صور من دارفور... مطار إبريق تاريخ دارفور ملىء بالحروبات مثل تاريخ السودان القديم والحديث وكذلك تاريخ افريقيا وأجزاء واسعة من العالم حيث شهدت جميعها حروبات شتى بعضها قصيرة وبعضها استمرت لفترات طويلة رغم أن أسباب اندلاعها لم تكن واضحة أو مقنعة بالنسبة للعقلاء، ولكن ما يميز حروبات دارفور خاصة الدائرة الآن (إن كانت للحرب ميزة) انها شبيهة بالهرج والمرج الذين وصفتهما كتب السيرة النبوية بل هما الهرج والمرج بعينهما لأن الفوضى وسوء تقدير المواقف والرجوع عن القسم وبلع الذمة كانوا أسياد الموقف فىهذه الحروبات التى لم يراع فيها للدين قداسته ولا للدماء حرمتها ناهيك عن الفضائح التى تجرجر أذيالها تابعة (متعقبة ) المتحاربين الذين يقودهم الطمع وعمى البصيرة فيقبلون أثناء الحرب على نهب كل شىء يجدونه أمامهم حتى لو كان سرج حمار أو حلة عصيدة أو بيض دجاج ولعمرى إن هذا هو عمل من يفكر ببطنه وليس بعقله فيكون أعمى البصيرة من العواقب التاريخية وأعمى البصر من الرقيب ولعلى نسيت أن أذكر ان بعض المتحاربين وإن شئت سمهم الغزاة ينهبون حتى الأباريق المستعملة . وللإبريق هذا قصة طريفة تعد من نوادر الحرب ، فقد حكى لى معارفى وهو جندى سابق فى القوات المسلحة السودانية أنهم كانوا فى منطقة ما (اتحفظ على ذكرها هنا) وهى مجاورة لإحدى المناطق التى قصفت بالطيران خطأقبل يوم واحد فقط من وقوع أحداث القصة التى أنا بصدد ذكرها وقد سرت بين الأهالى اشاعات تقول إن الطائرات سوف تعود فى اليوم التالى لضرب بقية المناطق المجاورة ظنا أن المتمردين يختبؤن فيها وقد عم الخوف والذعر كل أرجاء المنطقة والقرى والفرقان المجاورة لها وأصبح الناس مشردين فى الخلاء يقضون أيامهم وليالهم هناك ولا يعودون إلى بيوتهم إلا تسللا وذلك لرعاية ممتلكاتهم وبهائمهم ثم يبتعدون عنها مسرعين إلى مخابئهم . ويقول محدثى : إن هذا الحال استمر لفترة من الزمن ولم يسمعوا أزيز أى طائرة فبدأوا يقولون إن الامور قد هدأت وإن موضوع عودة الطائرات ما هو إلا إشاعة مغرضة فبدأوا يعودون قليلا قليلا لممارسة بعض الامور الحياتية البسيطة فى قريتهم من غسل للملابس واصلاح للبيوت التى خربتها البهائم وغير ذلك من الامور ،وفى يوم من الأيام زاد اطمئنان الناس وغسلوا ملاببس بصورة تكاد تكون جماعية كأنهم اتفقوا على ذلك مسبقا ووضعوها (نشروها) على الحبال والاشار والحيشان وظهور القطاطى لكى تجف وكان المنظر ملفتا حيث اصبحت القرية كلها بالتقريب مليئة بالملابس المغسولة بعد أن غابت عنها مظاهر الغسيل أياما عديدة ... وفجأة هبت رياح عنيفة وكان بالقرب من أحد البيوت أبريق ملقى على الأرض أظن أن بعض الأطفال قد لعب به وأراق ماءه وتركه ملقى هناك ،ومع هبوب الرياح بدأ يصدر صوتا شبيها بصوت الطائرات ...وووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو بُووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو...بُووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووفجأة انتبه أحد الناس لهذا الصوت المخيف وأخذ ينادى أهل القرية بأعلى صوت منبها إياهم بأن يختبؤا لأن الطائرة قد أتت مسترشدة بالملابس المنشورة وبدأ يوجه النساء بضرورة لملمة الملابس حتى لاتكون تختة (هدفا ) تصوب الطائرة عليها قنابلها وبالفعل تم جمع تلك الملابس باسرع من ما يتخيله العقل واختبا الناس كل حسب تصرفه والكل يترقب بخوف شديد ماذا يحدث ومنهم من جلس واضعا رأسه بين رجليه ومنهم من أخذ الشهادة حيث لا شىء غير الموت وهوالطريق الدائم . وبعد ترقب وحذر شديدين داما لفترة تقارب الساعة سئم احد الناس انتظار وصول مصدر ذلك الصوت المشؤم وخرج من مخبئه متحديا تحذيرات من معه فى المخبأ وأخذ ينظر فى الأُفق وفى السماء تجاه ذلك الصوت وفجاة اختفى الصوت اختفاء محيرا بعد أن هدأت الرياح وبدأ الناس يخرجون واحدا واحدا كل من مخبئه الذى اختاره على عجل حسب الخبرة والفرصة الزمنية والمساحة المكانية المتاحتين أمامه وبداوا يحللون الموقف وأصبحوا عن سر اختفاء الصوت ومن أين أتى ؟ ولماذا اختفى ؟وهل هو فى الأساس صوت طائرة أم ماذا؟واذا كانت طائرة فلماذا أتت ؟ ولماذا رجعت ؟ وهل ستأتى مرة اخررى أم لا؟ وبينما هم يتساءلون فقد أتت موجة هوائية وبدأ الصوت يظهر من جديد رويدا كأنه صوت طائرة وبدأ الناس يهرولون إلى مخابئهم وبينما الحال كذلك إذا بأحدهم ينفجر ضاحكا ويصيح فى الناس بعبارة أرجعوا تعالوا الله يلعن أبو دى طيارة ...ويقول عرفت الموضوع عرففت الموضوع وقبل أن يسأله الناس هرول إلى الجهة الشرقية وعلى مسافة عشرين مترا تقريبا من مكانه هوى على الأرض وأصبح يضحك بصوت مرتفع والدموع تسيل على خديه ثم بكى ونهض وافقا ممسكا بيده اليسريق إبريقا مصنوعا من مادة البلاستيك ويقول للناس هاهى طائرتكم قد نزلت هنا فى هذا المطار واخذ ينادى فى الناس فجاؤه وهم خائفون وانظارهم تتجه الى السماء فى الأُفق البعيدخوفا من الطائرة المزعومة حتى وصلوا مكان الابريق (المطار) فاوضح لهم اخوهم أن الصوت الذى سمعوه هو صوت هذا الابريق أصدره بعد أن غشيته الرياح وليس صوت طائرة فانجر الجميع بالضحك حتى تبللت صدور بعضهم بالضحك وبعضهم ضحك حتى تمرغ بالتراب ولما فرغوا اصدورا أمرين بالاجماع ، الاول سمعوا به مكان الابريق :مطار ابريق وقرروا أن يكون هذا المكان مقرا لاجتماعاتهم، والامر الثانى قضى بالزام اى واحد منهم بان يصنع لابريقه غطاء سواء كان من المواد المحلية أو أى شىء آخر حتى لا يشربوا مقلبا آخر بسسبب أى ابريق من أباريقهم، وكل من يخالف هذين الامرين سوف يعرض نفسه للمساءلة والعقاب بواسطة العقداء (العقد) والشيخات والحكامات. الحافظ عبدالنور مرسال بريد إلكتروني [email protected]