكن إيجاز مكونات تلك اللحظة في ثلاثة أو اربعة أحداث أهمها وأشهرها إضرابات عمال المحلية في 6 أبريل 2008، والذي انبثقت منه المجموعة الشبابية المتواصلة بالشبكة العنكبوتية تحت مسمى " أحياء ذكرى اضراب المحلة الكبرى "والذي تبنته مجموعة 6 أبريل الأمر الثاني التزوير المتكرر لانتخابات الوسط الطلابي في الجامعات ضد الجماعات الإسلامية أساساً، كذلك تزوير انتخابات الإتحادات والنقابات ، ثالثاً مجموعة وائل غنيم ، وتنظيم خالد سعيد للتذكير بقضية الشباب الذي إغتالته الشرطة في الإسكندرية في 6 يونيو 2010م ، وجاء ذلك في ظروف حركت فيه حركة كفاية الضمير المصري ، لأن حركة كفاية ظلت تعمل منذ العام 2000م ، بجسارة وشجاعة ضد ملف التوريث وضد مطلق التبعية لإسرائيل وأمريكا ، وحينما أنهكت لم تجد إلا الدكتور عبدالوهاب المسيري المريض بالسرطان كرئيس لها ، والمعروف برؤيته المصيرية عن اسرائيل ، ثم جاءت اللحظة الكبرى التي ربطت بين هذه الأحداث عندما تم طبخ إنتخابات مجلس الشورى ، وتزوير إنتخابات مجلس الشعب في ديسمبر 2010م ، مما وضع كافة القوى السياسية في مجابهة مع النظام المصري ، حيث أصبح الإخوان المسلمون وأحزاب المعارضة وأيمن نور ، والنخب المصرية وحزب الوسط والناصريين في خط مجابهة ومفاصلة .
وحينها كانت الامور بدأت تنضج داخل المؤسسة العسكرية المصرية التي كانت ضد التوريث ، لأن التوريث أولا يعني تصفية ثورة يوليو 1952م التي قامت بها المؤسسة العسكرية ضد الملكية ، كما أن ذلك يعني خروج قيادة السلطة من يد العسكريين والأمنيين إلى مدني لا يعرف العسكرية وبدون تاريخ ، وبطانته مشكلة اساساً من رجال أعمال وأصحاب السمعة السيئة في مجال المال ، وأن أحد المقربين من جمال ومبارك وأقرب شركائه ، كان أحد المتورطين في اغتيال راقصة لبنانية في دولة الإمارات العربية ، ثم جاء حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وموت العشرات في يناير 2011م ليشتد التوتر الطائفي، وتشتد حركة الاشاعات ، ثم جدد تعذيب البوليس السياسي السلفي حتى الموت في قضية خالد سعيد.
وفي إطار هذه التداعيات جاء هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية في 14 يناير 2011م ، وتدافع الدول الغربية والنظام الدولي للتكفير عن مساندتها لزين العابدين بن علي بالمزايدة بالكلام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وحق الشباب الاجتماعي والسياسي عبر الفيس بوك وغيره، وفي هذا الإطار تحركت فضائية الجزيرة ، التي يديرها شباب يتوق للحرية ويحس بالظلم والحرمان ، لأن جل كوادر فضائية الجزيرة القادمة من فلسطين ومصر والسودان وتونس تعرف الحرمان ، وتعرف ماذا يعني الإستبداد وتعرف دلالات حرق النفس والإضطهاد والتزوير والفساد ، وظلت الجزيرة تلهب المشاعر ، وتستعين في ذلك برموز مثل دكتور القرضاوي ، الذي ليتقي شر بلده ، إتخذ جنسية أخرى، وكالشيخ راشد الغنوشي الذي دفع دفعا لإلتماس جواز سفر انجليزي وعباس مدني المنفي إلى قطر ، وأنور هدام المنفي إلى أمريكا ، علماً بأنهم قادوا أكبر حركة تغيير سياسي بالجزائر مكنتهم من الإنتصار في الإنتخابات التي تم اجهاضها في عام 1991م ، بتواطؤ دولي ومحلي .
وامتدت الشرارة من مصر إلى اليمن مع أن الرئيس علي عبدالله صالح قدم خدمات جليلة لبلده ممثلة في الوحدة بين شطري البلد ، وكتابة الدستور لأول مرة في تاريخ اليمن ، وقيام دولة ذات مشروعية انتخابية لم تعرفها اليمن حتى وإن كانت شكلية، لكن ذلك وظفته السلطة إلى شخصنة الدولة في الرئيس وابنه مع استبداد الفساد، وكل مال الدولة ، في مجتمع قبلي ، ومنقسم كذلك على أسس طائفية ( زيدية + شافعية)، وإنفصاليين ووحدويين وتيارات إسلامية متنوعة من الأخوان المسلمين وحتى القاعدة.
أما ليبيا فلها حديثها الخاص ، ولها خصوصيتها لأنها البلد الغني ، ولكن وحدة الشعب الليبي المحروم من هذا الغني والثراء وهو ثمرة عائدات البترول ، كان جلها يذهب إلى شراء السلاح ودعم ما يسمى بالحركات الثورية في كل أنحاء العالم ، بطريقة لا تتماشى مع مزاج الشعب الليبي في طبيعته البدوية ، ومع ذلك فإن الرئيس القذافي هو صاحب مشروع الجمهورية في ليبيا وهو الذي حرر ليبيا من القواعد العسكرية الغربية كقاعدة جيبوسيس الأمريكية والبريطانية وغيرها، كما أنه وسع التعليم ، واعطى النخب المواكبة فرص كبيرة ، بينما حرم الآخرين وإستخدم قوة وثروات الدولة في إقامة دولة بوليسية اعتمادها على البطش والإستبداد والغاء المواطن الليبي الآخر، مما دفع النخب الليبية لإلتماس الخلاص أين ما وجد نصير ، فكانت محاولات أغتيال القذافي وقيام جبهة الخلاص الليبي ، التي اعتمد أساسها على الخارج، وشنت حملتها الاولى من دارفور السودانية مستفيدة من ظروف الصراع بين الرئيس النميري والقذافي ، وظلت من وقتها المعارضة الليبية مشتتة في الارض ومطاردة ، ويتم اقتناص افرادها فردا فرد. هنا وهناك إلى أن قيض الله لهم الفرج بتحولات الداخل الليبي، والذي هو ثمرة لكفاح مرير بدأه عاشور وزملاءه ومقيرف وإخوانه ، حتى انتهى الامر إلى ما إنتهى إليه في المنطقة الشرقية.
أما حديث البحرين فذلك حديث طويل بدأ مع بروز الجمهورية الإسلامية في ايران وبروز علماء دين موصولون بالمجتمع البحريني كتقي الدين المدرسي والهادي المدرسي ، ثم بحزب الله في إيران مع ازدياد حركة النخب والكيانات الشيعية التي أصبحت ترنو للسلطة والثروة والمواطنة الكاملة ، واستفادت من التعاطف الغربي الحامل بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن انتهت إلى ما انتهت إليه ..
التفاعلات الشعبية الهائلة والملتقطة بالفضائيات والهوائيات وعن طريق أدوات التواصل الاجتماعي والسياسي ، احدثت عقلا جديدا ، عقلا جمعيا ، يقوم بدور كبير في الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي ، وهذا العقل أصبح قادر ومهيأ لنصرة المظلوم ، لأن الأنين المكتوم يتحول إلى استغاثة داوية تتداولها أجهزة الإعلام وتملكها المؤسسات النجدة والمروءة العالمية ، كما أن حضور المظلمة وتسليط الضوء عليها ، يكشف عورات الظالمين ويحرجهم ، ومشاع الظلم والقهر والبطش إلا بالسكوت عنه واخفائه ، وإلا فإن الظلمة الطغاة يخافون من الضوء ولايحبون أن يظهروا إلا بمظهر حسن ، لذا لن يملكوا من الجرأة أو الطاقة لتحدي آليات التواصل الاجتماعي والسياسي التي تبث الرعب في قلوبهم بجعل صدر البطش حاضرة في الشاشة ، وتدخل الصورة المعبرة إلى الناس في بيوتهم وغرف نومهم وتشكل أحاسيسهم ومزاجهم وتتقلب اتجاهاتهم وتحركهم في اتجاه المساهمة في جعل العالم مكانا أفضل يوما بعد يوم.
تتلاشى يوميا مع أزدياد حركة التواصل إمكانية بقاء قبضة الدولة الباطشة في المنطقة العربية ، ولكن مع ذلك فإن اسرائيل تظل حاضرة في المجتمعات العربية ، لأن معركتها معركة وجود حتى وإن رفضها عقل المنطقة ولفظها رحم المنطقة ، وستنقل إسرائيل معركتها إلى قلب النظام العربي تحت التشكل وستستخدم ذات أدوات التواصل الاجتماعي والسياسي في استدعاء أدوات النصرة التقليدية والمحلية والدولية ، فالعلم يتجه إلى أن يصبح قرية ، تسمع فيها استغاثة اللهفان والمظلوم والمستجير .
واسرائيل الحاضرة والمتركزة في عالم الفضائيات والاعلام ستدير معركتها بذكاء كبير ، حتى تجيّر العالم ضد المقاومة الفلسطينية والصحوة الإسلامية وكل ما ليس مع إسرائيل، وإسرائيل تحسب وتفهم انها إن لم تنتصر في معركتها الداخلية مع الثورة العربية فإنها ستضطر إلى الدخول في حرب جديدة ضد المنطقة وربما متتالية مع الحروب بصورة أصعب من حرب اكتوبر 1973م.
لن يترك العرب لوحدهم لتشكيل اقدارهم ومصيرهم الآني والبعيد، لأن هذه المنطقة فيها اسرائيل وفيها البترول وفيها حركة التجارة العالمية والتواصل الثقافي والحضاري وإن نهضت هذه المنطقة فإنها ستقود الإنسانية من جديد ، لأنها مبعث التحولات الكبرى ، فكل الأديان ظهرت وأشرقت من هنا ومن هنا جاءت التوراة والأنجيل والقرآن ومن هنا ظهرت الديانات وهنا توجد خزانات الطاقة الروحية الكبرى ولحكمة ما اصبحت كذلك المنطقة تختزن حتى خزانات الطاقة المادية الكبري -وهذه المنطقة موعودة وعلى موعد مع القدر والتشكلات الجارية مجرد خطوات تنظيم في الإنتقال إلى المسارات الكبرى التي تشكل التاريخ .
والله أعلم
نقلا عن صحيفة الراي العام بتاريخ :29/3/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.