المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر.. صهر الجغرافيا في أتون الحرب    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    بين تهنئة محمد كاكا ودعم حفتر ... ماذا يحدث في خاصرة السودان الغربية؟    بعد التعادل بدون أهداف.. الشناوي: لاعبو الأهلي رجال.. وطوينا صفحة ميامي    عمر العمر يكتب: بوصلة رئيس الوزراء السوداني    شركة اتصالات في السودان تعلن توقف خدمتها وتكشف التفاصيل الكاملة    جريمة بشعة لسودانيين بإفريقيا الوسطى    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    مدرب المريخ يصل الي القاهرة    الجهاز الفني للمريخ يضع برنامجا خاصا للنخبة    المريخ يعسكر ببورتسودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أوراق...إسمها عملة)    د. كامل ادريس يطمئن على البعثة الدبلوماسية والجالية السودانية بإيران    شاهد بالصور والفيديو.. هل تزوج الممثل السوداني مصعب سومى من إحدى ضحاياه في برنامج المقالب "زول سقيل" بعد أن سألته من اسم والدته وتوعدته بعبارتها الشهيرة: (كان ما جابك الحنين بجيبك شيخ الدمازين)؟    شاهد بالفيديو.. كشفت عن مجال دراستها وطبيعة عملها بالقاهرة.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تخطف الأضواء في أول ظهور لها مع عمها الممثل وتوأمها "حاتم"    شاهد بالصورة.. أشهر راقصات مصر تشارك بوصلة رقص مثيرة في حفل عقد قران الفنان مأمون سوار الدهب وإبنة الأسطورة محمود عبد العزيز    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    ميسي: توقعات كأس العالم للأندية مختلفة مع ميامي    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    مصر توضّح حقيقة حدوث تغير في الخلفية الإشعاعية داخل أراضيها    توزيع مياه الشرب للفارين من الحرب بمعسكر "أردمي" بمحلية الطينة التشادية    إيران تعتقل 5 أشخاص لالتقاط صور "والتعاون مع إسرائيل"    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    زلزال في الخليج العربي بقوة 3.7 درجات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    اختيار قطر والسعودية لاستضافة التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    يوم عيد وانتهى    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضجة غير مسبوقة: (ميادة قمر الدين تملك جنبات وصلب وشطرنج دايرة ليها راجل بس) والجمهور: (شكلك كترتي من الشربوت)    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    شاهد بالفيديو.. المواطنون يقررون الاستمتاع بالعيد داخل منازلهم.. مئات البصات السفرية تغادر مدينة بورتسودان في يوم واحد صوب العاصمة الخرطوم وبعض الولايات    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن حادثة سرقة ثمانية كيلو ذهب وتوقف المتهمين    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنقاذ «العقل» من ظالميه

«العقل».. وما أدراك ما العقل؟ إنه «أعظم المواهب وسيدها».وإنه ليغشانا من الحبور ما يغشانا، حين يتكاثر «العقلاء» في الأمة، فلن يفسد تدين أمة وعقلها متألق في تلقي الديانة والتعامل مع الدين. ولن تأسن حياة أمة وتخرب، وهي في حالة صحو عقلي شديد السفور. وينقلب الحبور إلى حزن حين يتكاثر «المنتحلون» للعقل، أي حين تكون العقلانية دعوى بلا دليل.. وهناك فرق عظيم بين الأصلاء الأسوياء في العقل وبين المدعين المنتحلين. فليس كل من ادعى العقل عاقلا.
والعقل مظلوم دوما.
مظلوم من الذين يدعونه وهم عنه بعيدون.
ومظلوم من الذين يتهمون مدعي العقل ب«العقلانيين».
وكما اقترفت آثام ضخمة الركام، باسم الحرية، والتقدم، والدين، والعدالة، والأخلاق، اقترفت آثام مماثلة باسم العقل.
وفي هذه الأيام تتعرض مصادر الإسلام - لا سيما النص القرآني - لحملة تشكيك وإرجاف من خلال أجهزة إعلام: فضائية وغير فضائية في الوطن العربي.
ولقد انتحلت هذه الحملة اسم «العقل»، بمعنى الزعم بأن مقولات المشككين جاءت نتيجة لبحث عقلي في النص، وثمرة ل«الحرية العقلية».
فهل هذا صحيح؟
هل هذه دعوى «معقولة»؟
من أجل التحقيق والتمحيص، ينبغي «تصعيد الجدل».
ويقتضي تصعيد الجدل، أو تأسيس الحجاج: تعقب «المصادر الأصلية» لحملة التشكيك في «أصل الدين».. ثم ننظر: هل هي مصادر «عقلانية»، بالمعنى الحقيقي المدرع ببراهين عقلية قاطعة، أو حتى راجحة.
ثمة مقولتان أساسيتان في هذا المجال:
أ) مقولة القول ب«قدم العالم».
ب) ومقولة أن: خلق الكون كان «مصادفة».
فهل هذه مقولات معقولة، اقتضاها العقل الصحيح، ولم يقتض غيرها أو ما يضادها؟
من «العقل» أن يكون «الحكم» في النهاية، أي كنتيجة للحجاج والحوار في كل مبحث.
أولا: القول بقدم العالم.. هذا القول هو الحجة الأقدم والأقوى في نفي أن يكون للكون «إله» خلقه وأوجده.. فهل هذه حجة عقلانية؟
إن العقل لا يقتضي هذا القول، وذلك لسبب عقلاني بديه جدا وهو: الربط بين الشيء وموجده أو صانعه، فليس هناك شيء من دون شيء. ومن يدعي هذا عليه أن ينفي أن يكون للكومبيوتر مخترع مثلا (وفي النقطة رقم 2 استفاضة في هذه الحجة).
ثم إن العلم الحديث حدد للكواكب أعمارا (بغض النظر عن السقف الزمني النهائي لكل كوكب)، وأن يكون لكل كوكب عمر محدد، فهذا يعني أنه - في لحظة ما - كان بعد أن لم يكن، أي أنه ليس «قديما» بلا نهاية.. وهكذا يتبين أن القول بقدم العالم قول غير عقلي أبطلته حقائق العلم الحديث. ولو كان صحيحا في ذاته، أو بسند خارجي، لما جرى إبطاله على هذا النحو الماحق.
ثانيا: مقولة أن الكون خلق مصادفة.
وادعاء المصادفة: إما أن يكون منهجا مطردا، أي يشمل كل شيء وكل حدث، وكل صنعة، وكل إبداع، وإما أن يكون منهجا انتقائيا يطبق على خلق الكون وحده. فإن كان منهجا مطردا، فيترتب على طرده: إلغاء «قوانين السببية» إلغاء تاما. وهي قوانين تقرر أن شيئا من «الممكنات» لا يموت بنفسه من غير شيء. وإذا ألغيت قوانين السببية لا يصح تصور شيء، ولا عمل شيء في هذه الحياة. لا يتصور علم، ولا تتصور حضارة، ذلك أن للعلم أسبابا، وللحضارة أسبابا، فإذا انتفت الأسباب انعدم ما يترتب عليها من ثمار ونتائج في الزراعة والصناعة والتقنية إلخ.. أما إذا كان القول بالمصادفة منهجا انتقائيا مطبقا على خلق الكون فحسب فإن العقل ذاته يوجب الإتيان ببرهان يدل على الانتقاء والتمييز والاستثناء.. وهذا مستحيل. مثلا: إذا قلت إن الطائرة وجدت مصادفة، فإنه يستحيل أن تأتي ببرهان يستثنيها من المخترعات الأخرى - كالمطبعة والتلفزيون والإنترنت التي جاءت بسبب وقصد وتدبير، وهو الاختراع.
وإذا كانت المصادفة موقفا عقلانيا فلتُفَسّر لنا الظواهر والحقائق والوقائع الآتية، تفسيرا عقليا صحيحا:
1) يبلغ عدد العقد العصبية في الدماغ - بصورة إجمالية - 14 مليار خلية.. فهل المصادفة هي التي فعلت ذلك، وهل من العقل أن يقول عاقل بذلك؟
2) في بؤبؤ العين - الشبيه بعدسة الكاميرا - خاصية تجعله قادرا على التكيف وفق شدة الضوء. وهنا يحدث التقلص أو التمدد بسرعة جزء دون ألفي جزء من الثانية. وعملية التقلص والتمدد للبؤبؤ هي التي تحمي العيون من الإصابة بالعمى.. ويقول العلماء: إنه لو اختل هذا النظام لاحترقت شبكة العين من شدة الضوء، تماما مثلما يحترق فيلم معرض للضوء الشديد، ولو بقي البؤبؤ في حالة تقلص لما استطعنا الرؤية.. هل المصادفة هي التي فعلت ذلك؟.. وهل من العقل أن يقول عاقل بذلك؟
في ضوء ذلك نسأل كل عاقل - صحيح العقل: أي عقل في هذه المقولات ل«دارون» مثلا:
أ) أي عقل في قوله: «نستطيع القول: إن مفصل الباب مصنوع من قبل الإنسان، لكنا لا نستطيع الادعاء بأن المفصل المدهش الموجود في صدفة المحار هو من صنع كائن عاقل»؟.. لقد نفى المعقول - ها هنا - وأثبت غير المعقول!!.. أما المعقول فهو أن لمفصل صدفة المحار صانعا، كما أن لمفصل الباب المصنوع صانعا.. وأما غير المعقول فهو تطبيق منهج السببية على الباب، وحجبه عن صدفة المحار.. وهذا احتجاز مفاجئ وغير منطقي مخالف للعقل في حالتيه: البدهية والجدلية.
ب) وأي عقل في قوله: «بعد اكتشاف قانون (الانتخاب الطبيعي) ضعفت عندي فكرة أن الكون مخلوق لغاية وفق خطة معينة، تلك الفكرة التي كانت تبدو لي من قبل قوية»؟
إن عدم العقل هنا يتبدى في ثلاث:
1) في الرجوع عن العقلانية إلى عدم العقلانية: فقد كان يبدو له أن الكون خلق لغاية، وهذا هو الاستنتاج المعقول لأنه أهون على العقل أن يتصور بناء جامعة لغير غاية، من أن يتصور إنشاء كون كامل لغير غاية.
2) أنه جعل الانتخاب الطبيعي إلها بديلا للإله الذي خلق الكون لغاية.. وليس يستطيع عاقل أن يقدم دليلا واحدا على ألوهية «الانتخاب الطبيعي».
3) إذا ادعى مجنون بأن الانتخاب الطبيعي هو الخالق، فإننا نسأله - على الرغم من جنونه:
أ) هل الانتخاب الديمقراطي هو الذي يخلق المرشحين والناخبين؟
ب) الانتخاب الطبيعي يختار - وفق مقولة داروين - الأفضل من بين أحياء كثيرة، أي أنه يختار من بين أحياء موجودة فعلا، والسؤال العقلاني الصارم هو: من أوجد هذه الأحياء ابتداء؟
إذن، هناك من يدعي العقل، وهو ليس من أهله، ولا من أنصاره، ولا من المقدرين له حق قدره.. والمنهج الصحيح في مناقشة هؤلاء: ليس القفز إلى النتائج التي يتوصلون إليها. فهذا القفز نوع من الاستدراج الفكري الشبيه بالألاعيب السياسية. بل المنهج الصحيح هو مناقشة المقومات العقلانية التي ادعوها، فإذا هارت المقدمات، هار ما بني عليها: «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.