January 31, 2016 ضمن النشاط الكثيف لفاعلية وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها العديدة على كل الصُعد، جاءت تطبيقات «الواتساب» التي شكلت وحدها ثورة في عالم التواصل والتفاعل. أطلعني صديق، عضو مع مجموعة ما، على رسالة لعضو آخر، نقله عن مجموعة أخرى على ما يبدو. فحوى نص الرسالة التي نسبت إلى «مسطول» وهو»حشاش» في بعض الدول، تقول الرسالة «مسطول طرح لمسطول سوداني، الأزمة في البلاد السودانية، فقال له، الحل، أن ندعو سريعا لمؤتمر المساطيل، وسوف تطرح عليهم خطة اغتيال الديكتاتور لحل الأزمة السودانية». جدير بالإشارةإلى أن ظاهرة «المسطول»، التي تعج بها صفحات التواصل السودانية بشكل خاص، أصبحت تشكل رمزية أدبية وعنوانا مهما للإسقاطات واللامبالاة والنقد الذاتي للعديد من الظواهر، سواء جاء ذلك في الوعي أو اللاوعي، إلا أنه محل اهتمام لدى قطاع كبير من السودانيين. ظاهرة توظيف رمزية «المسطول»، أصبحت تشكل أدبا اجتماعيا، له سلبياته وإيجابياته، حيث النصوص تنسب إلى مجهول، والرمزية تعيش على الخيال، حيث النصوص التي تنسج وتبنى ومن ثم تنسب إلى «المسطول»، هي ذات رسائل نقدية عميقة، وتحريضة واستفاهمية، فيها السياسي والاجتماعي والثقافي والديني والتاريخي واليومي الحياتي لحال ومآل السودانيين، إنه فن أدبي خاص، ينتجه عقل واع يتحدث برمزية «المسطول» الذي يركب حصان خياله في رصد الأشياء وظواهرها ومن ثم الحكم عليها ومعالجتها على طريقته. الأمر طبيعي في حالة الأزمة السودانية، كما أن له مرجعيات ومبررات ومسوغات، في ظل انعدام وانسداد أي أفق لحل الأزمة السودانية، وفق متطلبات حراكها التاريخي. الواضح للعيان، أن أزمات البلاد في الاتجاهات الأربعة والتمركز الحاكم، لا تحل إلا بسقوط الإسلام السياسي من دائرة الحكم، والإسلام السياسي لا ولن يتخلى عن السلطة، عبر تسوية مزعومة أو مفاوضات مرتقبة أو ما يسمى بتقنية «الحوار الوطني»، كتقنية لاحتواء القوى الوطنية المعارضة، لأن القناعة السياسية التي يستند إليها الرئيس السوداني منذ توليه السلطة، هو توازن القوى العسكري، الذي يحسب لصالح الحكم في الراهن التاريخي، حيث، بالمقابل، لا يؤمن بإرادة الجماهير السلمية، التي استطاع حكمه، عبر أدوات عديدة تعطيلها من الفاعلية والدينامكية. كما أن القوى النشيطة التي تتصدر مهام الثورات السودانية تعيش أزمات وجدلا داخليا يتعلق بسؤال لفائدة من تقوم الثورة؟ أي سؤال البديل في ظل بنية الوعي الجمعي السوداني وشكل صراع الإرادات المجتمعية السودانية، التي هي شديدة الوطأة وظاهرة وبائنة، ولم تعد مخفية، أن ثمة تواطؤا ما. أمام هذا الإنسداد التاريخي لواقع الأزمة السودانية وورطة القوى الوطنية المقاومة التي تعيش على الخطاب أكثر من الفعل، أخفقت هذه القوى حتى اللحظة، رغم شاكلة النداءات «نداء برلين وباريس والسودان «، في بناء توازن قوي حقيقي، يقوم بمقام الممثل الشرعي، وقد تكون لأغراض القوى النشيطة ذاتها، عوض التمثيل الذي يتولى مهام السيادة باسم الشعب، استنادا لأغراض الشرعنة، فيها فقد الدين الإسلامي محل الشرعنة، وتعرض «للتجارة» من طرف الإقطاعيين الإسلامويين بفئاتهم وبذاتهم العسكرية المختلفة، بدون أي معتقد سياسي أخلاقي محلا للاستناد، كما تبين، من خلال سيرورته التاريخية، فقد فيها الدين السمح، الكثير من القيم والخصوصيات وأعترته التشوهات، وأحسب بعد مرحلة «كنس» غزو الإسلام السياسي للبلاد بعلله وترهاته، قد يحتاج الدين الإسلامي نفسه، لمراجعة، بفصله عبر قطيعة معرفية بين قيم الغزاة الذين تاجروا بفكر متسطح لحد البلاهة وحقائق الدين الإسلامي، بشقيه الشعبي والرسمي. أمام هذا، طبيعا أن يأتي هذا التشريح الدقيق لما روي أو ما ُنقل عن «المسطول» وفتاواه، وإن كانت محض خيال، كفكرة للخلاص السوداني واستعادة الدولة، عبر توازن جديد، غير توازن القوة العسكرية، بتوازان للرعب أو الإرهاق أو بتوازن الاغتيال، الذي ليس جديدا في الساحة السياسية العالمية، رغم وجوده كثقافة في المجتمع السياسي السوداني، مع أنه ممارس وبطريقة صامتة في الحكم، سواء فيما بينهم أو مع آخرين. معلوم، أن الخلاص السوداني مفتتحه، هو إسقاط البشير وأركان حكمه، الذين سيظلون على مواقفهم، لأن أي تسوية أو حوار يقود إلى تفكيكهم معناه مراجعة السجل الكبير لجرائمهم الجنائية والاقتصادية في حق الشعب السوداني، وبالتالي ليس هناك من معنى للحكم الذي يقوم بقيادته، الرئيس الحامي لعرش الإجرام في البلاد، القيام بمبادرة حقيقية إلا بتجديد توازن القوى، والعسكري فيه أساسا. وفي غياب أو تأخير هذا المعادل أيضا هناك موضوعية لجراحات أخرى فيها قد لا نتبني علنا ظاهرة الاغتيال، لكن نجد لها من الموضوعية وموقعا للإعراب السياسي. بالأمس القريب، يتحدث ممثل الحكومة السودانية في المشاورات غير الرسمية بين القوى الحركية العسكرية الوطنية في دارفور والحكومة السودانية، أن ما تقوم به الحكومة من تجديد وتطبيق للإبادة الجماعية الثانية في دارفور لاغراض نهائية في الإقليم، تتحدد حصرا في إلغاء إنسان تلك الأرض. إن ذلك يقع تحت مهامها الدستورية وحماية المواطنين، بل هي فرصة لتكملة مخطط الإبادة الأولي، وهنا الدستور، ليس وثيقة عقدية إنما هو وثيقة تحمل مصالح ولحماية مجموع الأجندات الشخصية. هو ليس محل اعتراف، كشأن القوانين، ولكنه الغطاء القانوني، رغم عدم شرعيته ومشروعيته يدير به البشير كل أشكال الخراب السوداني. دعوتنا للجان المجتمعة في الحوار الوطني السوداني أن يطرحوا ملف العدالة في السودان، وإمكانية تحقيقها، هو الطريق القصير لحل الأزمة في البلاد، بحيث تكون «الجنائية» واستحقاقاتها هو استحقاق «وطني» فهو أكثر عقلانية من استيراد ثقافة الاغتيال، حسب فتاوى المسطول. ٭ كاتب سوداني مقيم في لندن محجوب حسين