الحلقة الأولى ( 1- 2 ) ثروت قاسم Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] مجلة الأيكونمست ؟ في عدد يوم السبت 7 يونيو 2014 ، تناولت مجلة الايكونمست البريطانية المحترمة قصة مريم – ابرار ، وذكرتنا بأن الله سبحانه وتعالى قد سأل الرسول ( صلعم ) مستعجباً في الآية 99 في سورة يونس : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ وحولت الإيكونمست السؤال ذاته لحكومة الخرطوم في موضوع مريم – ابرار ؟ وذكرتنا الإيكونمست بأنه نادراً ما يتم تنفيذ عقوبة الإعدام للمرتدين عن دينهم ، خصوصاَ في عالم اليوم ، إلا في دولة السودان ؛ حيث تم إعدام الإستاذ محمود محمد طه في صباح الجمعة 18 يناير 1985 بتهمة الردة . والمُضحك المُبكي إن الأستاذ محمود كان يدافع عن صحيح الإسلام ، ويفند زيف وخطل قوانين سبتمبر 1983 الغير إسلامية ، والتي كانت تدعي ، جوراً وبهتاناً ، إنها قوانين واحكام الشريعة الإسلامية . اشارت الايكونمست إلى مقالة كتبها الكاتب المصري حسام السكري في صحيفة ( المصري اليوم ) يستنكر فيها إعدام مريم شنقاً حتى الموت ، ويُطالب حكومة الخرطوم برجمها بالحجارة حتى الموت ومعها طفلها ( سنتين ) وطفلتها ( شهر ) ، وكذلك زوجها المسيحي دانيال واني ؛ لكي تعطي حكومة الخرطوم المسلمة درساً لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الثرثارة لن تنساه ، ولكي تُظهر لحكومات الغرب وبالاخص لحكومة صاحبة الجلالة في لندن من هو ( البوص ) الآمر الناهي ؟ لم تكن مجلة الإيكونمست هي الوحيدة التي تناولت قضية مريم المرتدة ، بل على العكس تماماً لا توجد صحيفة او مجلة أو وسيطة من وسائط الإعلام المرئية او المسموعة او المقرؤة في اروبا وامريكا وباقي دول العالم ، لم تتناول بالإدانة والإستنكار والهجوم المُقذع حكومة الخرطوم على تعاملها الوحشي والبربري مع مريم ، كما قال السيد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني ، مختزلاً مواقف المجتمع الدولي المصدومة من تصرفات حكومة الخرطوم ضد مريم المسكينة . في الحالات العادية ، كان السيد كاميرون يتلفن لرئيس الدولة المعنية ، ويطلب منه في أدب ودبلوماسية عمل ما يلزم لإحتواء الحدث . ولكن في حالة دولة السودان ، يهاجم السيد كاميرون دولة السودان ، عبر الوسائط الإعلامية كلها جميعها ، ويعيرها وقادتها بأقذع الألفاظ ، إستجابة للرأي العام في بلده ... الرأي العام الذي ينتخبه في إنتخابات وستمنسترية تدابر إنتخابات السودان المخجوجة ، وحتى إنتخابات مصر ( 97% ) وسوريا (88% ) ! في هذا السياق ، يدعي المجتمع الدولي أن لا تفريق بين السلطات الثلاثة في السودان ، ويؤمن بأن السلطة التنفيذية ( الحكومة ) تضع السلطة التشريعية في جيبها اليمين ، والسلطة القضائية في جيبها الشمال ، وسلطة الإعلام الرابعة في جيب الدكتور بلال . يُوجد احمد في الحكومة ، وحاج أحمد في البرلمان ، وشيخ أحمد في القضائية ، ودكتور احمد في الإعلام ! وكفى بنا عادين . قضية مريم صارت وصمة سوداء في جبين الدولة السودانية ، وأعادت إلى أذهان المجتمع الدولي مظاهرات مقاطيع الأطراف في شوارع الخرطوم خلال الحقبة النميرية الإسلاموية ، تدمير طالبان الإسلامية لتماثيل بوذا التاريخية ، ومحاكمة طفل رضيع في باكستان المسلمة بتهمة الإرهاب ، وخطف بوكو حرام المسلمة لتلميذات المدارس . وتذكر المجتمع الدولي السيدة لبنى حسين وبنطلونها ، والسيدة إنتصار شريف والحكم عليها بالرجم بالحجارة حتى الموت لإتهامها بجريمة الزنا ؟ في كلمة كما في مية ، جسدت مريم وضع دولة السودان المزري المشين بين دول العالم . ثنائيات مريم – أبرار ؟ تفور قضية مريم – ابرار بالثنائيات العجيبة . تجد المكون الأول في كل ثنائية من إخراج مريم والمجتمع الدولي ، مدابراً للمكون الثاني في ذات الثنائية من أخراج عائلتها وآخرين محليين . الحقيقة غائبة بين المكونين . نستعرض في هذه المقالة من حلقتين بعضاً من هذه الثنائيات كما يلي : + هل هي مريم يحى ابراهيم أم أبرار الهادي محمد عبد الله ؟ + هل هي مرتدة أم رائدة ؟ + هل هي مكلبشة في زنزانة فرنية ام طليقة في غرفة مكندشة في سجن ام درمان للنساء ؟ + أين يلبد الشيطان ؟ في المادة 126 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م أم في تعنت قاضي محكمة الموضوع ؛ بمعنى آخر هل القضية سياسية أم قضائية ؟ دعنا نستعرض الثنائيات المذكورة اعلاه ، كل على حدة ، في النقاط التالية : اولاً : هل هي مريم يحى ابراهيم أم أبرار الهادي محمد عبد الله ؟ هناك روايتان متدابرتان حول شخصية مريم – ابرار الحقيقية . يروي شقيقها السماني الهادي محمد عبد الله الرواية الأولى ، ويروي محامي مريم الرواية الثانية على لسان مريم . الرواية الأولى ؟ تقول الرواية الأولى إن ابرار الهادي محمد عبد الله قد ولدت عام 1986م بقرية أم شديرة ريفي القضارف لابوين سودانيين ابناء عمومة لزم . تحصلت ابرار على بكالريوس في الكيمياء الحيوية من كلية المختبرات في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ( 2007 ) ، بعد دراستها ما قبل الجامعة في مدارس القضارف . وبدأت أبرار التحضير للماجستير في نفس موضوع الكيمياء الحيوية وفي نفس الجامعة . شاركت ابرار في زواج شقيقتها في القضارف في شهر مايو من عام2013 ، وكانت بحق ( ام العروس ) عملاً ومشاركة . رجعت ابرار إلى الخرطوم بعد حفلات الزواج لمواصلة عملها في شهادة الماجستير ، وإختفت كلية عن نظر وسمع اهلها في القضارف . في ديسمبر 2013 اكتشف اهلها مكان مخبئيها في ضاحية الحاج يوسف في الخرطوم، وإنها تنصرت ( يا للهول ؟ ) وتزوجت مسيحياً سودانياً من الزرقة اسمه دانيال كودي ، هاجر إلى امريكا ، ورُزقت منه بطفل ، وحامل بآخر . فتح شقيقها بلاغاً ضدها لردتها عن الدين الإسلامي ، وزواجها بمسيحي . وتوالت الأحداث حتى صدور الحكم ضدها بالشنق حتى الموت لعدم قبولها الإستتابة والرجوع إلى الدين الإسلامي بعد الردة . كما حكمت المحكمة بتطليقها من زوجها المسيحي وجلدها 100 جلدة لإرتكابها جريمة الزنا لعدم إعتراف المحكمة بزواجها من مسيحي وهي المسلمة . تصر عائلتها على إرغامها على الإستتابة والرجوع إلى الدين الإسلامي ، وتطليقها من زوجها دانيال كودي المسيحي ، ورجوعها إلى القضارف وتزويجها من أبن عمها المسلم ، وطي صفحة هذا التراجيكوميديا . الرواية الثانية ؟ يحكي محامي مريم الرواية الثانية على لسان مريم . ولدت مريم مع إنتفاضة ابريل 1985 لاب سوداني مسلم ( يحى ابراهيم اسحق ) من قبيلة الزغاوة ، وأم اثيوبية مسيحية . ملامحها في صورها الفتوغرافية تؤكد جذورها الإثيوبية ! شهادة ميلادها تقول إنها مسلمة لأبيها . هجر ابوها والدتها وهي طفلة ( 6 سنوات ) ، ونمت مريم وترعرعت في حضن أمها ، وأخذت منها الديانة المسيحية ، إسماً وممارسة . تخرجت مريم من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ( 2007 ) ، ودخلت عالم التجارة بفتح كنتين صغير في ضاحية الحاج يوسف . بجهد مريم وخيالها التجاري صار الكنتين دكاناً ، ونما حتى صار سوبرماركت صغير . بلغ الحسد مبلغه من اخوانها لابيها الفقراء ، فطمعوا في متجرها الزاهر . فتح الاخوان بلاغاً ضد مريم بأنها أرتدت عن الدين الإسلامي وصارت مسيحية . كما إحتوى البلاغ على تهمة الزنا لأنها تزوجت ( 2011 ) مسيحي سوداني ( السيد دانيال واني ) ، وهي المسلمة ، وانجبت منه طفلاً ( 2012 ) ، وحامل بالطفل الثاني ( 4 شهور ) عند فتح البلاغ في يناير 2014 . في فبراير 2014 ، تم القبض على مريم ، وتم سجنها في سجن امدرمان للنساء , وتقديمها للمحاكمة بتهمة الردة من دين الإسلام إلى المسيحية ، وتهمة الزنا لانها تزوجت وهي المسلمة مسيحياً ؟ أنكرت مريم في المحكمة إنها إعتنقت الإسلام ، وأكدت إنها منذ مولدها على دين أمها المسيحية . ولكن شهد اخوانها لأبيها في المحكمة بانها مسلمة ، حسب دين ابيها وشهادة ميلادها . أعتمد القاضي على شهادة ميلاد مريم التي تؤكد أسلاميتها ، وعلى كون ابيها مسلماً ، بالإضافة لشهادة اخوانها على القسم . وقرر إن مريم قد أرتدت عن الدين الأسلامي وأرتكبت الفاحشة والزنا بزواجها الباطل من مسيحي . القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م ينص في المادة 126 على قتل المرتد عن الإسلام ، وعلى جلد الزانية وإعتبار زواجها باطلاً . إستناداً على هذه المادة ، حكم القاضي بجلد مريم 100 جلدة لإرتكابها جريمة الزنا ، وبتطليقها من زوجها فوراً , وبإعدام مريم شنقاً حتي الموت إذا لم تقبل الإستتابة وترجع إلى الدين الإسلامي . أصرت مريم على الإستمرارفي إعتناق الدين المسيحي ، ورفضت الإستتابة رفضاً بيناً وباتاً . أكد القاضي حكمه بأعدام مريم شنقاً حتى الموت بعد أن تضع مولودها ، وإمهالها سنتين حتى تنتهي من أرضاع المولود وفطمه . وإستمر سجن مريم في سجن أمدرمان للنساء . نواصل هذه التراجيكومديا في الحلقة الثانية مع باقي الثنائيات ...