الحلقة الثانية ( 2- 3 ) ثروت قاسم Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1- مجلة الايكونمست البريطانية ؟ لعل مجلة الايكونمست البريطانية الأكثر إحتراماً ومصداقية في العالم قاطبة . وهي المجلة – الصحيفة الوحيدة التي لا تظهر أسماء مراسليها وكتابها على صدر تقاريرهم ومقالاتهم . في عدد يوم السبت 26 ابريل 2014 كتبت المجلة تقريراً ضافياً عن دولة جنوب السودان ، لعل عنوانه ( عمق جديد من الفظاعة ) يختزل الوضع المأساوي في جنوب السودان . نستعرض في النقاط أدناه إنطباعاتنا عن أهم ما جاء في التقرير بالإضافة لتقارير بعض الوكالات الإخبارية الأخرى : اولاً : تدعي الايكونمست إن مداخيل دولة جنوب السودان من البترول والهبات والمنح والإعانات الأجنبية ، منذ إنفصال الجنوب عن الشمال في يوليو 2011 ، قد تم إستخدامها لغرضين أثنين لا ثالث لهما : + الغرض الأول الدفع بسخاء لأمراء الحرب ، الذين تشكل مليشياتهم المسلحة وحاصل جمعها جيش الحركة الشعبية . صار كل أمير حرب غني أو مليونير حرب ، له حسابات بنكية مترعة في نيروبي وكمبالا وربما لندن ، بالإضافة للفيلل والشقق الفاخرة . + الغرض الثاني هو إشباع نهم وجشع النخبة السياسية الفاسدة ، التي إعتبرت المال العام مالاً خاصاً ولغت فيه وما تفني العناقيد . يكتب الرئيس سلفاكير ل 72 متنفذاً سياسياً ( من بينهم وزراء حاليين ) يرجوهم ويتوسل إليهم إرجاع 4 مليار دولار تم إختلاسها من الخزينة العامة ؛ ولكن لا حياة لمن ينادي الرئيس سلفاكير . منعت ثقافة الفساد المتجذرة ، والتوازنات القبلية ومليشيات البعض المسلحة الرئيس سلفاكير من فتح بلاغات ضد هؤلاء المتهمين وتقديمهم للمحاكمة . ويحكي الملاً من قوم الجنوب عن فضيحة الذرة ، المفروض توريدها لصد المجاعة الطاحنة في عام 2012، والتي لم يتم توريد جوال واحد منها وذهبت 2 مليار دولار من الخزينة العامة إلى حسابات بعض القطط السمان ، التي وردت الوهم في جوالات بدلاً من الذرة . ويحدثك صديقك منقو زمبيزي في يامبيو عن كيف إختلس الزعيم دينق آلور 8 مليون دولار لتوريد خزائن وهمية لوزارته ( شئون مجلس الوزراء ) ؛ وأرجع المبلغ المُختلس عند إكتشاف فعلته للخزينة العامة . ثم تم إسدال الستار على الجريمة ، وكأنها لم تكن ، وصار الزعيم دينق آلور بعدها رئيساً للجنة إستفتاء أبيي العليا في عام 2013 بدرجة وزير مركزي ومتحدياً لعزيز المسيرية عبدالرسول النور ؛ ومفاوضاً في مفاوضات أديس ابابا ؛ حتى عفا الرئيس سلفاكير عنه وبقية مجموعة السبعة في يوم الخميس 24 ابريل 2014 . صار الفساد المالي مرجعية للملأ من قوم الجنوب ، وكما قال زُهير بتصرف : إن لم تسرق الناس ، تُسرق ؟ تتسآل مجلة الأيكونمست مستغربة كيف يتم بناء دولة في خضم هذه العفونات والزبالات ؟ وتؤكد المجلة إن السبب الأساسي وراء كوارث ومآسي دولة جنوب السودان مردها للعراك الدموي حول دولار البترول والمعونات الأخضر ، ومن ثم على السلطة لتأمين الدولار ! الدولار هو المبتدأ والخبر ؟ ثانياً : في يناير 2012 قفل الرئيس سلفاكير آبار البترول إثر خلاف مع حكومة الخرطوم حول رسوم نقل البترول عبر أنابيب البترول المملوكة للشمال . وتبع ذلك فتح وقفل وفتح لأنابيب البترول ، الأمر الذي قلص من مداخيل الجنوب من البترول ، بالإضافة لعزوف الدول المانحة من تقديم أي معونات وآبار النفط مقفولة . بدأ العراك بين أمراء الحرب والنخبة السياسية حول المداخيل المتناقصة من دولار البترول ؛ وإمتنعت إدارة اوباما والإتحاد الأروبي من الإستمرار في شراء امراء الحرب لضمان الإستقرار . فنجط امراء الحرب ومثلهم معهم من الساسة والمتنفذين المنتفعين ، فحدثت ورجغة يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 ، وتدهورت الأوضاع من سئ إلى أسوأ حتى وصلنا لمجزرة بانتيو يوم الأثنين 14 ابريل 2014 ، ومجزرة بور يوم الثلاثاء 15 ابريل 2014 ، ومجزرة الرنك يوم الجمعة 25 ابريل 2014 ، وقبلهم مجازر جوبا يوم الاحد 15 ديسمبر 2013 وملكال يوم الاحد 9 مارس 2014 وليير يوم السبت اول فبراير 2014 . دعني أذكركم بمجزرة ليير ، لعل الذكرى تنفع المؤمنين ؟ تجلت الكراهية الشخصية المستعرة التي يحملها الرئيس سلفاكير للدكتور رياك مشار ورغبته في الإنتقام منه بأي شكل من الأشكال في قصف الجيش اليوغندي قرية ليير في ولاية الوحدة ، مسقط رأس الدكتور رياك مشار ، في يوم السبت 1فبراير 2014 ، بعد حوالي أسبوع من توقيع إتفاقية وقف العدائيات في اديس ابابا في يوم الخميس 23 يناير 2014 . دك الجيش اليوغندي قرية ليير بالصواريخ وحرقها عن بكرة أبيها ، وكذلك كل القرى المجاورة لها ، وقتل النساء والأطفال الفارين بدم بارد ، كما ترى في الصورة المرفقة ؟ الصورة تُظهر جثث النساء والأطفال والشيوخ الفارين من ليير ، والذين قُتلوا بالمدافع الثقيلة وهم في حالة فرار في يوم السبت 1فبراير 2014 ؟ أما مدينة ليير فقد تمت تسويتها بالارض وصارت قاعاً صفصفاً ! ليس لقرية ليير أي أهمية إستراتيجية حربية سوى إنها قرية الدكتور رياك مشار ويقطنها اهله المباشرين ؟ صورة لمجزرة ليير ( يوم السبت 1فبراير 2014 ) وتتنبأ الايكونمست بأن الأسوأ في الطريق ، وربما كانت المجازر السابقة المذكورة آنفاً مناظر الفيلم القادم ؟ ثالثاً : هناك إجماع نادر في مجلس الأمن لوضع حد لمساخر أمراء الحرب والنخبة السياسية بما في ذلك الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار . تدرس إدارة أوباما السيطرة على الشئ الوحيد المشترك بين أمراء الحرب والنخبة السياسية ... الحسابات الشخصية البنكية خارج جوبا ، وتجميد هذه الحسابات . كما تدرس إدارة اوباما إعداد قائمة لحظر سفر عدد من أمراء الحرب والنخبة السياسية بالإضافة لتجميد حساباتهم البنكية . وتقول الايكونمست أن الحديث بدأ يدور همساً حول تحويل ملف جنوب السودان إلى محكمة الجنايات الدولية لإجراء ما يلزم ؛ وتؤيد هذا الإجراء حتى الصين التي لها إستثمارات مهولة في دولة الجنوب ، وترى إستثماراتها في مهب الرياح الصرصر . وهناك إجماع على تفعيل حظر لإرسال أي سلاح لطرفي النزاع في دولة الجنوب ، ولكن الخوف المرضي من غول الشمال سوف يؤخر تفعيل هذا الحظر ؟ في هذا السياق ، وفي يوم السبت 26 ابريل وصلت إلى جوبا السيدة نافي بيلاي ، المفوضة السامية لحقوق الإنسان ، وفي معيتها السيد آدم دينق المستشار الأممي لمنع الإبادات الجماعية ، لتقصي الحقائق حول المجازر التي تحدث في دولة جنوب السودان ، وذلك حسب طلب مجلس الأمن . سوف يتخذ مجلس الأمن قرارات حاسمة على ضؤ تقرير السيدة نافي بيلاي منها : + إمكانية تحويل ملف الجنوب لمحكمة الجنايات الدولية ؛ + حظر سفر عدد من الجنوبيين وتجميد حساباتهم البنكية ، حسب قائمة تعدها السيدة نافي بيلاي ؛ + حظر إرسال إي سلاح أو ذخيرة لطرفي النزاع في دولة الجنوب . + دراسة إمكانية وضع دولة جنوب السودان تحت وصاية الأممالمتحدة لفشل أهلها في إدارة شئونها ؟ في هذا السياق ، إقترح السيد هيرمان كوهين ، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية ( 1989- 1993 ) وصاحب شركة لوبيات متنفذة في واشنطون ، وضع دولة جنوب السودان تحت الوصاية الأممية ، بتكوين حكومة بمؤوسساتها التنفيذية المختلفة من جيش وشرطة وخدمة مدنية وقضاء من الأممالمتحدة ، كما حدث في جمهورية الكنغو الديمقراطية في عام 1960 ؟ تنبع أهمية هذا الإقتراح وإمكانية تفعيله من العوامل الآتية : + يتكلم السيد هيرمان كوهين في أذن السيد جون كيري ، وزير الخارجية الأمريكي . السيد كوهين من المتنفذين في أيباك الصهيونية ، الذيل الذي يهز الكلب الأمريكي ؛ + اوباما ( قرفان ) من الوضع الحالي في جنوب السودان ، ولا يقبل بإستدامته ؛ + وإن الدول الأعضاء ( 15 ) في مجلس الأمن ، بما في ذلك الصين ، متفقة ، حسب الأيكونمست ، بان الوضع الحالي في دولة جنوب السودان لا يمكن أن يُسمح له بالإستدامة ، وإلا تكررت تجربة رواندا وإباداتها الجماعية ( 1994 ) ؛ الأمر الذي لا يمكن لمجلس الأمن السماح به في عصر حماية حقوق الإنسان ، وحماية مفهوم R2P Responsibility to protect أو المسؤولية للحماية ؟ + أرسل أصدقاء دولة جنوب السودان في واشنطون ( الممثل الهوليودي جورج كلوني ، الناشط جون برندرغاست ، الدبلوماسي روجر ونتر ) خطاباً مفتوحاً للرئيس سلفاكير يؤكدون فيه إن الوضع القائم في دولة جنوب السودان لا يمكن السماح له بالإستدامة ، وإلا فكرت حكومة الخرطوم في ملئ الفراغ ، كما فعلت روسيا في شبه جزيرة القرم . خصوصاً وقد لمح الرئيس البشير إن بعض الدول قد طلبت منه ضم جنوب السودان لدولة السودان كما كان الحال قبل يوليو 2011 . يعتبر هولاء السادة المتنفذون في الكونغرس إن رجوع الجنوب للشمال أمر دونه خرط القتاد ، ويفضلون إستباق أي محاولة في هذا الإتجاه بوضع الجنوب ، لفترة محددة ، تحت وصاية الأممالمتحدة ، ويختفي من على خشبة المسرح السياسي الرئيس سلفاكير وصحبه والدكتور رياك مشار وصحبه ، السبب الحصري وراء محنة الجنوب . + في ضعفه ، عقد الرئيس سلفاكير إتفاقية عسكرية مع مصر ، وبدأت مصر في إمداده بالسلاح . لم تقبل إثيوبيا وإسرائيل بهذا التصرف العدواني ، وسوف تدعمان وضع دولة الجنوب تحت وصاية الأممالمتحدة لوقف التمدد المصري في أعالي النيل والهضبة الإستوائية . كما ترى ، يا هذا ، فإن إمكانية وضع دولة جنوب السودان تحت وصاية الأممالمتحدة ، كالطفل الغرير الذي لا يملك من أمره شيئاً ، إحتمال لا يمكن تجاهله ؛ وإنما يجب تدبره وإستباقه وتجاوزه بإتفاق الإشقاء الأعداء في مفاوضات أديس ابابا ، التي وصلت إلى طريق مسدود . تختم الإيكونمست مقالها بأن الآمال في بناء دولة جديدة من الصفر في الجنوب تغرق في بحار من الدماء ؟ وربما كان الحل الوحيد هو وضع دولة الجنوب تحت وصاية الأممالمتحدة ، وقطعاً ليس رجوعها لحضن الغول الشمالي ؟ قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ! إن الله على كل شئ قدير . نواصل في الحلقة الثالثة مع كجور الرئيس سلفاكير ...