Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1- الحوار والعميان ؟ حوار الوثبة الوطني الذي أبتدره الرئيس البشير في يوم الأثنين 27 يناير 2014 وتعامل الحكومة والمعارضة معه يحاكي القصة الأسطورية للفيل وتعامل العميان معه ! الاعمي الاول يمسك جسم الفيل فيظن الفيل حائط ضخم ! الاعمي الثاني يمسك خرطوم الفيل فيتصور الفيل طلمبة مياه ! الاعمي الثالث يمسك سن الفيل , فيتخيل الفيل تمثال من المرمر ! وهكذا دواليك ! تلمس الحكومة حيوان الحوار وتتحسسه فتتخيل إستحقاقاً دستورياً لا يمكن المساس به ، وإلا حدث فراغ دستوري في يوم الجمعة فاتحة شهر مايو 2015 . تعيد الحكومة النظر كرتين ، فترى إنتخابات ابريل ( وليس كذبة أبريل ) تجسيداً مادياً للحوار ؛ الإنتخابات التي يتحاور خلالها المرشحون مع جماهير الشعب حول برامجهم الإنتخابية ، ويصوت الشعب ويختار الأفضل ، في تجسيد آخر للتحول الديمقراطي الكامل ، تماماً كما تطالب المعارضة . وتهلل الحكومة : عاش حوار الوثبة الوطني ! عاشت الديمقراطية ! 2- الحوار والمعارضة ؟ في المقابل تمسك المعارضة بحيوان الحوار وتتحسسه فتتصور شيئاً مدابراً تماماً لتخيلات الحكومة . تقول المعارضة بأن تصرفات الحكومة وافعالها منذ إطلاق الحوار في يوم الأثنين 27 يناير 2014 تؤكد بأن الحوار في حضن هذه الحكومة صار صفرياً وغير مجدي . برهنت الحكومة بأفعالها بأنها لا تحترم ولا تفعل أياً من الإستحقاقات المطلوبة للحوار المجدي . يمكن الإشارة لخمسة من هذه الإستحقاقات التي لم تحترمها الحكومة ، والتي بدونها يصير الحوار عبثياً : أولاً: تؤمن المعارضة ، على حق ، بأن الإنتخابات من مخرجات الحوار ، ولا تسبقه ولا تجسده . الحوار في عرف المعارضة ينتج حكومة إنتقالية قومية تشارك فيها كل القوى الوطنية بدون عزل لطرف أو هيمنة طرف على الأطراف الأخرى ؛ وتشرف هذه الحكومة الإنتقالية على عقد إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة . الحوار يمثل الحصان والإنتخابات العربة التي يقودها الحصان ؛ ولا يمكن للعربة أن تقود الحصان ، كما لا يمكن للإنتخابات أن تسبق أو تستصحب الحوار ، خصوصاً إذا كانت إنتخابات تم إعلان نتائجها في مؤتمر صحفي في يوم الأربعاء 7 يناير 2015 . نعم ... في ذلك اليوم ، أعلنت الحكومة قائمة الفائزين في 70% من الدوائر الإنتخابية البرلمانية ، وتصدقت ببقية الدوائر الإنتخابية لاحبابها الموالين لها ، والذين لا يعصون لها أمراً ، فكلهم جميعهم من فئة ال (نعم ) أنجية . إصرار الحكومة على عقد الانتخابات في ابريل 2015 تعني عمليّاً وضع ملف الحوار على الرف وعدم الإيفاء بأحدى أهم مستحقاته ، لأن المنطقي أن تأتي العملية الانتخابية كمنتوج من منتوجات الحوار... الحوار يستولد الإنتخابات وليس العكس ! ثانياً : في مساء الأحد 4 يناير 2015 ، فجرت الحكومة ثورة الإنقاذ 2 الدستورية ، بتبني المجلس الوطني في مساء ذلك اليوم ، التعديلات الدستورية التي منحت الرئيس البشير مزيداً من السلطات المطلقة والمحصنة من المساءلة التشريعية والقانونية . على ماذا تتحاور المعارضة مع الحكومة في ظل هذه التعديلات الدستورية التي : نصبت الرئيس البشير حاكماً دستورياً مُطلقاً يُعين الولاة ناسفة مبدأ الفيدرالية المنصوص عليه في الدستور ، بما يؤكد إنها تعديلات غير دستورية ، لأنها تناقض الدستور . وعلى ماذا تتحاور حركات دارفور الحاملة السلاح والحركة الشعبية الشمالية ، وقد حرمهما الدستور الجديد من رايات الفيدرالية والحكم الذاتي التي يرفعونها ، والمنصوص عليها في الدستور الإنتقالي لعام 2005 ، المُعدل في عام 2014 . أعطت هذه التعديلات أجهزة الأمن والاستخبارات مهاماً تنفيذية، وجعلت منها جيشاً نظامياً ثانياً موازياً للجيش الدستوري ، في مدابرة لنصوص الدستور ! كيف يكون حوار في حضن حكومة تخالف نصوص الدستور الإنتقالي (2005 ) المُعدل في 2014 ؟ قطعت هذه التعديلات الدستورية الطريق أمام حركات دارفور الحاملة السلاح بأن قننت إتفاقية الدوحة ( يوليو 2011 ) ، التي ترفضها هذه الحركات . على ماذا ، إذن تتفاوض وتتحاور هذه الحركات مع الحكومة ؟ على تقسيم بيتزا اكلتها الحكومة ؟ إغتالت هذه التعديلات حيوان الحوار ودفنته في مقابر أحمد شرفي . ألا تذكرك ، يا هذا ، هذه التعديلات بتعديلات الرئيس المصري السابق محمد مرسي للدستور المصري في نوفمبر 2012 ، والتي أودت بحياة مرسي وصحبه الكرام من نبلاء الأخونجية في مصر الشقيقة في يوليو 2013 . ثالثاً : إشترطت الحكومة أن يكون منبر الحوار برئاسة الرئيس البشير . ولكن المرجعية الأولى لأي حوار أن يكون برئاسة محايدة وغير حزبية ، لا أن تجمع الرئاسة الخصم والحكم في شخص واحد . حوار سوريا بين الحكومة والمعارضة برئاسة الأممالمتحدة ، وكان حوار الكوديسا في جنوب افريقيا برئاسة قضائية محايدة . وعليه تُطالب الحكومة بأن يكون منبر الحوار برئاسة الوسيط مبيكي الذي نصبه مجلس الأمن مسؤولاً عن الحوار ، ضمن مهام سودانية أخرى . رابعاً : وتتسآل المعارضة كيف يمكن أن يتم حوار في غياب كامل للحريات العامة ؟ كيف يتم حوار والسيد الإمام ، العمود الفقري لأي حوار ، يتم تهديده تارة بالإنتربول ، وتارة بالعمالة للصهيونية العالمية ، وتارة أخرى بالإرتزاق . ذات هذا السيد الإمام نفسه الذي يطالب عدوه اللدود وحليف الحكومة ، الأستاذ الطيب مصطفى ، منحه جائزة الدولة التقديرية لإقناعه الجبهة الثورية نبذ الخيار العسكري الهجومي ونبذ مبدأ تقرير المصير للمنطقتين ؟ لذلك تصر المعارضة على أن يكون الحوار في مناخ يكفل الحريات العامة لأطرافه ! خامساً: وتختم المعارضة مرافعتها الموضوعية مُطالبة بتوفر ضمانات سودانية ، وإقليمية، ودولية لتفعيل مخرجات الحوار . بدون هذه الضمانات يحاكي الحوار ما سبقه من إتفاقيات بلغت 16 إتفاقاً لم تفعل الحكومة أياً منهم . دعنا نذكرك ، يا هذا ، في هذا السياق بحوار ملتقى كنانة ( اكتوبر 2008 ) ، الذي إبتدرته الحكومة وأشرفت عليه في محاولة منها لحل قضية دارفور والسودان في مبادرة أهل السودان التي اطلقتها الحكومة ؟ تحاور اهل السودان في عام 2008 في الخرطوم وكنانة ، وإعتمدوا إعلان ملتقى كنانة ، الذي إحتوى على حزمة توصيات لحل المسألة السودانية . وافقت الحكومة وقتها على تفعيل هذه التوصيات . فرح اهل السودان وقتها بأن ( الخير قرب ) ، ولكنه كان سراب بقيعة ، حسبه إنسان السودان ماءاً ، ولكن عندما جاءه ، لم يجد عنده شيئاً . وضع اهل الإنقاذ ملف حوار وتوصيات إعلان كنانة على الرف ، حيث لا يزال ، بعد أن علاه التراب ؟ وسوف يلحق ملف حوار وتوصيات إعلان حوار الوثبة ، بعد الإنتهاء منه بعد شهور ، وربما سنوات طوال ، بأخيه إعلان حوار كنانة ، ويحتل محله الشرفي على الرف ، بعد الإلتفاف عليه من جديد . إذن بدون هذه الضمانات ، خصوصاً الدولية ، فإن الحوار سوف يُولد ميتاً ! ولأن الحكومة لم ولن توف بهذه الإستحقاقات ، فقد هللت المعارضة : مات الحوار التايواني ، عاش نداء السودان ! مالكم يا قوم كيف تحكمون ، أم لكم كتاب فيه تدرسون ؟ 3- خاتمة ؟ نجح السيد الإمام في توحيد مكونات المعارضة بشقيها ، إلا من إستكبر وأبى ، في إعلان باريس ونداء السودان ؛ ومع الحكومة الممثلة في لجنة (7+7) في أعلان أديس أبابا الذي باركه الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن . الإعلان الذي وضع بدوره خارطة طريق تُلزم الحكومة بالحوارالمُجدي ، والاتفاق مع المعارضة ، حول مائدة مستديرة في مؤتمر تحضيري في أديس ابابا برئاسة مبيكي ، على مبادئ وأجندة والمشاركين في مؤتمر دستوري جامع ، يتم عقده لاحقاً في الخرطوم ، ويمثل سدرة المُنتهى للحوار المجدي . نعم ... نجح السيد الإمام في توحيد مكونات المعارضة ، وفي وضع الحكومة أمام مسؤولياتها ، بعد أن نجح في إقامة مركزثقل جديد ، بتكوين توازن قوى جديد ، وإن شئت الدقة ... توازن قوى الضعف . أمام هذا الوضع الجديد الذي يشير إلى الجمل والجمال ولا ثالث لهما ، سوف تحاول الحكومة أن تجد لها باب خروج آمن ، بأن تحاول أن تفعل مبدأ ( فرق تسد ) بين مكونات تحالف قوى نداء السودان ، وتبيع الترماج للسيد الإمام بثمن تراه بخساً . يسعى ترماج الحكومة لحندكة السيد الإمام وحمله بعيداً عن قوى تحالف نداء السودان ، لانه الشخص الوحيد الذي يعرف رواية الحكومة بل يحفظها عن ظهر قلب . في الايام القادمة ، سوف تحاول الحكومة تحويل بوصلة سفينة الحوار ، لتدفع بها إلى شفا جرف هار لينهار بالمعارضة في ذات السبعة أبواب ، لكل باب منهم جزء مقسوم ؟ أما السيد الإمام فسوف تكون مرجعيته الحصرية التي لا ثان لها وهي ثنائية : + التنسيق الكامل والتحالف الوثيق مع مكونات تحالف قوى نداء السودان ... تحت المطر وسط الرياح ، وأكان تعب منك جناح يا طير السيد الإمام في السرعة زيد . + الإلتزام الحرفي بخارطة الطريق التي دفع بها السيد الإمام لأمبيكي ولمجلس الأمن في يوم السبت 6 سبتمبر 2014 ، مباشرة بعد التوقيع على إعلان أديس ابابا مع مبيكي ولجنة ( 7+7 ) ، كل على حدة ، في يوم الجمعة 5 سبتمبر 2014 . خارطة الطريق التي وافقت عليها جميع مكونات المعارضة في نداء السودان ، والتي سوف تهدي السيد الأمام وقومه في قادمات الأيام . ألا تسمع ، يا هذا السيد الإمام يردد لنفسه الآية 58 في سورة الأنفال : وإما تخافن من قوم خيانة ، فأنبذ إليهم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين .