كم أتمنى أن أقرأ أو أسمع نقداً نزيهاً للحركة الإسلامية عموماً والسودانية خصوصاً، فالنقد النزيه الذي يُرى الحركة الإسلامية أخطاءها، قد يدفعها إلى معالجتها وتلافيها. والنقد النزيه الذي يعترف للحركة الإسلامية بإيجابياتها، قد يحضها على تجويدها وزيادتها. ولكني أنظر إلى أكثر النقد الموجّه إلى الحركة الإسلامية السودانية، فلا أرى إلا جيشاناً وهذياناً ونقداً مغرضاً لبعض الحاقدين والمنخلعين والمنبوذين من صفوفها، ممن يسلّطون عليها عيون السخط، ويغمضون عيون الرضا، ويتنزَّوْن من الغيظ، ويتميّزون من الحنق، ويمنون أنفسهم بقرب موت الحركة الإسلامية، ويتحينون ساعة دفنها ليرفعوا عليها الفاتحة كما يقولون!! أحلامنا التي تحققت: ولكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيراً أو قليلاً، خاصة أولئك الذين تخلوا عن الركب أو تخلى الركب عنهم، وصاروا يعتذرون لتخلّفهم عن ركب الحركة الإسلامية القاصد بتعقبه وتنقصه. لقد انتميت إلى الحركة الإسلامية السودانية وأنا في الحادية عشرة من العمر، وأسهمت بقدر محدود جداً في عملها الثقافي العام، وعشت مع أهلها أحلاماً كباراً من أحلامها، وراقبت تطورها الوئيد عن كثب أو عن بعد، وسجلت انجازاتها ما صغر منها وما كبر، والحق أقول فإنني ما كنت أتخيل قط أن الحركة الإسلامية السودانية ستصل بنجاحاتها إلى هذا المدى البعيد الذي أمنت فيه نفسها وأمنت فيه الوطن والموطن، وأسهمت بقدح معلى في ترقية الحياة وتهذيبها وتشذيبها وضبطها بإطار الإسلام. فقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية -بحمد الله - من طوّرها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشاً مهيباً، وجهازاً أمنياً متيناً مكيناً ركيناً يحميها. وأصبحت هي الحركة الإسلامية الوطنية التي تستحق هاتين الصفتين الكريمتين معاً. وهذه هي الحركة التي سأتحدث الآن عن انجازاتها بقليل من تفصيل. الحركة الإسلامية هي الحركة الوطنية: فمنذ تنفُّذ الحركة الإسلامية السودانية وتمكّنها بفجر الإنقاذ الأغر، أصبحت هي الفاعل الأكبر، الذي يدير العمل السياسي السوداني بالمبادرة والإقتدار، بينما لم يعد معارضوها وأعداؤها الحزبيون يشكلون سوى ردود فعل شاحبة خائبة غارقة في الضلال، فأصبحت الحركة الإسلامية السودانية بذلك هي الحركة الوطنية بحق وحقيق، بينما انتمت أكثر الجهات الحزبية المعارضة لها، إلى جهات أجنبية مشبوهة، لاذت بها، واستذرت بظلالها، ووظّفت نفسها في خدمة أجندتها، المضرة بأجندة الوطن، فهذا واحد من أكبر إنجازات الإنقاذ، أنها مازَت لنا الخبيث من الطيب، وأبانت لنا المعلول من الصحيح، وكشفت لنا العميل من الأصيل. ولدى إحساس الإنقاذ بتبعاتها الوطنية الملحة الكبرى، سعت للتو لإنقاذ الوطن من كيد الخصوم، واتجهت لإنجاز استقلال الوطن الاقتصادي قدر المستطاع، فأخذت ملاحم البناء، والنمو، والدفاع، تتالى لتحقق وعد الإنقاذ الحق. ففي غضون سنواتها الأولى وفي أقسى ظروف الحصار الذي ضرب عليها تمكّنت الإنقاذ من تحقيق إنجازها الأكبر، الذي قلب كل المعادلات، وهو استخراج البترول من باطن الأرض، بعد أن ظل استخراجه وتسويقه في عداد أحلام السياسيين العاجزين القاصرين مجرّد (أحلام ظلوط كما عبّر من ندم على قوله الآن!) وقد واصل هؤلاء السياسيون هزءهم ومساخرهم اللفظية، عندما هبطت أسعار البترول إلى تسع دولارات في وقت استخراج الإنقاذ له، فقالوا في ذلك ما قالوا من هذر القول، ولكن التاريخ كان في صف الإنقاذ، إذ سرعان ما ارتفع سعر البترول، حتى تخطى اليوم حاجز المائة دولار. ولهؤلاء السياسيين العاجزين الهازلين الهازئين وأتباعهم أرفع هذا السؤال المشروع: كيف كان للسودان أن يدبر اليوم نقداً يستورد به البترول من الخارج بهذا السعر الرهيب؟! وكيف كان يمكن أن تحصل البلاد على البترول اليوم، لو لم تقم الإنقاذ ببعد نظرها الثاقب، باستخراجه من باطن الأرض في ذلك الزمان؟! لقد أدى استخراج الإنقاذ للبترول إلى تغيير الخارطة الاقتصادية، وأدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي باطراد، وبذلك نجحت الإنقاذ في رفع مستوى معيشة المواطن السوداني إلى حدٍّ ملحوظ. إذ تضاعف معدّل الدخل الفردي خلال خمس سنوات فقط (ما بين 2000 و2005م). ولا يملك من يتعامل بلغة الأرقام إلا أن يقر بأن المواطن السوداني يتمتع الآن بأعلى مستوى معيشي في تاريخه أجمع. هذا من حيث توفر الأشياء الاستهلاكية، وتوفر وسائل الرفاهية التي يجدها الآن، ولم ينعم بها بهذا القدر الكبير من قبل. وللمتحذلقين الذين يحبون أن يجيئوا بالأوابد، ويتحدثوا عن فناء الطبقة الوسطى، أن يقولوا ما شاءوا أن يقولوا من قول مستظرف مستطرف في هذا المجال، ولكن العارفين الجادين -غير أولي الحذلقة- والذين لهم حس احصائي واجتماعي جيد يعرفون أن المواطن العادي -حتى الفقير- غدا يستمتع من أشياء الحياة اليوم بأكثر مما كان يستمتع به الموظف الذي كان عماد الطبقة الوسطى إلى آخر عقد السبعينيات من القرن الماضي! وبالطبع فإننا لا نعني بهذا أن الفقر قد انقطع دابره في السودان، وغاب وذاب، فهو ما زال موجوداً متوطّناً، لأنه ظل موجوداً ومتوطّناً منذ آلاف السنين، ولا يمكن أن يقضى عليه في عقد أو عقدين من السنين، ولكن يمكن أن يقال إن الفقر ما عاد اليوم يسيطر على الجميع سيطرة مطلقة أو شبه مطلقة كما كان خلال عهود ما قبل الإنقاذ، فقد خرج الكثيرون من قبضته، وستخف قبضته تباعاً باطراد مع مضي الإنقاذ قدماً في إكمال مشروعاتها التنموية العملاقة، وعلى رأسها سد مروي، الذي شارف على الاكتمال، والذي سيغطي قريباً بقية حاجة بلادنا للطاقة ويفيض، فهو ينتج ما قدره (1250) ميغاواط بينما كل ما أنتجه السودان من الكهرباء منذ أن كان السودان لم يزد على (500) ميغاواط!! هذا الإنجاز الهائل الذي قام على إنشائه أبناء الحركة الإسلامية الأبطال الأماجد، وغيرهم من العلماء، والمهندسين، والموظفين، والعمال الوطنيين الغيورين، لا يرى فيه من يستعجل قراءة الفاتحة على الحركة الإسلامية شيئاً ذا بال، لكن إذا قامت على هامشه مظاهرة احتجاج، كما تقوم على هامش أي عمل تنموي ضخم مظاهر احتجاج، فتح صاحبنا عين السخط بأقصى سعتها، ورأى ما يحب أن يرى من المظاهر السلبية، وأعملَ قلمه في الكتابة عنها، وتضخيم خطرها، وأجهد نفسه في التربص، والتفكّر، والتدبّر، عله يجد صيداً ولو صغيراً في الماء العكر! وصديقنا الكريم أسامة القائم على هذا المشروع العظيم، نقول له إنه جدير بك أن تلاحظ وتتحسس تربص الخصوم بهذا المشروع الضخم وغيره، وجدير بك أن تتفادى بحكمتك التي عرفناها فيك قديماً، كل ما يبلبل مشاعر بعض الناس وخواطرهم، وهذه فرصة ننتهزها كي نقول له ولرفاقه من قادة العمل الحكومي الإنقاذي أن يكونوا أكثر كرماً مع مواطنينا الكرام، وذلك حتى لا تثور عليهم زوابع وزعازع، تصبح مادة لأقلام أصحاب الريب. وإنها لمناسبة ندعو فيها قادة الإنقاذ جميعا كي يعيدوا مراراً وتكراراً قراءة سيرة سيدنا ابن هشام، ليتذكروا كيف كان رسول الله لمن يستحق ومن لا يستحق، هبة من لا يخشى عادية الفقر. قال ابن هشام: «ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رد سبايا حنين إلى أهلها، ركب وأتبعه الناس، يقولون: يا رسول الله، أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجأوه إلى شجرة، فاختطفت عنه رداءه، فقال: أدوا عليَّ ردائي أيها الناس، فوالله أَََنْ لو كان لكم بعدد شجر تِهامة نَعماً لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً»! صلى عليك الله كثيراً يا رسول الله، ورَغِم أنفُ هذا الذي يكره منا إيراد هذا الضرب من الوعظ الشجي، ويود أن لو يتمكّن من إخراس أصواتنا وإخمادها بتآمره، بل إنه ليحلم أكثر من ذلك بأن يدفننا ونحن ما زلنا في العنفوان! مؤشرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: وفي الحديث عن الإنجازات الإيجابية للإنقاذ، تفيدنا مراجعة المؤشرات العلمية الاقتصادية الكبرى، أكثر مما يفيدنا الحديث المزاجي الانطباعي الفضفاض، فهذه المؤشرات يقوم على انشائها علماء اقتصاديون من كبار أهل الاختصاص، وعن طريقها نتمكّن من رؤية الصورة العامة للأداء الاقتصادي الكلي للقطر، وهذه المؤشرات أقوى دلالة على ما نقول في شأن التقدّم الاقتصادي الذي أحرزته الإنقاذ. وهنا لن نلجأ إلى استجلاب معلوماتنا من جهات أو مصادر بها أدنى شبهة محاباة للإنقاذ، بل سنأتي بها من جهات ومصادر بها شبهات العداء العظيم لها، ولكن هذه الجهات والمصادر مع شدة عدائها للإنقاذ، فإنها تلتزم الحق، وتقول الحق، ولا تتنكر للحق، كما ينكره، ويتناكره، ويغفله، ويتغافله، هؤلاء الذين يستعجلون رؤية مأتم الحركة الإسلامية السودانية، ويكادون يرفعون الأيدي لقراءة الفاتحة عليها!