في متحف بوشكين للفنون الجميلة أحد أبرز المتاحف الروسية والعالمية، وتحت رعاية وزارة الثقافة الروسية ومعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم، افتتح أخيرا معرض «القرآن الذهبي»، والذي حضر افتتاحه ابناء العاصمة وضيوفها من سفراء البلدان العربية والاسلامية وممثلي الجامعة العربية. المعرض ضم بعضاً من صفحات القرآن الكريم مطبوعة على رقائق من الذهب الخالص، نقلا عن احدى اقدم النسخ التاريخية المعروفة باسم «مصحف عثمان». وقد قامت دار سك النقود التابعة لوزارة المالية الروسية بصك مخطوطة «مصحف عثمان» على رقائق من الذهب الخالص. وحسب مسؤولون في دار سك النقود فقد استغرقت العملية ثمانية عشر شهرا وأعد الخبراء 162 صفيحة من الذهب، بلغ طول كل منها 14 سنتيميترا وعرضها 10 سنتيمترات، واعد النقش على الذهب، افضل الصاغة في الدار. تاريخ هذا المصحف الكريم، يعود الى قرون طويلة مضت منذ استقرت احدى نسخه الأولى في طشقند عام 1869، فيما يقول اجناتي كراتشكوفسكي، احد ابرز المستعربين الروس وأول من ترجَمَ القرآن الكريم في تاريخ الدولة السوفياتية السابقة، إن الكثير من صفحاته قيض لها ان تنتقل الى لينينغراد (سان بطرسبرغ حاليا) عام 1936. وفي كتابه الشهير «مع المخطوطات العربية»، يحكي كراتشكوفسكي قصة انتقال هذه الصفحات التي يبلغ عددها 165 صفحة، نشاهد بعضها اليوم تحفة فنية في رقائق ذهبية. قال كراتشكوفسكي ان عجوزا زارته في معهد الاستشراق عام 1936 لتعرض عليه صفحات متفرقة من القرآن الكريم. وأشار الى أن كل محاولاته الرامية الى معرفة مصدر هذه الصفحات، اصطدمت بعناد وإصرار شديدين على رفض الافصاح عن هذا المصدر، أو الإدلاء بأية تفاصيل تلقي بعض الضوء على تاريخها. فقد كان ذلك يعني الوشاية التي لا بد ان تفضي بطبيعة الحال إبان عهد ستالين الى هلاك ذلك المصدر، وكل من يتشابه معه في الاسماء. غير انه استطاع استبيان المصدر حين جاءته العجوز للمرة الثانية، ومعها عدد آخر من صفحات القرآن الكريم، وبعض الكتب والمخطوطات القديمة. آنذاك عثر في ركن إحدى صفحات تلك المخطوطات على الحرفين الأولين «أ.ن»، ليصيح قائلا: «اذن المصحف ايضا من مجموعة ايرينيا نوفل». هنا شحب وجه العجوز، وتلعثم لسانها لتتساءل هامسة: كيف لك معرفة ذلك؟». والبرفيسور العربي ايرينيا أو سليم بالعربية. ايرينيا نوفل، وهو استاذ للشريعة الاسلامية واللغة العربية سبق أن عمل في قسم تعليم اللغات الشرقية التابع لوزارة الخارجية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وأشار الكسندر سلطانوف نائب وزير الخارجية، الى أن فكرة نسخ صفحات مخطوطة «مصحف عثمان» في رقائق ذهبية تعكس مدى اهتمام الدولة الروسية بتاريخ الاسلام والمسلمين وتظهر دور رجال الأعمال في الحفاظ على تاريخ روسيا. يذكر أن جزءاً من العائد المالي للمعرض سيخصص من أجل تمويل بناء مركز الثقافة الإسلامية التابع لمعهد الاستشراق في سان بطرسبرغ. وقال ميخائيل بيوتروفسكي مدير متحف الارميتاج والمستعرب المعروف ل«الشرق الأوسط»، «إن فكرة تجسيد صفحات المصحف في رقائق ذهبية، ليست منافية لمبادئ الدين الحنيف وتراث وتقاليد المسلمين، الذين طالما زينوا بالذهب أعز وأهم ما تركوه من اثار». وقال إن المخطوطة في شكلها الجديد ستكون درة نفيسة في قائمة مقتنيات العاصمة الشمالية للدولة الروسية من الآثار الاسلامية. ويدرس المسؤولون فكرة عرض المصحف في عدد من المؤسسات الثقافية العالمية مثل مكتبة الاسكندرية. المصدر: الشرق الأوسط (موسكو: سامي عماره)